أزمة الأردن... ضغوط الخارج ومطالب الداخل

أزمة الأردن... ضغوط الخارج ومطالب الداخل
الأربعاء ٠٦ يونيو ٢٠١٨ - ٠٥:١٧ بتوقيت غرينتش

التظاهرات الحاشدة جماهيريا والواسعة جغرافيا صدمت القرار السياسي الاردني لأن طبيعة المشاركة مختلفة كثيرا عن مثيلاتها من المشاركات الاحتجاجية التي كانت تنظمها الاحزاب المعارضة او النقابات فعنصر الشباب كان حضوره في التظاهرات الاخيرة لافتا ومتميزا وتقدم تنظيمه وفاعليته على احزاب ونقابات ومثل خروجا صادما من العالم الافتراضي الى عالم الواقع. 

العالم - اردن

الأردنيون جربوا حظهم في فترة الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس ومر بمصر واليمن وليبيا وغيرها لكن مطالبهم كانت تريد اصلاحا لما موجود وليس اسقاطا له، وتغيرت حكومات بأوامر ملكية وتم تعديل برامج حكومية لاحتواء غضبة الشارع وتبرعت حكومات بهبات للأردن خوفا من ان تسحق ثورة الجماهير انظمة ملكية فتسري شرارتها كما سرت بين الجمهوريات العائلية او الوراثية وكان للسعودية حصة وازنة في هذه المساعدات عندما كانت تقود ثورة مضادة ضد الثورات والانتفاضات الشعبية العربية.

هذه المرة ايضا ادى الزخم الجماهيري الغاضب على قانون ضريبة الدخل الى تدخل ملكي عاجل بإقالة حكومة هاني الملقي لامتصاص هذا الغضب وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة للخروج من الازمة وفتح حوار جاد وعاجل مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني للتفاهم الوطني حول النظام الضريبي مما يعني ان الملك لم يتراجع عن قانون الضريبة وانما يريد اعادة تسويقه. 

لكن الجماهير الغاضبة من جانبها لم تنه احتجاجاتها  وقررت البقاء في الشارع حتى تتأكد من ان مطالبها لا يتم الالتفاف عليها بعزل الملقي وتكليف الرزاز خاصة وان قرار فض الاحتجاجات هذه لا يخضع لنقابة او حزب معارض وانما لجموع من الشباب غير المنظم حزبيا وانما منتظم مطلبيا استطاع كسب ثقة رجال الامن ايضا عندما شعرا من ان كلاهما ضحية لفساد وسياسات اقتصادية تضغط على المواطن وتقلل من فرص العيش الكريم. هذا القطاع الشبابي ابعد المظاهرات عن التسييس وجعلها تعبر عن ازمة اقتصادية واجتماعية لا تقتصر على الاردن وحده وانما تعيد الى الأذهان الانفجارات الشعبية العربية انطلاقا من شرارة غضبة البائع الجوال التونسي محمد بو عزيزي.

بالتأكيد فان تنظيم قانون ضريبة الدخل ورفع اسعار الوقود تريد منه الحكومة زيادة واراداتها لمعالجة عجز بمليارات الدولارات ووفق ما يشترطه صندوق النقد الدولي وما يسميه اصلاحات اقتصادية لتقديم قروض الى الاردن تخفف من وطأة عجز الميزانية وتستوعب ردات الفعل الشعبية في منطقة ملتهبة سياسيا واجتماعيا وتشهد لعبة محاور عاصفة تريد اعادة صياغة الشرق الأوسط. 

كثيرون لا يرون ما يجري في الاردن هو غليان مطلبي داخلي بحت بل يربطونه بضغوط سياسية كبيرة يتعرض لها النظام في الأردن لصياغة مواقفه واصطفافاته السياسية قبولا بالإملاءات الاميركية الاسرائيلية تجاه ما يسمى بصفقة القرن بشان القضية الفلسطينية او الوضع في الجنوب السوري او مماشاة المحور السعودي الاماراتي في محاصرة قطر على سبيل المثال او حربهما على اليمن او معاداة تركيا او إيران.

الملك الاردني اشار بوضوح الى انخفاض المساعدات الخارجية الى بلاده وهي مساعدات لم تكن مجانية محضة بل اوراق ضغط على بلد عاش اسير التوازنات السياسية في المنطقة  وقد ارتكب اخطاء في حساباته السياسية يوم اصطف مع نظام صدام حسين في حربه ضد ايران او احتلاله للكويت وتحفظه على النظام العراقي ما بعد صدام ولم يحسب حساب النفط العراقي المقدم بأسعار تفضيلية. ثم راهن على اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد وهو رئة اقتصاديه له وممره البري الى تركيا  فأوربا وها هو يرى اليوم ان رهاناته على الوضع السوري لم تكن محسوبة بدقة. 

كما ان حضور الملك الاردني مع إخوته الى القمة الاسلامية الطارئة في تركيا للرد على قرار نقل السفارة الأميركية القدس المحتلة وحرصه على التمسك بوصاية الحكم الهاشمي على الاوقاف الاسلامية في القدس قد اعطى رسالة فسرها الآخرون بما لا يرضونه عن مواقف الأردن. 

ولان الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تعصف بدول الشرق الاوسط وان بدرجات متفاوتة، ولأن الحكومات تجتهد في الحؤول دون انفجار هذه الازمات من خلال الاسترضاء المالي او زيادة الدعم الحكومي، فان المتربصين بالأردن ربما عرفوا كيف يضربون على الجرح ويزيدون في نزيفه من خلال خفض المساعدات او وقفها لإجهاد الميزانية وتقليص تخصيصات الرفاهية للمواطن بل وتحميله اعباء ضريبة الدخل لتوفير موارد لهذه الميزانية العاجزة ليخرج غاضبا ضد الحكومة وسياساتها. 

على اية حال، ربما تكون الاتصالات التي اجراها كلا من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد بملك الاردن بعيد اقالة الحكومة مؤشرا على وصول الاردن الى حالة الاستنجاد او التنازل لكن الاردنيين بخبرتهم وقوتهم لن يرضوا ان يكونوا بيادق في لعبة اقليمية خيوطها بيد الطارئين على السياسة ولن يسمحوا ان تكون جراحاتهم ورقة مساومة على قرارهم المستقل سواء انجلت غبرة هذه الازمة او لم تنجل فالشعوب تقبل ان تلوك الصبر خبزا لكن لن تقبل ان تكون بضاعة تعرض للبيع ومن يدفع اكثر يفوز بها وتدخل في قائمة ممتلكاته.

* احمد المقدادي