تقرير دولي:

الخليل تنهار تحت عبء الاحتلال والمستوطنين

 الخليل تنهار تحت عبء الاحتلال والمستوطنين
الأربعاء ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٠:١٨ بتوقيت غرينتش

المراقبون الدوليون الذين تم تشكيلهم قبل عشرين سنة لمتابعة ما يحدث في الخليل أصدروا تقريراً داخلياً شاملاً ينتقد بشدة أعمال "إسرائيل" في المدينة ـ هذا ما قاله الأشخاص الذين قرأوا التقرير وتحدثوا مع «هآرتس»، دون ذكر أسمائهم. هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها محتوى تقرير الـ «تي.آي.بي.اتش» (الوجود الدولي المؤقت في الخليل) إلى وسائل الإعلام.

العالم-مقالات و تحليلات

الوثيقة السرية تعدد سلسلة الخروقات للقانون الدولي من جانب "إسرائيل" وتتطرق إلى الخليل كمدينة تقع تحت نير الاحتلال العسكري والمستوطنين. هذه المنظمة التي شكلت بموافقة "إسرائيل" من أجل إشعار الفلسطينيين بالأمن وضمان ازدهارهم، تقول إن الخليل مقسمة الآن أكثر من أي وقت سابق بسبب أفعال حكومة "إسرائيل" والمستوطنين.

«تي.آي.بي.اتش» تشكلت بأيدي "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية في إطار اتفاق «واي ريفر» الذي وقع عليه في 1998 بين ياسر عرفات ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ولايته الأولى. صيغة سابقة لهذه المنظمة تشكلت في أعقاب المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي في 1994 والتي قتل فيها 29 من المصلين المسلمين. في الصيغة الحالية تضم «تي.آي.بي.اتش» 64 مراقباً من خمس دول مانحة: إيطاليا والنرويج، والسويد، وسويسرا، وتركيا.

إن سمعة هذه المنظمة مختلف عليها، والفلسطينيون ينتقدون كونها عديمة الاسنان. ولكن رغم قيودها فإن مكانتها هامة أكثر من منظمات دولية أخرى تعمل في المنطقة. موظفون إسرائيليون ينكرون على الأغلب ادعاءات جمعيات ومنظمات حقوق إنسان تعمل في الخليل بذريعة أنها منظمات يسارية. في المقابل، فإن أعضاء المنظمة يلتقون بشكل دائم ممثلي الجيش الإسرائيلي وضباط الإدارة المدنية، ولديهم حرية تنقل في شوارع المدينة. الأهم من ذلك هو أن "إسرائيل" تسمح لهذا الجسم بأن يعمل في الخليل منذ عشرين سنة، وهي تجدد تفويضه كل ستة أشهر.

في الفترة الأخيرة تعرضت المنظمة لإنتقادات شديدة، لا سيما من رجال اليمين، بعد أن وثق أحد نشطائها وهو يقوم بصفع شاب إسرائيلي، ونشيط آخر قام بإعطاب إطارات سيارة للمستوطنين. في أعقاب ذلك استدعى رئيس الحكومة قبل نحو خمسة أشهر رئيس هذه المنظمة إلى مقابلة. خلال زيارة في باريس في الشهر الماضي قال نتنياهو إنه سيناقش «استمرار نشاط هذه المنظمة». رئيس الحكومة يقع تحت ضغط متزايد لوقف نشاطات المراقبين.

التقرير الخطير نشر في نهاية العام 2017، وقد طلب من أجل إجمال نشاطات عقدين للمنظمة في المدينة حتى الآن، مع التركيز على المشاكل المتكررة التي شخصها أعضاؤها. التقرير يرتكز على 40 ألف «تقرير عن أحداث» جمعتها المنظمة على مدى هذه السنوات.

حسب معدي التقرير، فإن الخليل تسير في الطريق المعاكس لذلك الذي وافقت عليه في 1997 "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية في اتفاق الخليل، وهو ملحق في اتفاقات أوسلو. الاتفاق قسم المدينة إلى قسمين: اتش 1، وهي منطقة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وتضم نحو 80 في المئة من المدينة التي يعيش فيها 175 ألف فلسطيني. واتش 2، وهي منطقة تحت سيطرة "إسرائيل" ويعيش فيها 500 ـ 800 إسرائيلي إلى جانب 40 ألف فلسطيني.

التقرير وجد أن "إسرائيل" تقيد حرية الحركة وحقوق العبادة للفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة اتش 2. بهذا تكون "إسرائيل" مسؤولة عن «خرق واضح وروتيني» لحق عدم التمييز، خلافاً لما كتب في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه "إسرائيل" في 1991. كما جاء في التقرير أن "إسرائيل" تخرق بصورة مستمرة المادة 49 من ميثاق جنيف الرابع، التي تحظر طرد الناس من منطقة محتلة. حسب الوثيقة، إن السعي لـ «حياة طبيعية» لا يوجد في أي جزء من المدينة، وتحديداً منطقة البلدة القديمة في الخليل، التي تقع في منطقة اتش2. هكذا مثلاً فإن سوق الخضار الفلسطيني القديم تحول إلى منطقة عسكرية إسرائيلية وقد سيطر عليه المستوطنون أكثر مرة، ويستخدمونه كساحة لعب لأولادهم.

حسب «تي.آي.بي.اتش» فإن كل وجود لمستوطنة إسرائيلية في الخليل يشكل خرقاً للقانون الدولي. التقرير أيضاً يشكك في الادعاءات التي أسمعها مستوطنون فيما يتعلق بملكية عقارات في البلدة القديمة في الخليل. حسب أقوال المستوطنين، فإنهم يمثلون أصحاب ملكية يهود قدامى هربوا أو قتلوا في أحداث 1929 في المدينة. ولكن حسب المنظمة فإنه لا يوجد للمستوطنين الحاليين أي علاقة عائلية بالمالكين القدامى للمناطق، التي كانت غير مأهولة أو يستخدمها يهود قبل 1929، ومسألة الملكية على الأرض لم تحل بعد.

كما جاء في التقرير أن تقسيم المدينة يناقض ما جاء في اتفاق الخليل ويصعب حرية الحركة للأشخاص والبضائع والسيارات. هكذا فإن العوائق والحواجز العسكرية الكثيرة التي أقيمت بين شطري المدينة تعيق بالأساس السكان الفلسطينيين فيها.

شارع الشهداء هو كما يبدو الأكثر شهرة في الخليل. والتقرير يركز عليه من أجل التدليل على انتقاداته. في الشارع كان هناك في السابق سوق فلسطيني مزدهر، لكنه اليوم فارغ من الفلسطينيين وتم إغلاق المحلات التجارية فيه. الفلسطينيون لا يسمح لهم بالسفر فيه بالسيارات وليس لديهم طريق للوصول مشياً إلى أجزاء منه.

حسب التقرير، المستوطنون حصلوا بالتدريج على اإن بالبناء وتوسيع الاستيطان في المدينة، حتى على حساب أراضي الفلسطينيين. كما جاء أيضاً أن المستوطنين حصلوا على أفضلية في كل ما يتعلق بالبنى التحتية للبناء وصيانة الشوارع وشبكة المياه.

حسب «تي.آي.بي.اتش» فإن حرية حركة الفلسطينيين الذين يعيشون في تل الرميدة تضررت جداً. خلال السنين طوقت المنطقة بالحواجز ولا يسمح للفلسطينيين باستقبال ضيوف لا يظهرون في قوائم الجيش الإسرائيلي الذين يخدمون في المكان، الذين حسب التقرير يضايقون الفلسطينيين غالباً. كما أشير إلى أنه وضع أمام الفلسطينيين في المكان عقبات كبيرة في نشاطات مثل التعليم والعمل وإجراء العلاقات العائلية.

التقرير يفصّل أيضاً كيف تم شق شوارع على أراض زراعية فلسطينية مخصصة فقط للمصلين اليهود الذين يسافرون من «كريات أربع» إلى وسط الخليل. ثمة بيوت فلسطينية من العهد العثماني أقيمت في الجزء الأخير من هذا المسار تم هدمها.

كما أشير إلى أن المؤذن في الحرم محظور عليه دعوة المصلين إلى الصلاة في أمسيات الجمعة وأيام السبت، من أجل الحفاظ على حرمة السبت. حسب «تي.آي.بي.اتش»، في 2003 كان عدد المصلين المسلمين أيام الجمعة 1600 تقريباً، وفي 2017 العدد تقلص إلى النصف.

رغم أن المنظمة توجه انتقاداً شديداً لإسرائيل، إلا أن التقرير لا يضع أمامها أي طلب ولا يدعو الإسرائيليين أو الفلسطينيين إلى اتخاذ أي إجراء. التقرير قدم لوزراء خارجية الدول الخمس المانحة وطرح أمام دبلوماسيين زاروا الخليل مؤخراً.

من «تي.آي.بي.اتش» جاء أن التفويض الممنوح لهذا الجسم هو «المساعدة في الإشراف والإبلاغ من أجل الحفاظ على حياة طبيعية في المدينة وفقاً لاتفاق الخليل. التقارير يتم نقلها بصورة روتينية إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية والدول الخمس المانحة. حسب طلب هذه الدول، فإن كل معلومة تقدمها «تي.آي.بي.اتش» هي سرية. وهذا الجسم يتحاور بشكل دائم مع الطرفين.

«هآرتس» توجهت لمكتب رئيس الحكومة من أجل تلقي رد على استنتاجات التقرير. ولكن تم توجيه الصحيفة لوزارة الخارجية التي قالت: «تقارير المنظمة غير معدة للنشر. التقارير يتم نقلها للطرفين من خلال تفاهم بشرط ألا يتم تسريبها، وتحديداً إلى وسائل الإعلام. ليس لدينا نية للرد على معلومات جزئية أو على كل ما ينشر حول هذا الموضوع».

  • أوري بلاو - هآرتس