عندما تشهر ميركل سيف العداء..ضد من و لماذا؟

عندما تشهر ميركل سيف العداء..ضد من و لماذا؟
الإثنين ٠٤ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٤٢ بتوقيت غرينتش

العالم - اوروبا

انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ظلّ احتمالاً صعبًا طِوال الخمسين عامًا الماضية (بدأ كسوقٍ أوروبيّةٍ مُشتركةٍ)، وبات شِبه مُستحيل في المُستقبل المَنظور في ظِل توتّر العلاقات بين الجانبين، الأوروبي والتركي، على أرضيّة الخِلافات حول مسألة اللاجئين، وتدهور حقوق الإنسان في تركيا، حسب وِجهة نظر مَسؤولي الاتحاد في بروكسل.

الحُلم الذي دَغدغ طُموحات الأتراك، أو نسبةً كبيرةً منهم، بأن يُصبحوا أوروبيين لم يَكن واقعيًّا، ليس لأن الجزء الأوروبي من تركيا لا تزيد مساحته عن 3 بالمئة فقط من مُجمل أراضيها، وإنّما لأن الأوروبيين الذين يُريدون أن يَظل اتحادهم ناديًا مسيحيًّا مُغلقًا، كانوا، بل ما زالوا، يرون في تركيا الإسلاميّة التي يزيد عدد سُكّانها عن 75 مليون نسمة، مصدرًا للخَطر عليهم، ومن هُنا فإنّ أيّ حديثٍ عن تدهور مُعدّلات انتهاكات حُقوق الإنسان في تركيا بعد الانقلاب الأخير الصيف الماضي، رغم وجاهته، يظلّ ذريعةً وغطاءً لإخفاء السّبب الحقيقي.

أنغيلا ميركل التي تتدهور علاقات بلادها بشكلٍ مُتسارعٍ مع تركيا، ورئيسها رجب طيب أردوغان، قالت يوم أمس في مُناظرة مع خَصمها مارتن شولتز الذي يريد انتزاع منصب المُستشارية منها في انتخابات 24 أيلول (سبتمبر) الحالي، “لا يَجب أن تُصبح تركيا عُضوًا في الاتحاد الأوروبي”، وأنها ستَعمل على وَقف النّقاش حول طَلب انضمامها.

الخِلاف التّركي الألماني قديمٌ، ولكنّه بدأ يَدخل مرحلة التوتّر المُتصاعد بعد الانقلاب العَسكري الأخير صيف عام 2016، ولُجوء عناصر تتبع لتنظيم “الخِدمة” الذي يتزعّمه الداعية فتح الله غولن، إلى ألمانيا ومَنحها اللّجوء السياسي، ورَفضت ألمانيا تَسليمهم إلى أنقرة، مِثلما رَفضت حُكومة ألمانيا طَلبات تركيّة أُخرى، بتضييق الخِناق على نُشطاء حِزب العُمّال الكردستاني، ووضع الحِزب على قائمة الإرهاب.

تَبادل اللّكمات الدبلوماسية بين الجانبين لم يتوقّف، وازداد حدّةً في الأشهر الماضية، حيث سَحبت ميركل قوّاتها من قاعدة “إنجرليك” الجويّة ونَقلتها إلى الأردن، احتجاجًا على مَنع السّلطات التركيّة وَفدًا من البرلمانيين الألمان بزيارة هؤلاء الجنود في القاعدة، فردّ أردوغان “مع ألف سلامة”.

اعتراف البرلمان الألماني قبل بِضعة أشهرٍ بارتكاب السلطة العُثمانية لمَجزرة عام 1915 ضد الأرمن، شكّل طعنةً في ظَهر الرئيس أردوغان وحُكومته، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه، وللشّعب التركي أيضًا، وردّ على هذهِ الطّعنة، إلى جانب طَعناتٍ أُخرى، بتحريض المُواطنين الألمان من أصولٍ تركيّةٍ (هناك من يُقدّر عددهم بحوالي 3 ملايين) على عدم التّصويت لحزب السيدة ميركل.

حجم التبادل التجاري الحالي بين تركيا وألمانيا يزيد عن 36 مِليار دولار سنويًّا، وهو رقم ضخم يُمكن أن يتقلّص إلى النّصف في السنوات القليلة المُقبلة، إذا لم يكن أكثر، إذا استمرّ هذا التوتّر في العلاقات.

تركيا ليست دولةً أوروبيّةً، وربّما من المُستحيل أن تكون، تركيا دولةٌ إسلاميّةٌ آسيويّةٌ شَرق أوسطيّة، وَصلت قوّاتها العثمانيّة إلى فيينا، وهو يُعتبر “احتلالاً” في نَظر الأوروبيين ولن يَغفروه مُطلقًا، وعليها وشَعبها الإيمان بهذه الحقيقة، والتكيّف معها من حيث التوجّه نحو الشرق، حاضنتها التاريخيّة والطبيعيّة، ولكن حتى تَفعل ذلك عليها أن تُغيّر خِطابها الدّاخلي، وأن تتبنّى سياسات انفتاحيّةً جديدةً مع دُول الجِوار الإسلاميّة والعربيّة، مثل إيران وسورية والعراق ومصر ودول الخليج الفارسي.

التدخّل التّركي في المَلف السوري سياسيًّا وعسكريًّا كان في اعتقاد هذه الصحيفة “رأي اليوم” خطأً كبيرًا، وخُطوةً غير مَحسوبةٍ بعناية من زواياها كافّة، ولكنّه خطأ يُمكن تصحيحه إذا صَدقت النّوايا، لأن الأخطار “الوجوديّة” التي تُهدّد تركيا بسبب الدّعم الأمريكي للأكراد تحت عُنوان مُحاربة الإرهاب، قويّة وحقيقيّة بكُل المقاييس.

تركيا بحاجةٍ إلى علاقاتٍ غير مُتوتّرةٍ على الأقل مع أوروبا، عُمقها الاقتصادي، وأُخرى قويّة تحالفيّة مع عُمقها الإسلامي الشرق أوسطي، والسؤال هو عَمّا إذا كانت قِيادتها تستوعب هذه المُعادلة أولاً، وتُريد العَمل وِفق مُتطلّباتها؟

نَعتقد أن هناك فُرصة مُمكنة في هذا الصّدد.

المصدر: رأي اليوم

106-1