كيف ساهمت الأفكار الخاطئة في انهيار اقتصاد العالم ؟

الإثنين ٠٢ نوفمبر ٢٠٠٩ - ٠١:٠٧ بتوقيت غرينتش

كيف سقط اقتصاد العالم في حفرة بهذا العمق؟ إنه يتعافى، لكن بشكل مؤلم، وبعد انكماش عميق، على الرغم من التخفيف النقدي والمالي غير المسبوق. وعلاوة على ذلك، ما مدى احتمال أن يخرج اقتصاد عالمي متوازن من عملية التغذية هذه التي تمده بالقوة؟ وحقيقة أن مثل تلك الإجراءات الجذرية كانت ضرورية, أمر مرعب للغاية. والأمر المرعب على نحو أكثر أنها ليست المرة الأولى في العقود الزمنية الحديثة، التي يتعين فيها إرشاد الاقتصاد العالمي لاجتياز انهيار ما بعد الفقاعة.

في أحدث كتاب له ــ يتبع كتاب تقييم وول ستريت الذي ظهر في الوقت المناسب لمساعدة القراء اليقظين على تفادي انهيار عام 2000 - يقدم أندرو سميذرز من شركة سميذرز آند كو في لندن، دليلاً لا يقدر بثمن حول الأخطاء الماضية في مجال التحليل والسياسة.* وهو دليل نادر ــ رجل لديه فهم عميق للاقتصاد، وخبرة عمر في الأسواق المالية. ويساعد كتابه على تفسير فقاعة الأسهم في تسعينيات القرن الماضي، والأخطاء المالية لجوردون براون، وتجاوزات الائتمان الأخيرة.

النقاط الرئيسية التي يطرحها الكتاب أربع: أولاً، تعتبر أسواق الأصول «فعالة على نحو غير مثالي». ثانياً، من الممكن تقييم الأسواق. ثالثاً، الانحرافات الإيجابية الكبيرة عن القيمة العادلة (الفقاعات) مدمرة على الصعيد الاقتصادي، خصوصا إذا كانت مرتبطة بزيادة حادة في الائتمان وتدن في تقييم السيولة. وأخيراً، على البنوك المركزية أن تحاول ثقب مثل تلك الفقاعات. وبحسب سميذرز «علينا أن نستعد لأن نضع في الحسبان احتمال أن تكون حالات الانكماش المعتدلة الدورية ثمنا ضروريا لتفادي حالات الانكماش الكبرى». ولم أكن على استعداد لقبول وجهة النظر هذه. ولم يعد ذلك صحيحاً.

ترى نظرية الأسواق الفعالة التي كان لها دور مهيمن في الاقتصادات المالية، أن جميع المعلومات ذات العلاقة تكون في الأسعار. وتتحرك الأسعار بعدئذ استجابة للأخبار فقط. وتصبح حركة الأسواق وكأنها «مسيرة عشوائية». ويثبت سميذرز أن هذا الاستنتاج زائف بحسب التجربة: تبدي أسواق الأسهم «عامل ارتباط تسلسلي سلبيا». وببساطة أكثر، من المحتمل أن تكون العوائد الفعلية من أسواق الأسهم أدنى، إذا كانت عالية في الفترة الأخيرة، والعكس صحيح. والوقت المناسب للشراء ليس حين يكون أداء الأسواق جيداً، ولكن حينما يكون سيئاً. «تدور الأسواق حول القيمة العادلة». وهناك، حسبما يثبت سميذرز، سبباً للاعتقاد بأن هذا صحيح إزاء أسواق أخرى في الأصول الحقيقية ــ بما في ذلك الإسكان.

الاعتراض المعياري في هذه الحالة هو أنه إذا انحرفت الأسواق عن القيمة العادلة، فيجب أن تقدم فرصاً للمراجحة. ويثبت سميذرز أن الفترة التي تنحرف خلالها الأسواق طويلة للغاية (لعقود زمنية)، وأن تحركاتها غير قابلة للتوقع على الإطلاق بحيث لا يمكن استغلال تلك الفرصة. ومن يبيع على المكشوف يعاني الإفلاس قبل فترة طويلة من قدوم سفينة القيمة. وبالمثل، أي شخص يقترض كي يشتري الأسهم حين تكون زهيدة الثمن، أمامه فرصة كبيرة لأن يخسر كل شيء قبل أن تؤتي المراهنة ثمارها. وتكون صعوبات استغلال مثل تلك الفرص كبيرة للغاية بالنسبة للمديرين المهنيين الذين سيفقدون زبائنهم. وتضم مقبرة التمويل أولئك الذين كانوا على حق في وقت مبكر للغاية.

يقترح سميذرز اتخاذ تدبيرين أساسيين للقيمة ـ Q، أو معدل التقييم الذي يربط القيمة السوقية للأسهم بصافي قيمة الشركات ومعدل السعر/الربح المعدل دوريا، الذي يربط القيمة الحالية للسوق بمتوسط الأرباح الحقيقية المتحرك في عشر سنوات ماضية. ويعطي التدبيران نتائج مماثلة. ويستخدم المديرون المهنيون كثيرا من أساليب التقييم الأخرى، وجميعها خاطئة. وحسبما يعلق سميذرز على نحو ساخر: «المناهج الخاطئة للقيمة تنتمي بشكل أنموذجي إلى وسطاء الأسهم، والمصرفيين الاستثماريين الذين هدفهم الحصول على العمولة وليس الحقيقة».

تدور الأسواق الفعالة على نحو غير مثالي حول القيمة العادلة. وربما تدفعها حزمة التأثيرات بعيداً للغاية عن القيمة العادلة. لكن، في نهاية المطاف، تعيدها قوى قوية مرة أخرى. فالأشجار لا تنمو لتصل إلى السماء، والأسواق لا تحصل على قيمة بلا نهاية. وحين تصل الأسهم إلى قيمة غير منطقية يتوقف المستثمرون عن الشراء ويبدأون في البيع. وفي النهاية تتحرك قيمة الأسهم عائدة لتوازي قيمة الشركات (أو تكون أدنى منها) ــ والأرباح الأساسية. وترتبط أسعار المنازل في الأجل الطويل بالدخول.

إن أي شخص معني بالاستثمار سيستفيد من قراءة هذا الكتاب. وبعد ذلك يدرك، مثلا، لماذا كانت استراتيجية «الشراء والانتظار» التي أيدها كثير من مستشاري صناديق التقاعد، حتى في ذروة فقاعة سوق الأسهم، كارثة حقيقية، وأن للقيمة أهمية، حسبما قال وارن بوفييه مراراً.

مع ذلك، بالنسبة لأولئك المعنيين بالسياسة الاقتصادية، لحجج سميذرز أهمية أوسع نطاقاً. فإذا كان بالإمكان تقييم الأسواق، فمن الممكن أن نعرف ما إذا كانت تدخل منطقة الفقاعة أم لا. و