هل تنتحر السعودية بدعوتها الطائفية؟

هل تنتحر السعودية بدعوتها الطائفية؟
السبت ٢٧ يناير ٢٠١٨ - ١١:٠٠ بتوقيت غرينتش

في الطائفية لا مجال للرأي ولا مجال لإمكانية التفاهم مع دُعاتها وهنا يبدو الفرق بين محور المقاومة بقيادة إيران ومحور الموالاة بقيادة السعودية. وبين الصدى السعودي والصدى الإيراني خلاف سياسي وعقدي، فالصدى الآتي من السعودية مُتماهٍ مع الصدى الأميركي إن لم يكن جزءاً منه، أي أنه ليس صدى إسلامياً كما تدّعي بينما الصدى الآتي من إيران صدى تصادمي مع السياسة الأميركية في المنطقة والقائمة على مفهوم الاحتواء والتصادُم مع الآخر.

سياسة إيران اللاطائفية تحتوي الكثير من العناصر الإيجابية حتى وإن كانت إيران تبدو راديكالية في فهمها للإسلام وفي طرحها له كبديل ضد فلسفة الغرب وإيديولوجيته، ونعتقد أن هذا الصراع السعودي المُفتعَل ضد إيران ثم ضد جيرانها وبمفهوم الاستقطاب الطائفي ليس في صالح الإسلام ولا في صالح السياسة السعودية، خاصة وأن الإسلام هو المُستهدَف الآن بقوّة من طرف الآليات التي يرتكز عليها النظام الدولي الأحاديّ القطب، وبالتالي فإن البحث عن التقارُب بين الدول الإسلامية في إطار الرأي  والرأي الآخر على اعتبار أن الاختلاف في الرأي نعمة وليس نقمة، يكون أفضل بكثير خاصة وأن الغرب لا يُفرِّق في تعامله مع الأمّة الإسلامية بين الشيعة والسنّة، فالإسلام أياً كان المنحى الاجتهادي فيه هو في نظره يُمثّل البديل المُضاد لأطروحاته الاستعمارية، وأن الأجيال الجديدة الإسلامية لا تؤمن بالفكر الغربي إلا كفكر مجرّد يصلح للتطبيق في مجال العلوم المادية فقط.. ثم إن هذا الصراع الذي تحاول السعودية إيجاد مُبرّرات سياسية له وعلى حساب مكوّناتها الدينية والاقتصادية يخلق نوعاً من الانقسام الطائفي المُتعدّد في الجسم الإسلامي ككل، انطلاقاً من أن المجموعة الإسلامية تتكوّن من دول مُتعدّدة العرقيات والمذاهب، وبالتالي فإن إيّ تنافس عربي ضدها يشعرها بأنها على خط مُناقِض للخط الإسلامي في الجزء العربي، وكثيراً ما أثيرت هذه الحساسية في المؤتمرات الإسلامية، وقد حاول الغرب ذاته استغلال هذه الفجوة المُصطنَعة منذ الانهيار الذي لحق بالعالم الشيوعي، ومنذ ذلك الحين ونحن نعاني من الابتزاز الغربي لهذه الظاهرة، حتى صارت عقدة دامية في كثير من الأحيان، وأعتقد أن هاجس الخوف من المستقبل الإسلامي صار جزءاً من حالتنا النفسية، حالة  تشبه حالة الذوبان حد النخاع في الأفكار المميتة؟.. ألسنا نصنع بالطائفية الموت لأنفسنا وفي الظروف الجديدة؟ كلنا ينادي بالديمقراطية، ولكن البعض منا يعمل على إحياء الجاهلية تحت غطاء الخوف من الديمقراطية.. وإننا بهذه الرؤى في انتظار المصافحة الرديئة لآخر حرف في كلمة الأمّة الإسلامية..

لقد وعى الغرب هذه الظاهرة فينا وعمل لإسقاطنا بواسطتها، وأن العالم العربي يكاد ينتهي على يد الأعراب في حروب عبثية، وأميركا تضحك علينا لأنها استطاعت أن تُدمّر الدائرة الحضارية العربية التي كانت توازي الدائرة الحضارية الغربية، والتي كادت أن تُخرجنا نهائياً من حلقات الموت ومن سلسلة الارتهان الفاشل بفلسفات الغرب عموماً لولا السقوط العربي في لعبة الدماء الأميركية.. لقد كنا نعتقد أإننا نحمل على ظهورنا كل مصائب العالم، وها هي هذه المصائب تثبت على جباهنا وليس هناك من دولة عربية تدّعي أنها تعيش الحالات الطبيعية التي هي من اختصاصها بانتمائها الحضاري والديني.. كل الأوصاف الدونية في قاموس الغرب المريض بكل النفايات ألصِقت بنا، فبعد أن كان التعصّب صفة لازمة لتاريخه بل أصبح جزءاً من فلسفته الدنيئة في ما يعتقد ويتغنّى به من حرية وديمقراطية..!

إن الرؤية المقلوبة وذات البُعد الطائفي هي التي أخرجت الإسلام من بُعده الإنساني فضاع الإسلام وانهار المسلمون.. لقد ضاع الكل وسط مجموعة من التيارات الدينية تُناصِب العداء لبعضها البعض، بل وتُكفّر بعضها، وأضحى الإسلام مُرادِفاً للمحنة في أكثر من مكان، وخاصة عند أولئك الذين لا يريدون للإسلام والمسلمين خيراً، وما من مكان ظهرت فيه النزعة التحرّرية من الهيمنة الأميركية إلا وأصيبت بنكسة رهيبة جرّاء هذا التصادُم الذي تصنعه السعودية والتي تدّعي الوصاية على الإسلام! فعُلماء الإسلام انكمشوا كثيراً في العقود الأخيرة، ولما  حاولوا النهوض وجدوا أنفسهم مُقيّدين بمظاهر الفساد إضافة إلى المظاهر الاستعلائية التي أصابت البعض منهم، وما سجن الدُعاة المُتحرّرين من الطائفية في السعودية ومن دون جرم إلا جزء من هذه الظاهرة حيث أصبحت ظاهرة الأحادية القطبية الدينية من مميّزات الفكر السعودي، وصار القطب الواحد فيها يُمثّل ظاهرة القداسة بدل ظاهرة الناصِح الأمين، في هذا التطرّف في البحث عن الزعامة على حساب المبادئ ظهرت مجموعة من التحديات للفعل القومي من داخل الحركة نفسها، واستُغلّت هذه التحديات من طرف الحكّام أيما استغلال، بحيث كانت عوامل الارتداد أكثر من عوامل الدوام على المنهج. وعملية الإسقاط للفعل اللاواعي صارت أكثر من الإسقاط الواعي. فأصبح مركز الدعوة في بلاد الحجاز ونجد لاصقاً بالسياسة السيّئة حتى صار الإسلام غطاء للفساد. لكن يبدو أن الحقد السعودي على إيران أضيف إليه حقد آخر وإن لم يكن جديداً في نظرنا على الأقل، إنه حقد ضد أنقرة (على خلفيّة المواجهة السعودية مع قطر). وربما يقودها إلى صراع دموي معها بعد أن خرجت قطر من طاعتها لتأخذ من تركيا مظلّة لها.. غير أن الفشل نصيبها  لأن القوى العالمية التي ظلّت تحتمي بها هي أيضاً في صراع داخلي وخارجي  بسبب  فشل سياسة دونالد ترامب. فهل  تتّعظ السعودية وتعود إلى البيت الإسلامي كطرف فيه وليس كمُهيمن عليه كما تفعل ذلك مند سبعين عاماً..؟

حمّد لواتي : رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

112