شبح خاشقجي يطارد الملك والإمارات تسعى للتغطية على الجريمة

شبح خاشقجي يطارد الملك والإمارات تسعى للتغطية على الجريمة
الثلاثاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٠٠ بتوقيت غرينتش

أثار مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي أحد منتقدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، غضبا عالميا، وبعد مرور شهر على مقتل خاشقجي، لا تزال السعودية في ورطة شديدة، وليس القتل وحده مصدر هذا المأزق، إنما إخفاء جثة الضحية وتغيّر الرواية الرسمية من الإنكار إلى الإقرار، ومن الشجار إلى الخنق، قبل الاعتراف بالتخطيط المسبق لارتكاب الجريمة.

العالم - السعودية

جولة داخلية للملك السعودي يخيم عليها شبح خاشقجي

وقد وصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، يوم الثلاثاء، إلى محافظة القصيم وسط السعودية، وهي المحطة الأولى من جولة داخلية غير مسبوقة، يقوم بها، في وقت تواجه فيه المملكة ضغوطا دولية على خلفية قضية مقتل خاشقجي.

من بين المناطق التي من المقرر أن يزورها الملك السعودي، حائل في الشمال، وهي أول جولة داخلية للملك منذ توليه العرش في بداية العام 2015، وذكرت وسائل الاعلام المحلية أن هدفها هو التعرف على أحوال المواطنين، وتدشين مشاريع تنموية مهمّة.

وتأتي الجولة في وقت تواجه المملكة أزمة كبيرة على خلفية قضية خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول قبل أكثر من شهر، ويصفها المراقبون بأكثر الأزمات تأثيرا على صورة المملكة في الخارج منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وألحقت الجريمة ضررا كبيرا، وبصورة خاصة، بصورة ولي العهد، نجل الملك، رغم نفي الرياض أن يكون للأمير الذي يتولى عدة مناصب رفيعة المستوى أي دور في القضية.

وكان الملك سلمان أعلن الشهر الماضي إعادة صرف مكافآت سنوية للموظفين الحكوميين ابتداء من العام المقبل بعد توقف دام لنحو سنتين إثر انخفاض أسعار النفط.

وفي الأسابيع الماضية، قام سعوديون بنشر أغان وقصائد تمدح بن سلمان على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما قدّمت وسائل الاعلام السعودية قضية خاشقجي على أنّها "مؤامرة" ضد المملكة.

الرياض قد تفرج عن معتقلين لتخفيف الضغط

وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن أشخاص ذكرت أنهم على دراية بالاعتقالات في السعودية قولهم إن نحو 45 من محتجزي الريتز كارلتون لا يزالون قيد الاحتجاز حتى الآن، وذلك على عكس ما صرح به بن سلمان الشهر الماضي في مقابلة مع بلومبرغ بأن ثمانية أشخاص فقط هم من يزالون رهن الاحتجاز.

وتنقل الصحيفة عن ناشطين حقوقيين ومحللين أن بن سلمان قد يـُفرج عن بعض المعتقلين لتهدئة الغضب الدولي على خلفية اغتيال خاشقجي، الذي تسبب في توتر العلاقات مع الغرب، ولفت الانتباه إلى ممارسات ولي العهد في مجال حقوق الإنسان.

وقالت إن يحيى عسيري، وهو ناشط سعودي يقيم في المنفى، قال إنهم لا يريدون القيام بذلك، لكن ضغوطا خارجية ستضطرهم للامتثال وبالتالي فالتنفيس عن هذه الضغوط هو الهدف.

ويعتقد عسيري أن الإفراج عن الأمير خالد بن طلال -شقيق الملياردير الأمير الوليد بن طلال بعد اعتقال دام قرابة عام- جاء أساسا لدعم ولي العهد داخل العائلة الحاكمة.

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الأمير خالد بن طلال احتجز 11 شهرا بسبب انتقاده أكبر حملة اعتقالات طالت عشرات الأمراء ورجال الأعمال الذين تم توقيفهم في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في إطار ما قالت السلطات السعودية إنها حملة على الفساد.

وسبق لشبكة "أن بي سي" الأميركية أن أكدت قبل أيام أن الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الذين اعتقلوا قبل سنة في فندق الريتز كارلتون بالرياض، تعرضوا للتعذيب والابتزاز.

وأضافت الشبكة -اعتمادا على مصادر أميركية- أن المعتقلين منعوا من النوم، وضُربوا أثناء استجوابهم ورؤوسهم مغطاة، وقد خضع 17 منهم للعلاج.

مصممون على كشف من أمر بقتل خاشقجي

وقد أبدت تركيا تصميمها على المضي حتى النهاية لكشف من أصدر التعليمات بتصفية خاشقجي قبل أكثر من شهر في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، والإفصاح عن مكان جثته.

وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو اليوم الثلاثاء -بمؤتمر صحفي في نادي الصحافة الوطني بالعاصمة اليابانية طوكيو- إن بلاده طلبت من السلطات في السعودية الكشف عمن أصدر الأمر بقتل الصحفي.

وأضاف أوغلو أنه من الواضح أن الأشخاص الذين قتلوا خاشقجي داخل قنصلية المملكة في الثاني من الشهر الماضي تلقوا تعليمات من شخص ما.

وتابع أنه لو أراد الرئيس رجب طيب أردوغان الكشف عن اسم فلا أحد بإمكانه أن يمنعه من ذلك، مشيرا إلى أن أردوغان أكد بمقال له أن السعوديين الـ 15 لم يأتوا إلى إسطنبول لقتل خاشقجي من تلقاء أنفسهم.

وقال الوزير "لذلك يتوجب علينا إيجاد من أصدر تلك التعليمات. هذا هو السؤال البسيط الذي طرحناه على السعوديين وبشكل علني".

وبنفس التصريحات، قال أوغلو إن النائب العام السعودي سعود المعجب لم يقدم خلال زيارته لإسطنبول قبل أيام إجابات عن مكان جثة خاشقجي ولا أسماء المتعاونين مع الرياض في تركيا.

وأكد الوزير تصميم بلاده على المضي حتى النهاية لمعرفة من أصدر التعليمات بالقتل، مشيرا إلى أنهم طلبوا من الرياض تسليم المشتبه بهم الـ 18 لاستجوابهم بتركيا، وأن المملكة يقع على عاتقها إطلاع أنقرة على مكان جثة خاشقجي.

وكان أردوغان تعهد مرارا بكشف كل جوانب قضية اغتيال الصحفي، وكرر ذلك بمقاله يوم الجمعة بصحيفة واشنطن بوست، ووفق بعض التفسيرات فإن استبعاده تورط الملك دون غيره من المسؤولين يعد تلميحا لمسؤولية بن سلمان.

وبهذا المقال، أوضح أردوغان أن علاقة الصداقة مع السعودية لا تعني أن تركيا ستغض الطرف عن هذه الجريمة، مضيفا أن الإخفاق في معاقبة من قتل خاشقجي يمكن أن يشكل سابقة خطيرة.

معلومات إضافية

وكان فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي أكد أمس أن بلاده تملك مزيدا من المعلومات بشأن جريمة قتل الصحفي السعودي.

وفيما بدا ردا مباشرا على اتهامات صادرة عن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو، نفى أوقطاي بمقابلة مع وكالة الأناضول أن تكون بلاده تتستر على المعلومات التي لديها بخصوص الجريمة.

وقال أوقطاي إن تفاصيل قتل الصحفي "أصبحت دولية ولا يمكن التستر عليها" وإن اتفاقية فيينا لا تشفع بارتكاب أي نوع من الجرائم داخل أي مبنى على الأراضي التركية، مؤكدا أن بلاده تتشارك تلك المعلومات مع كل الأطراف من مؤسسات ودول في الوقت الذي تراه مناسبا وعندما ترى ضرورة لذلك.

وبالتزامن، أكد مسؤولون أتراك تقريرا نشرته صحيفة صباح وجاء فيه أن السعوديين عملوا منذ التاسع من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي ولمدة أسبوع على طمس الأدلة بالقنصلية ومنزل القنصل العام السعودي بإسطنبول محمد العتيبي.  

ووفق نفس التقرير، قام بهذه المهمة الكيميائي أحمد عبد العزيز الجنوبي، وخبير علم السموم خالد يحيى الزهراني، وكان الخبيران ضمن فريق يفترض أنه كان يحقق باختفاء الصحفي.

وحاليا لا تستبعد أنقرة أن يكون قد تم تذويب جثة الضحية بمنزل العتيبي بعد قتله وتقطيع جثته داخل القنصلية، وهو احتمال أشار إليه أمس نائب الرئيس التركي.

ومؤخرا، أكد النائب العام بإسطنبول عرفان فيدان أن خاشقجي جرى قتله خنقا مباشرة بعد دخوله القنصلية، وتم بعد ذلك مباشرة تقطيع جثته التي تم نقلها لمنزل القنصل بخمس حقائب، وفق مصادر تركية.

تركيا تطلع الأميركيين والأوروبيين على الصورة الكاملة لاغتيال خاشقجي

وقال مصدر تركي للجزيرة إن أنقرة أطلعت الولايات المتحدة عبر مديرة الاستخبارات الأميركية جينا هاسبل والأوروبيين على الصورة الكاملة لجريمة اغتيال خاشقجي، وإن أنقرة تأمل في ضغط أميركي وأوروبي على السعودية للكشف عن التفاصيل.

وأشار المصدر إلى أن الأدلة التي اطلعت عليها هاسبل تثبت أن الاغتيال تمّ بأوامر من مستويات سعودية عليا، مؤكدا أن المسؤولية الأميركية التي اطلعت على كامل الأدلة، غادرت تركيا وهي على قناعة تامة بتفاصيل الجريمة.

وأكد المصدر أن لقاء أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترامب في باريس سيكون محطة أساسية في الموقف الأميركي من جريمة خاشقجي.

وأضاف المصدر التركي أن أنقرة أطلعت دولا أوروبية على أدلة جريمة خاشقجي، وأنها تتوقع موقفا أوروبيا سيصدر قريبا، مشيرا إلى أن تلك المعلومات تعطي تصورا كاملا للجريمة وما سبقها من إعداد.

تفاصيل جديدة

وعن مصير جثة خاشقجي، قال المصدر إن السلطات التركية ليس لديها أي معلومات عن ذلك، وأضاف أن السلطات السعودية تضع العراقيل أمام الوصول إليها، مشيرا إلى أن النائب العام السعودي سعود المعجب أبلغ تركيا بجهله أيضا بمصير الجثة.

وأوضح المصدر التركي للجزيرة أن السيارات التي نقلت جثة خاشقجي خارج القنصلية قادها أعضاء في فريق الاغتيال إلى مقر القنصل.

وأضاف أن إفادات موظفي القنصلية بينت أنهم منعوا من الصعود للطابق الثاني بعد دخول خاشقجي، مشيرا إلى أنهم أُبلغوا أن اجتماعات دبلوماسية عالية المستوى تعقد في مكتب القنصل.

وعن المشاركين في عملية الاغتيال، قال المصدر إنه تم تشكيل ثلاث فرق لعملية التخطيط والتنفيذ والدعم، مؤكدا أن الفرق تم تشكيلها قبل البدء بالتخطيط.

وحول الردود الدولية الجديدة، قال الاتحاد الأوروبي إنه ما زال ينتظر أن تكشف السلطات السعودية عما لديها من معلومات بشأن مقتل خاشقجي.

ماذا قالت 40 دولة للسعودية حول قضية مقتل خاشقجي؟

وذكرت الأمم المتحدة في بيان لها، اليوم الثلاثاء، أن 40 دولة وجهت رسالة للمملكة العربية السعودية بشأن قضية مقتل خاشقجي.

وقالت الأمم المتحدة في بيانها إن 40 دولة ناشدت السعودية الكشف عما حدث للصحفي جمال خاشقجي، وذلك حسبما نقلت وكالة الأناضول.

وأوضحت الوكالة أن تلك الرسالة الجماعية جاءت عقب تصريحات بندر بن محمد العيبان، رئيس اللجنة السعودية لحقوق الإنسان، عن الأسف والألم لمقتل خاشقجي.

وشدد العيبان خلال كلمته، أمس الاثنين، على أن بلاده تحقق في القضية للوصول لجميع الحقائق وتقديم الجناة للعدالة.

وعلى الفور، أصدرت الـ 40 دولة تلك الرسالة لحثّ السعودية على الكشف عما حدث لـ"خاشقجي"، وكذلك الدعوة إلى إصلاح قوانين حرية التعبير في المملكة.

الإمارات تسعى للتغطية على جريمة اغتيال خاشقجي

وتوقف الكاتب الفرنسي هنري فوركاديس في مدونة نشرها على موقع “ميديا -بارت” الاخباري الفرنسي، عند المؤتمر الذي سينظمه، الخميس المقبل، مركز “تريندز” للأبحاث والاستشارات في بنك دبي، بمشاركة عدد من المتحدثين المثيرين للجدل، معتبراً أن المؤتمر يندرج ضمن مساعي الإمارات العربية في تعبئة الرأي ضد دولة قطر، والتغطية على جريمة اغتيال خاشقجي.

وكشف الكاتب أنه على رأس أجندة المؤتمر، الذي ينظمه مركز “تريندر” الذي يقدم نفسه على أنه مجموعة ضغط، في الوقت الذي يحصل فيه على الأموال بشكل كامل من الإمارات العربية المتحدة؛ موضوع علاقات الدول مع المنظمات الأصولية تحت عنوان “الدول ذات السيادة والجماعات الأصولية: علاقات خطرة”.

أما عن الخبراء المشاركين في المؤتمر، فأوضح هنري فوركاديس أنه تم استئجارهم بمبالغ كبيرة، للقيام بمهمة مهاجمة قطر ومحاولة تشويهها، وهي المهمة التي فشلت فيها الإمارات والسعودية رغم استثمارهم ملايين الدولارات على حملات اللوبي في الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة عام 2017.

فرئيس المؤتمر أحمد الهملي معروف بتبنيه للخطاب السعودي الإماراتي المعادي لقطر. ونفس الأمر بالنسبة لمدير البحث في “تريندز” ريتشارد بورشيل، الذي سبق له نشر عدة مقالات في المركز ذاته تتهم قطر بالعلاقة مع الإرهاب والجهاديين. من بين المشاركين أيضا محمد سيفاوي المتهم بالعمالة، ولكن أيضا بالعنصرية في كتاباته وتصريحاته المثيرة للجدل، إذ سبق وأن تمت مساءلته من مجلس الرقابة الأعلى “سي أس إي” لتعليقاته العنصرية.

كما أكد الكاتب أن حسابات معظم المشاركين في المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي توضح أسباب اختيارهم، حيث يشتركون جميعهم في حملة الهجوم على قطر، بمن فيهم نائب رئيس التحرير في مجلة “لكسبرس” الفرنسية كريستيان ماكريان، الذي سبق له أن اتهم الدوحة بدعم جماعة الإخوان المسلمين.