ماذا وراء التغيير الأمريكي اتجاه السودان؟

ماذا وراء التغيير الأمريكي اتجاه السودان؟
الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:٠٢ بتوقيت غرينتش

لايخفى على احد ذاك التوتر الذي كان يسود العلاقات الامريكية السودانية بدء من صدور مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في محكمة لاهاي حتى العقوبات الاقتصادية التي دامت عشرين عاما. لكن تغير الموقف الأمريكي فجأة واتخذت العلاقات السودانية الأمريكية مسارا أخر وبدأ فصل جديد من التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين. ولكن ما سر هذا التغيير الأمريكي نحو السودان؟

العالم . تقارير

يحتل السودان مكانة محورية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي نظراً للعديد من العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والدينية، حيث يعتبر السودان من الناحية الاستراتيجية حلقة الوصل بين العالمين العربي والأفريقي، إضافة إلى وقوعه على الممر الحيوي (البحر الأحمر). ومن الناحية الاقتصادية، فالسودان زاخر بالثروات الباطنة والظاهرة، وبه مساحات شاسعة خصبة للزراعة تقدر بمائتي مليون فدان، بالإضافة إلى ثروة حيوانية متنوعة وكبيرة، كما ويوجد الصمغ العربي الذي يعتبر السودان من أهم منتجيه ومصدريه. أما الثروات الباطنة فهو يملك مخزوناً ضخماً من البترول والمعادن وبخاصة الذهب، والمعادن الثمينة الأخرى. أما من الناحية الدينية، فالسودان بلد إسلامي، وهو كما ذكرنا معبر العالم العربي إلى أفريقيا، وبالتالي فهو البوابة الجنوبية للإسلام في القارة السمراء.

الوجود الأمريكي في السودان في السبعينات: النفط والذهب

تشير تقارير أن الوجود الأمريكي في السودان يعود الى سبعينات القرن الماضي لتحقيق اهداف اقتصادية أبرزها النفط والذهب. فالسودان يملك مخزوناً ضخماً من البترول والمعادن وبخاصة الذهب، والمعادن الثمينة الأخرى. وبدأت عمليات التنقيب عن النفط في السودان فعليًا بعد توقيع اتفاقية مع شركة شيفرون الأمريكية عام 1975 م. وحاولت الإدارة الأمريكية آنذاك احتواء نظام الرئيس نميري عن طريق التحكم في الاكتشافات النفطية، وكان الوجود الأمريكي في السودان طاغيًا، ومع ذلك فشل المشروع الأمريكي في السودان في تلك المرحلة لفشل جهاز المخابرات الأمريكي في تجنيد عملاء نافذين داخل النظام الذي أعلن بعد “13” عامًا من انطلاقة المشروع الأمريكي في السودان تطبيق الشريعة الإسلامية. بعد تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر “1983” أوقفت الإدارة الأمريكية عمليات التنقيب النفطية في السودان، وسحبت شركاتها، كما تشير تقارير.

الدعم الأمريكي لانفصال الجنوب

اعترف مسؤول بارز في الحركة الشعبية التي تقود أعمال التمرد في جنوب السودان, أن الولايات المتحدة تدعم انفصال الجنوب, وتضخ أموالا كبيرة لتحقيق ذلك. وقال ممثل الحركة في الولايات المتحدة "إزيكيل لول جاتكوث" لصحيفة واشنطن تايمز الأمريكية بتاريخ 25/12/2009: إن واشنطن تكثف جهودها لمساعدة الجنوب على الاستقلال عن الشمال. وأوضح "جاتكوث" أن واشنطن تقدم دعما ماليا سنويا يقدر بمليار دولار للجنوب السوداني، مضيفا أن المبالغ تصرف في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل جيش قادر على حماية المنطقة.
وتركزت تلك الإستراتيجية, في بعدها المعاصر, على استكمال مخطط فصل الجنوب عن الشمال, وتكوين دولة مسيحية في الجنوب, تصد أي توجه عربي أو إسلامي يحاول الولوج إلى عمق القارة الأفريقية انطلاقا من السودان. وهذا المخطط الأمريكي, يرمى إلى تحقيق سلة من الأهداف, في مقدمتها الأهداف الحضارية والدينية, إضافة إلى أهداف سياسية واقتصادية أخرى.

مذكرة اعتقال دولية بحق عمر البشير

اصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتاريخ 2009 مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير لما نسب اليه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور. هذه هي المرة الاولى التي تقرر فيها المحكمة اصدار مذكرة اعتقال لرئيس دولة في المنصب منذ اقامتها فى يوليو عام 2002.

العقوبات الامريكية على السودان

خضع السودان منذ عام 1997 لعقوبات اقتصادية وتجارية فرضتها إدارات أميركية تعاقبت على البيت الأبيض. وتقول الخرطوم إن هذه العقوبات ألحقت بها خسائر اقتصادية وسياسية فادحة، فاقت 50 مليار دولار، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلت تجدد هذه العقوبات عاماً بعد آخر، دون أن تضع حساباً لنداءاتها. و دامت هذه العقوبات 20 عاما حتى عام 2017.

تغيير الموقف الأمريكي تجاه السودان

وبعد سلسلة من الأحداث تغير الموقف الامريكي تجاه السودان فقد اعلن البيت الأبيض رفعا جزئيا لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، ويقول إن ذلك نتيجة للتقدم الذي أحرزه السودان، لكن الإدارة الأميركية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب. أيضا فقد أبدى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، استعداده للعمل مع نظيره السوداني، الدرديري محمد أحمد، لتطوير العلاقات بين البلدين، مؤكداً اهتمامه بمجالات وفرص التعاون الثنائي.

لكن على ما يبدو أن السودان قامت بعدة خطوات للوصول الى هذه المرحلة. منها:

الابتعاد عن ايران والتقرب من السعودية

عندما ارتكبت السعودية جريمتها النكراء واعدمت آية الله الشيخ نمر باقر النمر وهوجمت السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد كانت هناك دولتان قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع ايران الى جانب السعودية هما السودان وجيبوتي وقد اتصل الرئيس السوداني عمر البشير مباشرة بمحمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وأبلغه انه قرر قطع العلاقات مع ايران. بقول الخبراء ان السودان قد ادارت ظهرها لايران منذ سنتين تقريبا وان البشير قد قرر منذ عامين انهاء علاقاته الاستراتيجية مع ايران ويعتقد الخبراء ان حاجة البشير الى النقود والاموال واعلان السعودية انها حاضرة لسد حاجات السودان هو السبب لتغيير سياسات البشير تجاه ايران فالسعودية استثمرت خلال الاعوام الاربعة الاخيرة بشكل كبير في السودان. أيضا اشارت تقارير أن خطوة البشير للابتعاد عن ايران كانت تهدف لرفع العقوبات الأمريكية على السودان.

قطع العلاقات مع كوريا الشمالية

أعلن السودان عن أنه قطع كل العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية في إطار التزاماته بمنع انتشار الأسلحة. وكان قد أعلن مسؤول أميركي كبير أن على السودان «انهاء أي علاقة تجارية» مع كوريا الشمالية قبل بدء مفاوضات لازالة الخرطوم عن اللائحة الأميركية السوداء لـ«الارهاب». وتعتبر واشنطن أن على السودان أن يعطي ضمانة كاملة بقطع علاقاته مع بيونغيانغ.

وقال المسؤول: «من المهم قبل أي شيء وقف أي علاقات تجارية مع كوريا الشمالية». وأضاف: «لا تعاملات بعد الآن، نقطة على السطر. أعطونا الدليل أنكم أوقفتم ذلك فعلياً. هذا ما يجب أن يقوموا به».

من ناحية أخرى كان هناك مخاوف لدى الولايات المتحدة من اعتماد السودان الكامل على الصين، فقد دخلت الصين في الاستثمار النفطي في السودان في تسعينيات القرن الماضي، عقب خروج شركة شيفرون الأميركية، وتمدّدت في السودان، وعندما ذهب 75% من الإنتاج النفطي إلى جنوب السودان بعد انفصاله، يعكف السودان والصين حالياً على طَرق مجالات حيوية أخرى، مثل الاستثمار الزراعي والاستثمار في قطاع التعدين.. لذا لم تعد العقوبات تخدم المصالح الأميركية على مايبدو!