العالم - مقالات وتحليلات
وعكست ردود الفعل الرسمية الإسرائيلية الخشية السائدة لدى مؤسسات القرار من رسائل هذا الاتفاق وتداعياته، وما ينطوي عليه من مؤشرات تتصل بمعادلات مستقبل الصراع.
وبدا أنّ زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، على رأس وفد عسكري إلى دمشق، تجاوزت كونها حدثاً روتينياً في سياق العلاقات بين البلدين لتتحوّل إلى محطة كاشفة ومؤسِّسة لمسار من العلاقات والدعم الذي بات أكثر من مُلِحّ لإعادة بناء وتعزيز الدولة السورية، بأجهزتها العسكرية والاقتصادية، ولا سيما أن الاتفاق نصّ على «إعادة بناء القوات المسلّحة والصناعات العسكرية الدفاعية السورية لتتمكّن من العودة الى قدرتها الكاملة»، كما أكد حاتمي نفسه.
تتعدد منابع القلق الإسرائيلي من الاتفاق السوري الإيراني، إذ ترى فيه تل أبيب مظلة لشرعنة التمركز الإيراني، خاصة أن سوريا على أبواب تحرير كامل أراضيها من سيطرة الجماعات الارهابية، وهو ما يتطلب إعادة صياغة الإطار الذي يحكم الوجود الإيراني والدعم الذي يقدمه للدولة السورية.
وترى فيه أيضاً عنواناً شرعياً يمكن في ظله إعادة بناء القدرات الدفاعية السورية. لكن الاعتراض الإسرائيلي الحاد على هذا الاتفاق يكشف أيضاً عن حقيقة أن تل أبيب لا تعارض فقط التمركز الإيراني في سوريا، بل بما لا يقل تعارض أيضاً إعادة بناء القدرات الدفاعية للجيش السوري.
وتتخوّف تل أبيب من المفاعيل السياسية لهذا الاتفاق، كونه يسهم في تعزيز مشروعية الوجود الإيراني من خلال اتفاق معلن بين الدولتين، «لم يعد يتعلق الأمر بضيوف بناءً على طلب الرئيس الأسد… بل يتعلق بشركاء عسكريين واقتصاديين، لديهم وظيفة مهمة هي إعادة اعمار سوريا وجيشها».
ووفق هذه القراءة، تشكّل الخطوة السورية الإيرانية المشتركة رداً عملياً على التهديدات الإسرائيلية الأميركية، ومساعيهما لإخراج إيران وحلفائها من سوريا، بهدف الاستفراد بها، بعدما فشلوا في ذلك خلال مواجهة الارهاب.
أتت الخطوة الإيرانية في ذروة الهجوم الاقتصادي الأميركي على إيران، الهادف إلى إخضاعها والتنازل عن خياراتها الاستراتيجية.
وبمعايير معيّنة، تشكّل هذه الخطوة نوعاً من المفاجأة انطلاقاً من أن إيران التي تواجه مشاكل اقتصادية، وضغوطاً خارجية، يفترض أن لا تبادر إلى خطوة هي أقرب إلى الهجوم المضاد للمسار الأميركي الإسرائيلي، وخطوة معاكسة في مواجهة المخطط الذي يستهدفها والساحة السورية.
ويتعارض هذا الاتفاق مع التصور المتبلور في تل أبيب حول هامش إيران في تنفيذ مثل هذه المشاريع، «إعادة إعمار سوريا وجيشها»، من الناحية الاقتصادية، الأمر الذي يفترض أن يُبدِّد الكثير من الاوهام التي ما زالت تسيطر على صناع القرار والكثير من الخبراء في "إسرائيل".
أتى الاتفاق الإيراني السوري في ذروة التهويل الإسرائيلي الأميركي، وبعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي تقول إنها تهدف إلى منع التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وأيضاً بعد زيارة مستشار الامن القومي الأميركي جون بولتون الذي تبنّى بالمطلق المطلب الاسرائيلي وحمله الى لقاءاته مع المسؤولين الروس.
من هنا، رأوا في تل ابيب أن الاتفاق ينطوي على رسالة مضادة، سيؤدي إلى وضع «السياسة الاسرائيلية إزاء سوريا على المحك»، كونه «شكّل تجاوزاً للخط الأحمر الذي رسمناه»، كما ورد على لسان عضو المجلس الوزاري المصغر، ووزير الاستخبارات يسرائيل كاتس.
في ضوء هذه الرؤية، كان من الطبيعي ايضاً أن يتصدى لهذا التحدي الجديد بنيامين نتنياهو بنفسه الذي لم يخفِ ما ينطوي عليه من تحديات ورسائل، بالقول إن «أي اتفاق بين سوريا وإيران لن يردعنا، وأيضاً أي تهديد لن يردعنا».
وأكّد أنّ «الجيش سيواصل العمل بكامل العزم والتصميم ضد محاولات إيران نشر قوات ومنظومات أسلحة متطورة في سوريا».
في السياق نفسه، بدا أيضاً أنهم في تل أبيب رأوا في هذه الخطوة رسالة مدوية، من الرئيس بشار الأسد، على سيل التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، وهو ما دفعهم إلى إعادة توجيه رسائل تحذير، وردت على لسان وزير الاستخبارات الذي توعّد الجيش السوري في حال دافع وردّ على الاعتداءات الإسرائيلية على الساحة السورية، وتحميل الرئيس الاسد المسؤولية عن كل ذلك.
وقبله، ورد المضمون نفسه ايضاً، على لسان وزير الامن الداخلي غلعاد اردان.
في المقابل، كشف الاتفاق الايراني السوري أن إيحاءات المسؤولين الاسرائيليين في مراحل سابقة بأن إخراج ايران وحلفائها من سوريا، كما لو أنه هدف على وشك التحقق، لم يكن إلا أوهاماً تبدّدت في أكثر من محطة، وتحديداً مع مأسسة دعم إيران لإعادة بناء القدرات الدفاعية السورية.
وأوضح بشكل لا لبس فيه أن كل الرسائل والضغوط والاعتداءات الإسرائيلية السابقة، لم ولن تحقق النتائج المرجوة منها في المدى المنظور، على الأقل.
علي حيدر / الأخبار