عطوان: ثلاثة شروط أساسية لنجاح حملة الفساد في السعودية

عطوان: ثلاثة شروط أساسية لنجاح حملة الفساد في السعودية
الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٥:١٢ بتوقيت غرينتش

إحتلت مسألة اعتقال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عدداً كبيراً من أبناء عمومته من أمراء الصف الأول تحت عنوان مكافحة الفساد، مكانة بارزة في الإعلامين العربي والدولي، وشكلت "زلزالاً" غير مسبوق، بكل ما تعنيه الكلمة، تجاوزت ارتداداته حدود المملكة العربية السعودية إلى دول الجوار وما عداها، حتى أن أحد الكتاب المصريين حرض على تكرار النموذج نفسه في بلاده، وإجراء حملة اعتقالات واسعة في صفوف "حيتان" رجال الأعمال الذين نهبوا ثروات الشعب المصري الفقير الكادح.

العالم ـ مقالات وتحليلات

من الصعب علينا التنبؤ بالنتائج النهائية لهذه الحملة، والجزم بقانونيتها من عدمه، سواء من حيث النوايا أو التنفيذ، ولكن ما يتم تداوله من تسريبات يفيد بأن هناك مفاوضات تجري خلف أسوار فندق "الريتز كارلتون" أفخم سجن في التاريخ، بين محققين سعوديين وأمراء ورجال الأعمال المعتقلين، نجحت في تنازل بعضهم عن سبعين في المئة من ثرواته، ويتردد أيضا أن "تسويات" جرى التوصل إليها في السر مع آخرين لم ينضموا إلى قائمة الاعتقال.

***

الفساد في المملكة العربية السعودية حقيقة أسطورية لا تحتاج إلى إثبات، فمعظم الأمراء الكبار ورجال الأعمال كونوا إمبراطورياتهم الملياردية هذه من خلال الولوج عبر أبوابه ونوافذه، حتى أن الأمير بندر بن سلطان، السفير ورئيس المجلس الأمني القومي الأسبق، قال في برنامج تلفزيوني أميركي عندما سئل عنه، بأنه ماذا سيحصل في بلد غني مثل المملكة تصل عوائدها السنوية من النفط 400 مليار دولار لو "ضاعت" 150 مليار دولار في صفقات الفساد".

أذكر أنه عندما كانت المملكة تتفاوض لشراء صفقة طائرات "اليورو فاتير" البريطانية على غرار نظيرتها صفقة "اليمامة"، اشتكى توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني في حينها، من رفع "السماسرة" لسعر الطائرة بأكثر من 10 مليون دولار تقريبا لكل واحدة، حتى تزداد نسبة عمولتهم، ومن يقفون خلفهم، وقال أنه لا يريد تكرار "مأساة" عمولات صفقة "اليمامة" وما ألحقته من ضرر بالحكومة البريطانية، وصناعة سلاحها، وجرى التوصل إلى طريقة "جهنمية"، تلخصت في ضرورة إطلاع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز على جشع السماسرة وواجهاتهم من الأمراء، والضغط الذي يمارسونه لرفع الأسعار، وكانت الخطة تتلخص في تسريب خبر في هذا المضمار بالوقائع كاملة، لنشرها في صحيفة كنت أترأس تحريرها، وتقف في الخندق المعارض للمملكة.

أحد السعوديين الوطنيين الشرفاء دعاني إلى فنجان قهوة في مكان متواضع في لندن، وأبلغني بالتفاصيل، وقال إنها مهمة وطنية يجب أن نتعاون فيها لوقف محاولة لسلب مليارات الدولارات من أموال الشعب السعودي، ولم أتردد لحظة في نشر الخبر وبعض التفاصيل، والخبر موجود وموثق في أرشيف صحيفتي السابقة.

العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله الذي كان بيني وبينه احتراما متبادلا وعن بعد على ما اعتقد، قرأ الخبر واشتاط غضبا، وأمر بفتح تحقيق عاجل، ومعاقبة الفاسدين، ولا أعرف ما إذا كانوا قد عوقبوا أم لا، ولكن ما أعرفه أن المملكة العربية السعودية وقعت يوم الإثنين 17 ايلول (سبتمبر) عام 2007، أي قبل ثلاثة أيام من قيام العاهل السعودي بزيارة رسمية للندن، صفقة بأكثر من ثمانية مليارات دولار، لشراء 72 طائرة من طراز "يورو فايتر"، وبيعت الطائرة الواحدة بالسعر نفسه الذي بيعت فيه إلى سلاح الجو البريطاني.

***

ربما ينجح الأمير بن سلمان في "نزع" مئة أو مئتي أو حتى أربع مئة مليار دولار من أموال الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين الذين لم يحظ بعضهم إلا بالقليل جدا من التعاطف من أبناء الشعب السعودي لأسباب يطول شرحها، وإن كنا نشك في حجم التوقعات والأرقام في هذا المضمار، لأننا نعلم جيدا أن معظم هؤلاء أودعوا معظم أموالهم في أصول واستثمارات خارج المملكة، وبأسماء شركات يترأسها مقربون أو من أفراد عوائلهم، ولكن أي حرب على الفساد حتى تعطي ثمارها يجب أن تتوفر فيها عدة شروط:

الأول: أن تكون شفافة، وغير انتقائية، ولا تنطلق من اعتبارات ثأرية.

الثاني: أن تتم المحاسبة ونزع الأموال والأصول في إطار القانون، ومحاكمات عادلة.

الثالث: أن تؤدي إلى اجتثاث كل بؤر الفساد في إطار عملية مستمرة ومقننة، وفي إطار إصلاحات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وقانونية، ورقابة برلمانية شعبية، وصحافة حرة.

لا نريد أن نطلق أحكاما متسرعة، فالتفاصيل نادرة، وما هو منشور أو متداول من معلومات لا يخرج عن إطار التكهنات، ولكن حملة الاعتقالات خطوة محفوفة بالمخاطر، لأنها اتبعت أسلوب "الصدمة" والعجالة، وترافقت مع مرحلة تطور "انقلابية" الطابع، في مملكة كانت معروفة بأنها من أكثر الممالك محافظة وتكتما وبطئا في اتخاذ القرار.

المملكة العربية السعودية تستعجل التغيير، وتندفع في "مغامرات" بعضها "غير محسوب" بدقة وعناية، وتخوض حروبا على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، وتشعل إحداها لتنتقل إلى أخرى، ولعل الحرب على الفساد هي أحقها، وأخطرها، إذا أديرت بالشكل الصحيح، ووفق الشروط الآنفة الذكر.

* عبد الباري عطوان ـ رأي اليوم

104