العالم - فلسطين
غزة ليست قارة أو دولة، ولا تصلح لأن تكون دولة ولا حتى إقليم مستقل، هي فريسة التاريخ والجغرافيا، ويتفنن العالم المتحضر بحصارها، على الرغم من أنها في الحقيقة مسالمة جدا، ولا تشارك أبدا في إيذاء أو مهاجمة الآخرين، البسوها حلة الإرهاب، واخترعوا لها فتأوى شرعية، وأغلقوا عليها كل الأبواب، ومن حين الى حين يسقون أهلها كأس العذاب بمباركة الأصدقاء والأحباب.
ليس لها جيش ولا يوجد بها ماء أو دواء، وسكانها لا يذهبون الى الحج لأداء الفرائض، ومرضاها يموتون بصمت، لا دخول إليها ولا خروج منها. لكنهم يريدونها دولة، منزوع منها كل شيء، دولة للطرشان والمكفوفين.
في تفاصيل الحياة اليومية، السياسة فيها حكر على عدد قليل يتميزون بالنضارة والنظارات السوداء، ولا يرون إلا ما تجود به قوة أبصارهم، لكن هيهات، من خارجها يبدأ الفعل السياسي، والشاطر من يضرب ضربته القوية ومن تكون قراراته أكثر ضررا لتلك المكلومة، ضربات عثمانية بأيادي محلية، توجع ثم توجع، صعقني تصريح قائد، انب أشقاء قرروا تخفيف الحصار عنها، نهرهم ومنعهم واستغرب منهم كيف يفسدون عليه حصاره لها، وفي نفوس سكانها يقبع الم كبير.
التناحر عليها على أشده، ليس طمعا في التخفيف من مصابهم وكسب رضا الرحمن، بل أنانية في الاستحواذ على كل ما يمكن أخذه منهم، فلقمة العيش فيها أغلى من المطاعم الفاخرة في موناكو، ورغيف الخبز أصبح نادر الوجود بعدما جفف العالم منبع وكالة الغوث التي تنفق على فقرائها وهم الأكثرية، ولحق بهم أغراب وأعراب.
وفي التفاصيل المحزنة، لم تعد مؤسساتها قادرة على تحمل أعباء سكانها، فهي شبه منهارة، وخدماتها أصبحت تقترب من الصفر، فكثير من طلابها وطالباتها لم يعد بإمكانهم الوصول الى جامعاتهم لعدم تمكنهم من دفع أقساطهم الجامعية ولا حتى أجرة المواصلات للوصول إليها، وحتى رياض الأطفال في الطريق الى الانكفاء على نفسها، وقس على هذا كل شيء من تجارة وصناعة وزراعة وصحة، بطالة منقطعة النظير، وشباب ضاع حلمه.
مصالحة بعيدة المنال، وفلاسفة التمكين وقعوا في شباك الكمين، ووقع الشعب بين فكي الكماشة.
تفكير قديم يصلح لمتاحف التاريخ، لكن الكل مصر انه هو الحق والآخرين هم الباطل، وبين الحق والباطل يضيع الأمل وتغيب الفرص، ويرتفع حائط الظلم ويشرع العالم الدمار.
فهل حلب في الطريق إلينا؟ وهل يصبح محو غزة عن الخارطة أمر مقبول؟
وماذا عن الدولة؟ لمن تريدون الدولة؟ وأين تريدون قيامها؟ هل بقي لها شيء؟
أم ان الدولة ستهاجر معنا؟
* كامل خالد الشامي – رأي اليوم
108