صفقة خاشقجي.. عندما تتحول السعودية الى "رهينة"!

صفقة خاشقجي.. عندما تتحول السعودية الى
الخميس ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٧:٤٩ بتوقيت غرينتش

فاجأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الجميع بتصريحاته الأخيرة في مؤتمر الاستثمار الذي سُمي بـ"دافوس الصحراء" في الرياض، حيث تطرق الى موضوع قطر في ظل الخلاف السعودي معها في إطار الازمة الخليجية التي تسببت بماطعة الدوحة وفرض الحصار عليها من قبل الدول الاربع اي السعودية والبحرين والامارات ومصر.

العالم - تقرير

وفي تصريح فاجأ الاصدقاء قبل الخصوم امتدح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قطر واشاد باقتصادها القوي رغم "الخلاف معها"، ما يعتبر خطوة غير مسبوقة لمسؤول سعودي منذ قطع العلاقات مع سلطات الدوحة في العام الماضي. واكد بن سلمان في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" المنعقد في الرياض بأن قطر ستكون مختلفة تماما خلال 5 سنوات القادمة.

تصريح بن سلمان كان بمثابة زلزال قوي هزّ وسائل التواصل الإجتماعي وبدا مفاجئا في نفس الوقت لمؤيدي السعودية ومعارضيها ومن يرفض الحصار على قطر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أدلى بن سلمان بهذا التصريح رغم الخلاف الدبلوماسي السعودي مع الدوحة الذي رافقته هجمات شرسة طالت قطر ومسؤوليها منذ بدء الازمة الخليجية؟

حصار قطر

وقطعت السعودية ومعها الإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في 5 حزيران/ يونيو 2017، بعدما اتّهمت الإمارة بدعم تنظيمات ارهابية في الشرق الاوسط، وهو ما نفته الدوحة مرارا. وعادة ما يقول المسؤولون السعوديون إن اقتصاد قطر ضعف بعد قطع العلاقات.

الخطوة هذه جاءت عبر بيان مشترك أصدرته الدول الاربع بحجة تصريحات نشرتها وكالة الانباء القطرية ونُسبت الى أمير قطر تميم بن حمد حيث ثمن فيها دور إيران الإيجابي في المنطقة وانتقد المشاعر المعادية تجاه طهران، مؤكداً في الوقت نفسه على علاقات قطر القوية مع الجهورية الاسلامية. 

وقالت الدوحة آنذاك إن موقع الوكالة القطرية تعرض لقرصنة إلا أن السعودية والإمارات ومصر والبحرين لم يترددوا بفرض الحصار على الدولة الخليجية التي تدور خارج السلك السياسي السعودي المعتاد. بينما حاولت قطر استيعاب الازمة واللجوء الى خيار التهدئة لكن الجانب الآخر وعلى رأسه السعودية والإمارات، شن تصعيدا غير مسبوق على الدوحة لم تشهده سابقا.

حرب الإعلام.. عندما تصبح الكلمة اقوى من السيف

بعد تنفيذ الاجراءات التعسفية ضد قطر بدأ المحور السعودي – الإماراتي بدراسة الخيارات المطروحة ضد خصمه القطري بينما كان يتحدث خبراء ومحللون سعوديون عن إمكانية التمسك بخيار عسكري للإطاحة بحكم تميم بن حمد، لكن سلطات قطر من جانبها استبعدت الخيار العسكري نظراً لوجود قاعدة عسكرية أمريكية على اراضيها ووصول قوات عسكرية من تركيا الى قطر لمؤازرة الدوحة.

وفي ظل فشل الخيار العسكري لجأ المحور السعودي – الإماراتي الى شن هجمات اعلامية شرسة ضد قطر وسياستها في المنطقة حيث تحولت قطر من دولة صديقة الى ممول رئيسي للإرهاب في المنطقة والعالم ولم يبق شيء على ساحة التطورات الاقليمية إلا وتم إلصاقه الى قطر. بدءا من دعم الفصائل المسلحة في سوريا وصولا الى امور خيالية ومفبركة كتمويل فصائل المقاومة في العراق او دعم حزب الله في لبنان.

الأمر لم يبق على هذا المستوى حيث اطلقت السعودية جيشاً الكترونياً سُمي في الفضاء الإفتراضي بالذباب الإلكتروني لشتم قطر ورموزها ومن يؤيدها. واما في الجهة المقابلة لم تسكت الدوحة حيال هذه الهجمات الاعلامية فحرّكت ذراعها الاعلامي "الجزيرة" لاستهداف السعودية وحلفائها واطلقت سياسة جديدة تقوم على فضح الدور السعودي بمشاركة الحلفاء في تدمير سوريا واليمن والتدخل في شؤون دول المنطقة.

واندرجت تصريحات رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم التي كشف فيها عن الدور السعودي في تمويل مليارات الدولارات لتحريض عناصر في القوات السورية على الانشقاق من صفوف الجيش، اندرجت في هذا السياق.

"صفقة" خاشقجي.. السعودية تسقط في شباك قطر

ويعتقد محللون ان حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في 2 من اكتوبر الجاري رغم كونه مفاجئا الا انه يكون بمثابة هدية ثمينة كانت تنتظرها قطر لقلب الطاولة على السعودية وحاكمها الحقيقي اي محمد بن سلمان.

أنقرة فاجأت السعوديين بسيطرتها الاستخباراتية التامة على قضية خاشقجي وكشف الوثائق التي تشير الى تورط ولي العهد السعودي عن الجريمة البشعة التي نُفذت بحق خاشقجي وتسريبها الى وسائل الاعلام. واعتبر بعض المحللين ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضع مصير بن سلمان السياسي رهن إرادته بنشر هذه الوثائق او عدمه مما جعل ولي العهد السعودي ومن خلفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحسب المحللين الى عرض "صفقة" سياسية على أنقرة لإنقاذ الشريك الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة، برزت معالمها في قيام السلطات التركية باطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون الذي سجتنه قبل سنتين بتهمة التجسس بعد اجراء محاكمة سريعة بحقه.

ويرى المحللون والخبراء السياسيون انه لا يمكن فصل تركيا وقطر عن بعضهما البعض نظرا لتقارب البلدين ورؤيتهما السياسية في القضايا الدولية والاقليمية. ومن هذا المنطلق ونظرا للعلاقات الوثيقة التي تسود بين انقرة والدوحة فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا تمت "صفقة" خاشقجي  المذكورة اعلاه بتدبير تركي قطري وتنسيق مسبق بين الجانبين؟ واذا يكون الجواب ايجابيا فماذا ستحمل معها هذه الصفقة؟ بالتأكيد سنحصل على هذا الجواب عاجلا او آجلا نظرا للتداعيات المتسارعة التي تترتب عليها قضية خاشقجي التي اصبحت قضية رأي عام دولي. لكن ما بات محسوما من الآن هو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووريث عرش نظام آل سعود المرتقب اصبح رهينة ثمينا وورقة ضغط بيد تركيا التي اظهرت تغطيتها الاعلامية لقضية خاشقجي منذ اختفائه حتى الاعلان عن قتله رسميا بأنها شكّلت ولا تزال نوعا من الثأر والتشفي للتغطية الإعلامية السعودية للانقلاب الفاشل في تركيا، التي أظهرت انحياز السعودية الواضح ضد أردوغان، والآن بات بامكان أنقرة أن تتلاعب مع هذه الورقة ضد الرياض كيفما تشاء وأينما تشاء بالتنسيق مع حليفتها الدوحة. الامر الذي يظهر بأن زمن مغامرات السعودية ووليعهدها على الدولة الجارة قطر قد ولى وقد نشهد في المستقبل القريب خضوع الامير السعودي الشاب لدولة قطر الى درجة يُجبر على التنحي بطرفة عين من أميرها.

*مهرداد خليلي

كلمات دليلية :