طرقت رياح التغيير أبواب المُستقبل

طرقت رياح التغيير أبواب المُستقبل
الإثنين ١٤ مايو ٢٠١٨ - ٠٩:٠٧ بتوقيت غرينتش

فجأة، وبشحطة قلَم، وضع الرئيس سعد الحريري الجميع أمام سلوك ‏سياسي ــــ تنظيمي غير مألوف في بنية حزب (تيار) لبناني جديد.

 العالم _ لبنان  

مشهد المحاسبة لطالما كانت القاعدة الزرقاء ‏متعطشة إليه، ليس ربطاً بموسم الانتخابات الحالية ونتائجها الصادمة، بل منذ انتخابات عام 2009 ومن ثم كل ‏المحطات اللاحقة سياسياً وتنظيمياً‎. 

بالنسبة إلى الحريري، تكفي النتائج التي حققها التيار الأزرق في دوائر عدّة في الانتخابات النيابية الأخيرة، من ‏أجل إطلاق دينامية للمحاسبة تعتمد إلى حد كبير على قراءته وتقويمه هو شخصياً، وليست محصلة تقويم هيئات ‏حزبية‎. 

شعر الرجل بأن تيار المُستقبل تحول إلى بيئة حاضنة لذوي المصالح. كوادر تمسك بمفاصل حزبية تسوّق ‏لعناوين تخدمها هي، ولا تخدم التيار. غياب المرجعية الناظمة والافتقار الى الإدارة المركزية أديا إلى اتساع حجم ‏نفوذ بعض الظواهر المناطقية، وبالتالي ازدياد حالة التشظي في الأطراف. تورّط العديد من هؤلاء في ارتكاب ‏الأخطاء، أحرق مراكب العودة إلى اكتساب ثقة الناس ومحبّتهم‎. ‎هؤلاء اتبعوا استراتيجية مراكمة المغانم ‏الشخصية ولو أنهم كانوا يغرفون من الرصيد الشعبي لرئيسهم، فكانت النتيجة الانتخابية هزيمة كبيرة في الساحة ‏السنية (خسارة عشرة مقاعد سنية من أصل 27 مقعداً‎). 

مساء أول من أمس، كانت ليلة الانقلاب على كل هؤلاء. تقمّص رئيس تيار المُستقبل شخصية الأمير محمّد بن ‏سلمان. إقالات بالجملة لمنسقين ومنسقيات ومسؤولي ماكينات وموظفين إداريين وتنظيميين. اسمٌ تلوَ آخر، ‏تساقطوا كحجارة "الدومينو". بعضهم أصبحَ معروفاً، وآخرون لم يُعلن عنهم. هذه الإجراءات هي ردّة فعل على ‏إدارة المعركة الانتخابية التي كانت مناطة بمعظمهم، كّل بحسب منطقته أو قطاعه أو مهمته. صحيح أن ‏الاعتراضات على أداء معظم هذه الأسماء كانت سابقة للاستحقاق الأخير، غيرَ أن الحريري فضّل إمراره تمهيداً ‏لاتخاذ إجراءات موجعة لاحقاً‎. 

كان لافتاً للانتباه، أن اتخاذ قرار إقالة الهيئات والمنسقيات والماكينات لم يحصل بالتنسيق مع الأمين العام لتيار ‏المستقبل أحمد الحريري (بحسب مقربين من الأخير) ولا بالتنسيق مع ابن عمته، مدير مكتب رئيس الحكومة ‏وساعده الأيمن نادر الحريري. تعمد الحريري إهمال صلاحيات "الأمين العام" ومدير مكتبه، معتبراً أن الأمر ‏‏"يعود له وحده". قرّر حلّ هيئة الانتخابات والماكينة الانتخابية المركزية ومنسقيات بيروت والبقاعين الغربي ‏والأوسط والكورة وزغرتا‎. 

أن يجِد رئيس الحكومة نفسه أمام هكذا خيار تنظيمي ــــ إداري، في ظل ظروف داخلية وخارجية ضاغطة، ليسَ ‏أمراً عابراً. تدابير وإجراءات أملتها أصوات ناسهِ. خلال "احتفال النصر" في بيت الوسط، يوم الجمعة الماضي، ‏علَت صرخات الجموع في الباحة. طالب هؤلاء بوجوب محاسبة بَعض من هم في التيار، وخصوصاً المنسقين ‏الذين كانوا يتبلّغون الاعتراضات ولا يبذلون الحد الأدنى لتبديدها أو معالجتها، أو لمجرد نقلها إلى القيادة المركزية. ‏شعَر الحريري بأنه خُدعَ، وأن ما نقِل إليه عن نبض الشارع لم يكن صحيحاً. لم ينتظر أحداً يحمل إليه هذه المرة ‏اقتراحات محددة، كما كان يجري سابقاً... حمَل سيف المحاسبة، وبدأ ورشة التطهير‎.‎ 

مصادر في بيت الوسط، أكدت لـ"الأخبار" أن الحريري عاش حالة من الصدمة غير مسبوقة منذ لحظة إعلان ‏نتائج الانتخابات. وما زاد الطين بلة، مسلسل الاتهامات داخل التيار. والأهم انفضاح أمر عدد من الكوادر ممن ‏عمِلوا في الانتخابات لمصلحة خصوم الحريري، وتحديداً لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي في ‏بيروت، والرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس وبعض خصوم التيار في البقاعين الغربي والأوسط‎. 

تقول المصادر إن منسقية طرابلس ستشهد قريباً "نفضة عن بكرة أبيها"، بعدما تبيّن أن العاملين فيها وعلى رأسهم ‏ناصر عدرة "لا يعملون شيئاً سوى الطبل والزمر". وكشفت المصادر أن الحريري تلقى تقارير أمنية تفيد بأن ‏أشخاصاً في الماكينة الانتخابية عملوا لمصلحة ميقاتي، وجيّروا أصواتاً مستقبلية له في صناديق الاقتراع. أما في ‏عكار، فقد تبين أن من بين الذين "سيحالون الى التقاعد المبكر في التيار، أمين سرّ هيئة الإشراف والرقابة في ‏منسقية المنطقة محمد مراد وشذا الأسعد الشابة العكارية التي عيّنها الحريري عضواً في المكتب السياسي للتيار، ‏بالإضافة إلى منسق عام عكار خالد طه وسامر حدارة، على أن يحلّ خالد الزعبي مكان مراد، وزياد عدرا محلّ ‏الأسعد، يضاف إليهما وسيم المرعبي ونجاح الرفاعي‎". 

أما في البقاع الغربي، فقد حمّلت المصادر المسؤولية الأساسية للوزير جمال الجراح. تقول إن نتائج هذه المنطقة ‏شكّلت صدمة كبيرة للحريري. فالجراح ادعى بأن عبد الرحيم مراد لن يستطيع حصد أكثر من 9 آلاف صوت ‏تفضيلي "في أفضل الأحوال"، كما سوّق الجرّاح للمرشح محمد القرعاوي بحجة قدرته على تجيير ثلاثة آلاف ‏صوت إضافي للائحة.

وقد أتى تسويق الجراح للقرعاوي على حساب القادري، فيما حصد مراد أصواتاً تفضيلية ‏قريبة لما حصّله القرعاوي والقادري معاً. أما المفاجأة الكبرى، بحسب المصادر، فكانت "في حصد مراد حوالى ‏ألف صوت سنّي من بلدة المرج، مسقط رأس الجراح. فيما ذهب حوالى 3 آلاف صوت لمصلحة مراد، من درب ‏القادري، نتيجة النقمة على القرعاوي، ولا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن قربه من النظام السوري‎". 

أما في البقاع الأوسط، فقد حمّلت مصادر مستقبلية بارزة مسؤولية "الهريان" كما وصفته، للمنسق الأسبق للتيار ‏أيوب قزعون، وهو من المقربين من الجراح. قزعون الذي عيّن عام 2007، وارتبط اسمه بالكثير من الملفات ‏داخل التيار وخارجه، ربطت المصادر نفسها أفعاله برفض الحريري ترشيحه في المنطقة. حاول قزعون إفشال ‏بسام شكر الذي أتى مكانه في المنسقية على قاعدة أنه الأقدر على الفعل في المنطقة.

وقد عمل قزعون لمصلحة ‏المرشحة الأرمنية عن التيار ماري جان بلازيكجيان. أرسل تقارير دبّجها هو ومجموعته التي تضّم كلاً من: محمد ‏البسط، محمد الهاشم وفادي كيال تفيد بأنه يجب التركيز على بلازيكجيان، وضرورة حصر الأصوات بها وبعاصم ‏عراجي، واستثناء نزار دلول من التفضيلي.

يضاف إلى ذلك "معلومات وصلت إلى بيت الوسط تتحدث عن أن ‏الأموال التي أرسلت الى البقاع صودرت لمصلحة بلازيكجيان، وأن أموالاً أخذت من رئيس بلدية مجدل عنجر لم ‏يردّها المعنيون إليه". وجاهر ميشال ضاهر في زحلة بأنه اشترى كتلة أصوات من تيار المستقبل على حساب ‏عراجي، فيما قال آخرون إنه جرت مصادرة هويات لمواطنين على أساس أنها ستصبّ لمصلحة المستقبل، فيما ‏تبين لاحقاً أنها بيعت لنقولا فتوش‎. 

أما في بيروت، وبعدما انقسمت الماكينة إلى ماكينات، فإن أول من يظهر إلى الواجهة هو منسق عام بيروت في ‏تيار المستقبل وليد دمشقية. وهو المتهم أولاً بالعمل لمصلحة المرشح الخاسر ربيع حسونة على حساب الوزير ‏نهاد المشنوق. وتردد أن دمشقية تعمّد إقفال هاتفه الخلوي في معظم ساعات يوم الانتخاب، ولا سيما أنه تعهّد ‏بتأمين موقف للناخبين الآتين من خارج بيروت للاقتراع، ولم يلتزم. وقد اتهمت مصادر في المنسقية مجموعة في ‏الداخل بأنها كانت تدير المعركة الانتخابية لمصلحة فؤاد مخزومي‎! 

وفي الكورة، ارتفعت الصرخة ضد المنسق ربيع الأيوبي، الذي اتهمه المندوبون في القرى بعدم صرف كل ‏الأموال التي خصّصها التيار لهذه المنطقة. أحد المندوبين تحدّث عن أن كل قرية كورانية محسوبة على المستقبل ‏لم تحصل على أكثر من 30 ألفاً أو 40 ألف دولار، وإذا ما جمعت لا تصل إلى أكثر من 250 ألف دولار، فيما ‏الميزانية التي رصدت للمنطقة ككلّ تقارب الـ 600 ألف دولار. وكان الأيوبي قد ادعى بأنه دفع أكثر من 300 ألف ‏دولار لبلدة ددّة الكورة وحدها، لكن المندوبين أكدوا عدم صحة ما يشيعه الأيوبي‎. ‎

المصدر: صحيفة الأخبار