السترات الصفراء، الاقتصاد الفرنسي والمناداة برحيل ماكرون

السترات الصفراء، الاقتصاد الفرنسي والمناداة برحيل ماكرون
الجمعة ٠٢ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٨:٠٦ بتوقيت غرينتش

لم تعد حركة "السترات الصفراء" تهدد حكومة إمانويل ماكرون فقط، بل باتت تهدد الاقتصاد الفرنسي أيضا، إثر تواصل الاحتجاجات للأسبوع الثالث، الأمر الذي خلف خسائر مالية فادحة بسبب الشلل الذي ضرب مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، بينما عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اجتماعا مع حكومة بلاده، الأحد، في ظل الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، والمطالبات التي وصلت بالمناداة برحيله.

العالم - تقارير

واعترف وزير الاقتصاد الفرنسي برينو لومير بالخسائر المالية الكبيرة التي لحقت بالقطاعات الحيوية مثل السياحة والخدمات بسبب تواصل المظاهرات الرافضة للإصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة منذ عامين، وبينها فرض ضرائب جديدة من أجل خفض ديون الدولة.

وأعلن لومير تشكيل خلية أزمة لمساعدة مختلف القطاعات المتضررة، كما قررت الحكومة تقديم مساعدات عاجلة للشركات والمؤسسات الصغرى المتضررة من حركة الاحتجاجات.

ومن جانبه بحث الرئيس الفرنسي، مع رئيس الوزراء إدوار فيليب، ووزير الداخلية كريستوف كاستانير، والأجهزة المختصة لإيجاد حل للاحتجاجات التي تتسع.

وقبل ذلك اتخذ ماكرون خطوة رمزية وزار معلم قوس النصر الذي تعرض السبت لأعمال تخريب.

وواجه المحتجون بالعاصمة الفرنسية، الأحد، ماكرون بهتافات مناهضة له أبرزها مطالبته بالرحيل، وذلك فور وصوله وسط باريس لتفقد قوات الأمن غداة مظاهرات "السترات الصفراء" التي رافقها أعمال عنف وشغب.

وبثت وسائل إعلام فرنسية بينها قناة "لاشين إنفو" مقاطع مصورة والمحتجون يهتفون بعبارة "ارحل ..ارحل" قرب الرئيس الفرنسي الذي وصل برفقة عدد من المسؤولين إلى منطقة "كليبه" التي شهدت أعمال شغب خلال مظاهرت أمس.

وأدت الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف، إلى إصابة 133 شخصا بجروح بينهم 23 عنصرا في قوى الأمن وإلى توقيف 378 على ذمة التحقيق بحسب حصيلة رسمية الأحد.

كارثة حقيقية
وأصدرت الفدرالية الفرنسية للتجارة بيانا حذرت فيه من تداعيات الاحتجاجات على عجلة الاقتصاد، مؤكدة أنه في حال "تواصلت عملية إغلاق المحلات التجارية ومنع الشاحنات من إمدادها بما يلزمها من مواد استهلاكية، وغلق الطرق الوطنية الرئيسية؛ فإن ذلك سيكون كارثة حقيقية"، حسب وصفها.

وفي تصريح لجريدة لاكروا، قال جاك كريسل أمين عام "فدرالية الشركات التجارية وشركات التوزيع" إن احتجاجات الأسبوع قبل الماضي تسببت في انخفاض حاد في الأرباح، تراوحت بين 35 و50% بالنسبة للشركات المتخصصة في بيع المواد الغذائية والمنزلية المختلفة.

كما أن بعض المهن والحرف -يضيف المتحدث ذاته- انخفضت أرباحها بنحو 60%، مثل المخابز والمطاعم، على خلفية غلق مئات المحلات التجارية وقطع الطرق على المواطنين من قبل حركة السترات الصفراء.

وقدر كريسل هذه الخسائر "بعدة مليارات يورو"، بينها 315 مليون يورو (أربعمئة مليون دولار) بالنسبة للمحلات التجارية الكبرى خلال احتجاجات السبت قبل الماضي فقط.

إلغاء الحجوزات
بدوره، قال فرانسوا أسولان رئيس "اتحاد المقاولات الفرنسية الصغرى" إن بعض القطاعات -مثل قطاع "الألعاب"- بلغت خسائره عدة ملايين يورو، لأنه يحقق 55% من مجمل أرباحه السنوية خلال هذه الفترة، التي تقتني فيها ملايين العائلات الفرنسية هدايا لأطفالها بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد.

وكانت أرباح قطاع ألعاب الأطفال في فرنسا قدرت العام الماضي بـ3.4 مليارات يورو (أربعة مليارات دولار).

وتضرر قطاع السياحة أيضا بشكل كبير، بعد مشاهد الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والمحتجين من حركة "السترات الصفراء" الأسبوع قبل الماضي في جادة الشانزيليزيه في قلب باريس، الأمر الذي دفع آلاف السياح الأجانب إلى إلغاء حجوزاتهم في الفنادق الباريسية.

وقدرت هذه الإلغاءات بـ25 ألف ليلة فندقية، وهو ما يمثل خسائر بنحو عشرة ملايين يورو (14 مليون دولار) في ظرف أسبوع واحد، حسب تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة "إم ك جي" المختصة.

وتعد فرنسا أول وجهة سياحية في العالم، حيث يزورها نحو 86 مليون سائح سنويا، وبلغت عائدات هذا القطاع 54 مليار يورو (60 مليار دولار) العام الماضي، حسب آخر تقرير رسمي حكومي.

جدير بالذكر أن إضراب عمال قطاع السكك الحديدية والطيران في أبريل/نيسان الماضي كلف الحكومة الفرنسية أكثر من أربعمئة مليون يورو (خمسمئة مليون دولار)

الإستماع إلى أقوال وزيرين

وأعلن مجلس الشيوخ الفرنسي الأحد أنه سيستمع الثلاثاء أمام لجنة إلى الوزيرين المكلفين الأمن "للحصول على إيضاحات عن الوسائل التي نشرها وزير الداخلية" السبت في مواجهة الفوضى.

واتهم الرئيس الفرنسي، المحتجين، بأنهم "يريدون فقط إشاعة الفوضى".

واعتبر ماكرون المشاركين في احتجاجات الأمس بالعاصمة باريس هم "مجموعة غوغاء لا علاقة لهم بالتعبير السلمي عن أية غضب مشروع".

ولم يستبعد وزير الداخلية كريستوف كاستانير إمكانية فرض حالة الطوارىء تفاديا لأي أعمال عنف جديدة السبت المقبل.

وبعد أحداث السبت التي تخللتها أيضا أعمال عنف ومواجهات في الضواحي لمح مسؤولون إلى أنه سيكون هناك تغيير أقله في الشكل، للعمل الحكومي.

وقال المسؤول الجديد عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" ستيفان غيريني الذي انتخب السبت لصحيفة "لوباريزيان"، "أخطأنا بحيث ابتعدنا كثيرا عن واقع الفرنسيين".

وفي صفوف اليمين دعا زعيم الجمهوريين لوران فوكييه مجددا إلى استفتاء حول السياسية البيئية والضريبية لإيمانويل ماكرون، وطلبت مارين لوبن لقاء ماكرون مع زعماء الأحزاب السياسية المعارضة.

وطلب زعيم الحزب الاشتراكي اليساري، أوليفييه فور تشكيل لجان حول القدرة الشرائية. وطلب السياسي بونوا أمون إطلاق حوار وطني مع "السترات الصفراء" والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الإنتقال البيئية.

أما جان لوك ميلانشون زعيم حركة "فرنسا المتمردة" فدعا إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة مشيدا ب"تمرد المواطنين الذي يثير الخوف لدى ماكرون والأثرياء".

ووسط هذه المطالب التي وضع معظمها على الطاولة منذ أيام، لم تغير الحكومة حتى الآن موقفها.


إلغاء حجوزات السياح

وكشف رئيس نقابة الفنادق والمطاعم الفرنسية، مارسيل بينيزيه، الأحد، عن إلغاء 50 بالمئة من الحجوزات السياحية في العاصمة باريس، على خلفية احتجاجات "السترات الصفراء"، وما رافقها من أعمال عنف وشغب أمس (السبت).

وقال في تصريحات لشبكة "بي.إف.إم" التليفزيونية الفرنسية، إنّ "50 بالمئة من السياح لغوا بالفعل حجوزاتهم، أو غادروا (باريس) دون استكمال رحلتهم، وتوجهوا إلى لندن، أو ألمانيا، أو حتى إسبانيا".
كما وصف الوضع السياحي الحالي في باريس بأنه "كارثي".

وحول المظاهرات التي تجتاح جميع أنحاء فرنسا منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، أوضح "بينيزيه" بأن قطاع الفنادق، والمطاعم هو "الأكثر تضررا".

وتابع: نحن متأثرون جدا بالمظاهرات وأعمال العنف، الأمر أصبح كارثيا، والإلغاءات متتالية.

يشار إلى أن مظاهرات أمس هي الثالثة ضمن سلسلة احتجاجات ينظمها أصحاب "السترات الصفراء" منذ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ضد رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة.