العالم - السعودية
وزاد تصريح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، يوم 5 أكتوبر، الأمر غموضاً؛ حيث قال إنه مستعدّ للسماح لتركيا بتفتيش القنصلية السعودية في إسطنبول، مشيراً إلى أن "المنشآت أرض ذات سيادة، لكننا سنسمح لهم بدخولها وتفتيشها وفعل كل ما يريدونه.. ليس لدينا ما نخفيه".
اختفاء خاشقجي عملية موجهة ضد تركيا
ونشرت صحيفة يني شفق التركية مقال رأي لمستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، الذي تطرق من خلاله إلى حادثة اختفاء المفكر السعودي، جمال خاشقجي.
وقال الكاتب، في مقاله، إن جمال خاشقجي يعتبر من المفكرين المتميزين، ومن أصحاب الفكر السياسي العميق، كما أنه يهتم بالقضايا من منظور حكيم.
واعتبر أقطاي ما تعرض له خاشقجي في تركيا، "هجوما ليس ضد شخصه فحسب، وإنما هو عملية ضد تركيا على حد سواء. ومن الضروري أنْ تتعامل تركيا مع الموقف وفقا لذلك".
وأضاف أن خاشقجي لا يحظى باهتمام كبير في الوسط التركي، الأمر الذي يجعل هذا الجانب غير مهم في مثل هذه القضية.
وكشفت الحادثة التي تعرض لها خاشقجي، النقاب عن حقيقة أنّ خطيبته الحالية هي مواطنة تركية، ما يفسر سبب تعدد وتكرر زياراته مؤخرا لتركيا.
وقد كان خاشقجي يشعر بالأمان في تركيا، لكنه لم يكن مطمئنا بذلك القدر عندما قرر أن يدخل مجالا تابعا للمملكة العربية السعودية. بناء على ذلك، فقد أوصى خطيبته بما يتوجب عليها القيام به في حال انقطاع الاتصال به.
وأشار أقطاي إلى أنّ توصيات خاشقجي لخطيبته حملت في جعبتها مسؤولية كبيرة بالنسبة له باعتباره مسؤولا تركيا.
وقد بادر أقطاي بالتحرك فورا بعد أن اتصلت خطيبة خاشقجي به، بشأن انقطاع التواصل معه. واتصل أقطاي فورا بجميع المسؤولين الذين يتوجب إخبارهم بالأمر، وتم أخذ كل التدابير والاحتياطات اللازمة في مواجهة احتمال اختطافه.
أما الأمر الثاني فهو قيام خاشقجي بشراء شقة في اسطنبول للاستقرار مع خطيبته هناك. لكن تحركات خاشقجي ونشاطه أثار شكوك حول رفضه لأي "تصالح" مع القيادة السعودية، ما دفع الرياض إلى الغدر به عبر عملية أمنية لإعادته إلى السعودية.
الغموض الذي يلفّ قضية المعارض الشهير طرح على الساحة العالمية العديد من التحليلات التي تضع عدة سيناريوهات لحل اللغز بناء على جملة من الأخبار غير المؤكّدة والتسريبات غير الموثّقة:
الاحتجاز داخل تركيا
مسؤولون أتراك أبدوا اعتقادهم أن خاشقجي ما زال موجوداً على الأراضي التركية وفي مبنى القنصلية بمدينة إسطنبول، في حين قال مسؤولون سعوديون إنه غادرها بعد وقت قصير من دخوله إليها.
وقد ذكر المتحدّث الشخصي باسم الرئيس التركي، إبراهيم كالن، أن الكاتب السعودي اختفى أثناء تواجده في القنصلية، وأن السلطات التركية تعتقد أنه لا يزال هناك.
وفي إطار التضامن الدولي طالبت صحيفة "الغارديان" البريطانية بالضغط على الرياض لتوضيح مصيره، وتقديم دليل على زعمها أنه غادر مبنى القنصلية.
في سجون السعودية
منذ الساعات الأولى لانتشار نبأ اختفاء خاشقجي برز سيناريو وصوله إلى السعودية واحتجازه فيها كأحد أرجح الخيارات، خصوصاً بعد أن نشر حساب "معتقلي الرأي في السعودية" في "تويتر" تغريدة تحدّث فيها عن وصوله للمملكة واحتجازه فيها، ليعود الحساب ويحذف التغريدة في وقت لاحق.
وكشف الكاتب الصحفي البريطاني، بيل لو، أن مصادر خاصة به أبلغته بأن خاشقجي يقبع حالياً في سجن بمدينة جدة.
"لو"، الذي لم يسمِّ المصادر التي نقل عنها المعلومة، قال لشبكة "الجزيرة" الإعلامية، السبت 6 أكتوبر: إن خاشقجي "أُخذ بسرعة وأخرج من القنصلية ثم من تركيا نحو السعودية".
وفي ذات السياق قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن هناك مخاوف من أن الكاتب السعودي قد احتُجز، ثم هُرّب في سيارة دبلوماسية من قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول ونُقل إلى السعودية.
ويعزّز هذا السيناريو وجود سوابق للمملكة في مجال اختطاف معارضيها؛ فخلال العامين الماضيين، اختفى ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا، عُرفوا بانتقادهم الحكومة السعودية، وهناك تكهّنات منتشرة بـأن الأمراء الثلاثة إما أنهم اختُطفوا أو رُحِّلوا إلى المملكة، خاصة مع انقطاع أخبارهم، وعدم سماع أي شيء عنهم منذ ذلك الحين.
والأمراء الثلاثة هم: سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر.
من جانبها كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، اليوم السبت، نقلا عن مصدر خليجي خاص أن خاشقجي أصبح موجودا في السعودية، وذلك بعد أن أبلغت الرياض أنقرة بذلك.
وبحسب الصحيفة اللبنانية، تم نقل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى الرياض وقامت السلطات السعودية بإبلاغ نظيرتها التركية بأن خاشقجي حسم مصيره وسيتم نقله إلى السعودية.
وأشارت المعلومات الواردة للصحيفة اللبنانية، إلى أن نقل خاشقجي إلى السعودية جاء عن طريق عملية معقدة من خلال تدخل سفير السعودية لدى واشنطن، ونجل الملك وشقيق ولي العهد، خالد بن سلمان بالموضوع الذي أعطى تطمينات شخصية للصحفي والكاتب السعودي.
ووفقا للتفاصيل المنقولة لـ"الأخبار"، فإن خاشقجي دخل إلى المبنى الرقم 1 في القنصلية حيث كانت تنتظر خطيبته خارجا أمام المبنى، ومن ثم خرج من مبنى آخر للقنصلية يحمل الرقم 2 عبر ممر يربط المبنيين، قبل أن يتم إصعاده إلى سيارة بيضاء كبيرة توجهت إلى المطار.
التصفية الجسدية
السيناريو الأكثر تشاؤماً حول هذه القضية يدور حول إقدام المخابرات السعودية على تصفية خاشقجي بعد اختطافه من القنصلية.
وتبنّى هذه الفرضيّة إعلاميون وكتّاب ومدوّنون سعوديون وعرب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق قال المدوّن والكاتب السعودي المعروف، منذر آل الشيخ مبارك، عبر موقع التدوينات القصير "تويتر": "لن يُسمح لأي هارب بالعودة إلى وطنه حياً؛ فهناك من يلبس ثوب الصديق ويخشى أن يُفتضح أمره، تصفية كل من يحاول التطهّر من الحزبية عادة قديمة !! #تدل_دربها".
الكاتب السعودي خالد المطرفي، أشار إلى احتمال التصفية الجسدية من خلال الربط بين حادثة اختفاء خاشقجي ووفاة المعارض السعودي محمد المفرح في ظروف غامضة بإسطنبول.
العودة الطوعية
رغم نأي السلطات السعودية بنفسها عن ربط حادثة اختفاء الصحفي المعارض بسياسات بن سلمان، فإنّ أذرعها الصحفية، عبر وسائل إعلامها الرسمية، لم تنأَ بنفسها عن الحدث، فقد خرج الكاتب أحمد عجب الزهراني بأغرب سيناريو؛ يحوّل المعارض الذي لم يطالب بأكثر من الحرية لشعبه والشفافية في ممارسة الحكم في بلده إلى ظالم متجاوز على شرعية وليّ الأمر، وفق قراءة تعتمد على نظرية المؤامرة.
وافترض الزهراني أن خاشقجي كان يعارض بلاده وهو مختطف (عقلياً)، ثم ليعود خاشقجي مؤنّب الضمير، ويرى أن الصورة السوداء التي كانت في ذهنه عن الحكم بيضاء ناصعة البياض، في ظل ديمقراطية وحرّية وتعدّد للآراء تخلو معها السجون من أصحاب الرأي والعلماء، فيقوده الندم إلى تركيا، وفي قنصلية السعودية بإسطنبول يختفي ليعود طائعاً لطاعة ولي الأمر، مسبّحاً بحمده مع المسبّحين، بحسب تعبيره.
وقال الزهراني، في مقال صحيفة "عكاظ" الصادرة يوم 5 أكتوبر: "لماذا لا يوجد على الساحة سوى احتمال واحد وهو اختطاف خاشقجي؟! مع أن كل الاحتمالات واردة؛ كأن يكون خاشقجي عند زيارته لسفارة الرياض لمس المعاملة الحضارية الراقية مع شخصه رغم مواقفه المعارضة، فعرف خطأه، وتنبّه إلى أن هروبه الدائم لن يُنجيه من عذاب الضمير، وأن كافة القوانين الدولية الداعمة لحماية اللاجئين السياسيين لن تمنحه الراحة التي كان ينعم بها على أرض بلاده، لهذا اختار أن يخرج متخفّياً من القنصلية حتى يفكّر ملياً في قرار العودة للسعودية وتسليم نفسه اختيارياً لتخفيف العقوبة"، كما قال.
تجدر الإشارة إلى أن ملاحقة الكاتب والصحفي المعارض جمال خاشقجي من قبل السعودية، تأتي في إطار حملة اعتقالات غير مسبوقة بحق عشرات، بينهم أمراء ورجال أعمال ووزراء حاليون وسابقون، شنّها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، منذ الرابع من نوفمبر الماضي، قبل أن يعود ويطلق سراح عدد منهم بعد تنازلهم عن أجزاء كبيرة من ثرواتهم.
جاء ذلك بعد حملة اعتقالات شنّتها الرياض، مطلع سبتمبر 2017، طالت عشرات الكُتاب والصحفيين وعلماء الدين والمحللين الاقتصاديين والروائيين والشعراء، بتهم متعدّدة؛ أبرزها الصمت وعدم المشاركة في الحملة الإعلامية على قطر، بالإضافة إلى محاولات إسكات الأصوات المؤيّدة لولي العهد المعزول، محمد بن نايف.
لكن عدداً من الإعلاميين والكُتاب والصحفيين وعلماء الدين الذين كان جهاز أمن الدولة قد أدرجهم على قوائم الاعتقال قد تمكّنوا من الفرار إلى الدول الخليجية المجاورة، وإلى تركيا وبريطانيا وأمريكا، ومنهم خاشقجي.
لماذا تُخفي السعودية فيديو مغادرة خاشقجي القنصلية؟!
على الرغم من أن الكاميرات المحيطة بالقنصلية أو التي بداخلها شاهد على تفاصيل ما جرى فإن إحدى حلقات التتبّع ما زالت مفقودة.
يقول توران كشلاكجي، رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا، إن السلطات التركية تأكّدت من وجود خاشقجي في القنصلية السعودية وأنه لم يخرج منها، وذلك بعد متابعة الكاميرات الأمنية التابعة للشرطة والمحيطة بالسفارة، ولم يُظهر أي من الكاميرات خروجه إطلاقاً.
وطالب كشلاكجي، الذي يقف منذ اليوم الأول أمام مبنى القنصلية برفقة خطيبة الكاتب السعودي، سلطات المملكة بالكشف عن مقاطع الفيديو التي تُظهر خروج خاشقجي منها، خصوصاً أنها تُصرّ على أنه دخل القنصلية وخرج منها ولا تعلم مصيره.
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": "إن كانت السلطات السعودية معنيّة بالكشف عن مكان وظروف اختفاء خاشقجي -كما أعلنت في بيانها- فعليها الكشف فوراً عن تسجيلات الفيديو التي تُظهر خروج خاشقجي من مقر القنصلية".
وبيّن كشلاكجي أن خطيبة الإعلامي جمال التي رافقته مرّتين إلى القنصلية وكانت تنتظره في الخارج عاد إليها في أول مرّة، إلا أنه لم يعد في المرة الأخيرة التي دخل فيها القنصلية، وكانت الساعة الواحدة والنصف من ظهر الثاني من أكتوبر الجاري.
الغارديان: خاشقجي دعا الى الاصلاحات بالسعودية
وقد اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية عملية احتجاز الصحفي السعودي المعارض لسياسات بلاده، جمال خاشقجي، بمنزلة فترة مظلمة تعيشها حرية الصحافة، مطالبة بمعرفة مصيره والكشف عنه والتضامن معه.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها، اليوم السبت، إن خاشقجي كتب ذات يوم، في أغسطس الماضي، مقالاً في الغارديان قال فيه إن العديد من العرب الذين يسعون إلى الحرية والمساواة والديمقراطية يشعرون بالهزيمة؛ لقد تم تصويرهم كخونة من قبل وسائل الإعلام الموالية للأنظمة، وتخلّى عنهم المجتمع الدولي.
وتابعت الغارديان في افتتاحيتها: إن "خاشقجي ظل -منذ خروجه من السعودية قبل أكثر من عام- يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي في السعودية والشرق الأوسط، وكتب عدة مقالات في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، غير أنه دخل إلى قنصلية بلاده في إسطنبول ولم يخرج منها".
الغارديان وصفت عملية احتجاز خاشقجي بأنها وقت عصيب يمرّ على حرية الصحافة على مستوى العالم؛ فقد ارتفع عدد الصحفيين المسجونين والمقتولين.
وختمت الغارديان مقالها بالقول إنه منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد بالسعودية، كان الجميع يتمنّى أن يرى حملة إصلاحات حقيقية، خاصة بعد أن شرع بإعادة فتح دور السينما والسماح للمرأة بقيادة السيارة، مشيرة إلى أن بعض المراقبين كانوا يمنّون أنفسهم بأن تصل هذه الإصلاحات إلى الجانب السياسي وحقوق الإنسان.
واستدرك بالقول: "غير أنه بدلاً من ذلك زاد التعصب، خاصة ضد النساء المتعلّمات، ورفضت السعودية حتى النقد الذي خرج من كندا بسبب تلك الحملات، وكأن كل ذلك يجب ألا يردع الآخرين عن قولهم الحق ومواجهة الترهيب الذي يقوم به بن سلمان"، مبيّنة أن "خاشقجي كان واحداً من هؤلاء الذين وقفوا بشجاعة، ومن ثم فإنه ينبغي الوقوف إلى جانبه".