الحريري خفف لهجته التصعيدية ضد سوريا.. له مصلحة في الاستثمار

الحريري خفف لهجته التصعيدية ضد سوريا.. له مصلحة في الاستثمار
السبت ٢٦ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٢:٠٨ بتوقيت غرينتش

يبدو المشهد اللبنانيّ متّجهاً ليكون مغايراً على ما كان عليه في السابق.. ذلك أن معركة القاع ورأس بعلبك في وجه تنظيم "داعش" كما معركة جرود عرسال في وجه "جبهة النصرة" فصلت بين مرحلة وأخرى، بين مرحلة كان فيها الإسلام السياسيّ متمثّلاً بتلك القوى وبواسطة بيئات راعية وحاضنة ومهيمنة، وينساب في الحيزّ السياسيّ فيتغلغل في تفاصيل عديدة ويحدث الشغب في حروب متنقلة ويرسل المتفجرات والانتحاريين إلى مواقع مختلفة في الضاحية الجنوبية وسواها، فالتبس الواقع السياسيّ به عند بعض الأفرقاء وظهر نافراً ومؤثّراً.

العالم - مقالات

ومرحلة تطل على تكوين جديد تستمد منه رسوخها ووجهها بشكل كامل، وهو تكوين يتم التفاوض عليه في سوريا، وغالب الظن انه لن يتفاعل في خطوطه الجديدة قبل أن تتنقى الأرض السورية كلها من الأدران السرطانية كما تتنقى الأرض اللبنانية وتطهر.

ومما لا شك فيه أن رئيس الحكومة سعد الحريري يتصرف مع تلك المرحلة باتزان كلي بحسب اوساط مقربة منه، يستوعب العناوين ويقيم علاقة جدلية معها بصفاء كامل حتى تتضح صورتها الأخيرة.

وتقول الأوساط إنه قد لاحظ بقوة تلك التبدلات الجذرية خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فالحرب على الإرهاب خيار وقرار، وهي تتم بالتعاون والتنسيق مع موسكو وبصورة شخصية مع الرئيس فلاديمير بوتين على الرغم من بعض التمايزات الواضحة في المصالح.

وقد سمع الحريري من الرئيس الأميركي، ومن الذين التقاهم، أن أميركا لا تملك بدائل للنظام في سوريا، وفهم ما مفاده أن التسوية السورية ستترسخ من خلال الرئيس بشار الأسد ومعه. والأمم المتحدة تعكف على كتابة دستور جديد لسوريا ستتم مناقشته من الجميع. وعلى هذا فإن شخصيات في أميركا تربطهم بوالده الشهيد صداقات قديمة وهم على تواصل معه، قد نصحوه بعدم أخذ أي موقف معاد ومتصلب لسوريا ولرئيسها ونظامها، ذلك أن التسوية لن تمر وتصح إلا بالنظام. وبالتالي فإن له مصلحة بأن يندرج في التسوية بأبعادها حتى يكون له موطئ قدم في سوريا من خلال الاستثمار فيها.

في موازاة ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، قد دخلت مرحلة جديدة من التبدلات مع ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان، متأثرة بالمناخات الجديدة السائدة في الخليج (الفارسي) ومنه إلى سوريا من خلال الحسم الميداني وترسيخ الحل السياسي، ومن المعروف أن علاقة طيبة تربط ولي العهد والحريري تسمح له من جديد بالدنو إلى موقع القرار على حد قول الاوساط نفسها، وعلى هذا لاحظ الحريري أن السعوديين لم يعودوا يدمنون السباب ويكيلون الشتائم للرئيس السوري بشار الأسد، ويصرون على تنحيته بالقوة، حيث كان عادل الجبير وزير الخارجية السعودية أحد أركان هذه المرحلة وبطلاً من أبطالها.

فلا يمكن نسيان موقفه الشهير من الأسد خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف وقد اثار حفيظته. فمنذ أكثر من شهرين بطلت تلك الموجة الحافلة بالعنف اللفظي والكلامي مع دخول المملكة في مرحلة انتقالية، وبدء التهيئة لقمة روسية- سعودية، ستنعقد قريبًا بعد طول جفاء بين الطرفين، فتؤول بنتائجها إلى مجموعة مساع سيبذلها الجانب الروسي سيما بين السعودية وإيران من جهة وبين السعودية وقطر من جهة ثانية.

ومن شان ذلك أن ينعكس إيجاباً على التسوية السورية المنتظرة من باب توحيد المعارضة بمنصاتها السعودية والمصرية والروسية، والاتجاه بسلاسة ورحابة إلى مفاوضات جنيف. وتقول معلومات غير مؤكدة ولكنها مطروحة من ضمن السياق السياسي ان ثمة وسطاء يعملون على خط الرياض - دمشق بصورة غير معلنة، يساهمون في تذليل العقبات قدر الإمكان من ضمن منظومة اقتلاع الخلايا الإرهابية والتكفيرية من جذورها، لتسهيل التسوية السياسية وتسييلها في المفاوضات المرتقبة في جنيف (موقف الجبير الأخير منطلق من هذا التواصل).

وخلال زيارة دونالد ترامب الأخيرة الى الرياض سمع السعوديون كلاما واضحا بضرورة الاتجاه نحو الخيارات التهدوية مع دمشق طالما أن بشارًا يقاتل الإرهاب. وقد لاحظ المراقبون أن السعوديين قد توقفوا عن الهجوم، والحريري قد حدا حدوهم في اتباع الهدوء، وعلى هذا لم يكن موقفه حاداً في وجه زيارة الوزراء اللبنانيين إلى دمشق على الرغم من محاولته عدم إسباغ الهالة الرسمية عليها. ولكنه لم يرفضها إطلاقاً.

هذا المشهد بوضوحه التام، كان له أبعد التأثير في معركة فجر الجرود، وسينعكس بدوره مع انفلات الأمور وانفلاشها في مخيم عين الحلوة بفعل حراك خلايا بلال بدر وشادي المولوي وبلال العرقوب الصدامي، بخطة محكمة تضبط الأمن في رحابه. فالحريري له مصلحة مباشرة في عملية ضبط الأمن، سيما أن المخيم واقع ضمن مساحة كوسموبوليتيكية تجمع ما بين مسيحيي شرق صيدا وشيعة حارة صيدا وصولاً إلى سنة المدينة، ويخشى الحريري من أن يتحول هذا الخطر من المخيم إلى خارجه بتأثيراته مهدداً الاستقرار في الجنوب، موقعًا إياه في فخ حروب مذهبية متنقلة.

وفي كل الأحوال فإن ما قبل «فجر الجرود» شيء وما بعده شيء آخر ومسيرة اقتلاع الإرهابيين مستمرة من البقاع الشمالي إلى بوابة الجنوب. «فجر الجرود» و«إن عدتم عدنا» طريق نحو الحسم في دير الزور وبعدها الرقة ومن ثم إدلب، وبعد هذا يصحح المسار كلها في العلاقة اللبنانية-السورية فيما الجميع يترقب التسوية النهائية بعد انتهاء الحسم الميداني على الأرض.

*جورج عبيد - الديار

114-104