"قسد" بين مطرقة تركيا وسندان "داعش"

السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٨ - ١١:٠٨ بتوقيت غرينتش

أمر الرئيس الاميركي دونالد ترامب بسحب القوات الاميركية من الاراضي السورية تارکا ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بين مطرقة التهديد التركي باجراء عمليات عسكرية ضدها وسندان عناصر "داعش"، في دلالة على عدم اعطاء الادارة الاميركية اية قيمة لحلفائها والاهتمام بتوفير مصالحها فقط.

العالم - تقارير

وهذا الإعلان المفاجئ سيحدث تغييرا عميقا في ميزان القوى على الساحة السورية حيث لروسيا وزن كبير.

في الفترة الأخيرة حذر عدد من كبار المسؤولين الأميركيين من انسحاب متسرع يطلق يد روسيا وإيران حليفتي الرئيس بشار الأسد في سوريا.

ولكن ترامب أعلن الأربعاء أن "الوقت حان" لعودة الجنود الأميركيين الى الوطن. وزعم في رسالة بالفيديو بُثت على موقع تويتر عن القتال ضد "داعش" بالقول: "لقد انتصرنا. لقد دحرناهم وأنزلنا بهم هزيمة قاسية. لقد استعدنا الأرض. لذا فإن أبناءنا، شبابنا من النساء والرجال سيعودون جميعا، وسيعودون الآن ".

وفي مواجهة الانتقادات التي جاءت من سياسيين جمهوريين وديموقراطيين على السواء، شدد ترامب في رسالته المسجلة على أن هذا هو التوقيت الصحيح لمثل هذا القرار.

وأكد ترامب مرارا خلال حملته أنه يريد سحب الجنود من سوريا لأن نشرهم هناك يكلف بلاده مليارات الدولارات، قائلا إنه ينبغي إيلاء الأمر إلى أطراف آخرين، ولا سيما الدول العربية في الخليج الفارسي.

وأفاد مسؤول أميركي مطلع بأن عملية انسحاب قوات الولايات المتحدة من سوريا يتوقع أن تستغرق كحد اقصى 100 يوم.

ولطالما حذر وزير الدفاع جيم ماتيس من انسحاب متسرع و"ترك فراغ في سوريا يمكن أن يستغله نظام الأسد أو من يدعمه".

وفي المعسكر الجمهوري، أعرب العديد من المشرعين عن أسفهم لقرار ترامب. وسارع السناتور ليندسي غراهام الى ابداء تحفظاته معتبرا عبر تويتر ان "انسحاب هذه القوة الاميركية الصغيرة من سوريا سيكون خطأ فادحا".

وقال السناتور المحافظ بن ساس في بيان لاذع إن جنرالات الرئيس ليس لديهم "أدنى فكرة من أين جاء هذا القرار".

واعتبر زميله ماركو روبيو ان هذا القرار الذي اتخذ رغم تحذيرات العسكريين يشكل خطأ "سيظل يطارد أميركا لأعوام".

وبشان انسحاب اميركا من سوريا فان الضحية الاولي لهذا القرار كان وزير الدفاع الاميركي جيم ماتيس الذي أعلن استقالته الخميس من منصبه، بعد يوم على قرار الرئيس دونالد ترامب الصادم للمؤسسة السياسية في واشنطن الانسحاب من سوريا اذا ان ماتيس عارض سياسات ترامب مرارا بشان القضايا الخارجية بما فيها سوريا.

واستخدمت الولايات الاميركية "قوات سوريا الديمقرطية" كاداة لتمرير سياساتها في سوريا حيث قدمت لها الدعم اللوجستي خاصة في محافظة ديرالزور واعتبرت هذه القوات بانها قوات حليفة لواشنطن في سوريا وتخوض "قسد" منذ سبتمبر وبدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية معارك عنيفة مع جماعة داعش الارهابية، في آخر جيب له على الضفاف الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور (شرق)، كما تتصدى "لخلايا نائمة" في مناطق واسعة تمكنت من استعادتها في شمال وشرق البلاد.

وفي ظل هذه الظروف جاء القرار المفاجیء للرئیس الامیرکی بشان ضرورة انسحاب القوات الاميركية من سوريا خلافا لما يوكده العديد من الساسة الاميركيين حول ضرورة بقاء هذه القوات في سياق ضمان المصالح الاميركية ودعم حلفاءها بما فيهم قوات سوريا الديمقراطية.

هذا كان نفس الشيء الذي اكد عليه ماتيس في رسالة استقالته اذ قال فيها "إن وجهات نظري فيما يتعلق بمعاملة الحلفاء باحترام وتوخي الحذر تجاه الجهات الفاعلة الخبيثة والمنافسين الاستراتيجيين، قد ترسخت بقوة وتشكلت من خلال أربعة عقود من الانغماس في تلك القضايا".

وأضاف "يتعين أن نفعل كل شيء ممكن للدفع بنظام دولي أكثر ملائمة لأمننا وازدهارنا وقيمنا، وقد أصبحنا أقوياء في ذلك من خلال تضامن تحالفاتنا".

وماتيس جنرال متقاعد من مشاة البحرية وضعه إيمانه بأهمية حلف شمال الأطلسي وتحالفات أميركا التقليدية في خلاف دائم مع ترامب. وقد نصح الرئيس بعدم الانسحاب من سوريا، وهو ما قال أحد المسؤولين إنه كان من العوامل التي ساهمت في استقالته.

وفي المقابل قالت "قوات سوريا الديمقراطية" إنها تعتبر الانسحاب الأمريكي من سوريا طعنة في الظهر، وخيانة.

وأفادت قيادة هذه القوات في بيان، أن القرار "سيؤثر سلبا على حملة مكافحة الإرهاب وسيعطي للإرهاب وداعميه ومؤيديه زخما سياسيا وميدانيا وعسكريا للانتعاش بحملة إرهابية معاكسة في المنطقة".

وأضاف البيان أن "معركة مكافحة الإرهاب لم تنته بعد بالرغم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب "دحر" التنظيم الارهابي.

وذكرت قوات سوريا الديمقراطية، أن سحب القوات والمسؤولين الأمريكيين من منطقتها ستكون له "تداعيات خطيرة"على الاستقرار العالمي.

وأورد البيان أن ذلك سيؤدي إلى "خلق فراغ سياسي وعسكري في المنطقة وترك شعوبها بين مخالب القوى والجهات المعادية".

وقالت المتحدثة باسم "قسد" تعليقا على إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا وترك "قسد" لمصيرها أمام القوات التركية: "قسد لا تعتمد بالأساس على أية جهة وإنما على قدراتها الذاتية وعلى شعبها، وقد قلنا مرارا أننا سنواجه التهديدات التركية، وستكون حرب موت، وسنواجهها بقوة".

وتصنف أنقرة قوات "قسد" على قائمتها للمنظمات "الإرهابية"، وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها على أراضيها منذ عقود، لكنها تجنبت قتالها لتفادي الاصطدام بالقوات الأميركية.

ولطالما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن هجوم على هذه القوات، مطالبا بانسحابهم من مناطق عدة، لا سيما الضفاف الشرقية لنهر الفرات، حيث الجيب الأخير للتنظيم.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن القرار الاميركي بالانسحاب من سوريا يأتي بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي هدد بشن هجوم على قوات "قىسد".

وكان أردوغان قال، الأسبوع الماضي، إن تركيا ستشن عملية جديدة خلال أيام ضد "قسد".

وخلال كلمة ألقاها في إسطنبول، كشف إردوغان أنه قرر تأجيل عملية عسكرية شمال شرق سوريا بعد محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكّداً في هذا الاطار أنّ الحملة ستبدأ في الشهور المقبلة، ونفى وجود أطماع تركية في الأراضي السورية.

من جهته أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تأجيل العملية العسكرية في سوريا لا يعني أن تركيا غيرت رأيها بشأن المسلحين الكرد، وأضاف "من المنطقي تأجيل العملية في سوريا لتجنب النيران الصديقة مع انسحاب القوات الأميركية".

وفي المقابل حذرت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية، إلهام أحمد، من اضطرار قوات سوريا الديمقراطية "قسد" للانسحاب من جبهة دير الزور نحو مواقعها على الحدود التركية.

وكان المكتب الإعلامي لقوات "قسد" أعلن الجمعة عن إطلاق مسلحي داعش هجوماً ضخماً على مواقعهم في بلدة هجين بدير الزور، وأكد حصول اشتباكات عنيفة.

كما غرد أحد قادة المسلحين فيما تُسمى بـ ” فرقة الحمزة ” التابعة لـما يسمى “الجيش الحر” والذي يسمي نفسه “سيف أبو بكر” موجهاً ما أسماها بالرسالة الأخيرة قبل ساعات الحسم المعدودة للأكراد شرق الفرات قائلاً: "إنسحب حلفاؤكم وتخلوا عنكم ، اتركوا أسلحتكم وفروا بأنفسكم فمالكم بديل إلا القتل ومالنا بديل إلا التحرير".

ويقول رئيس مركز الدراسات القانونية والسياسية والادارية في الجامعة اللبنانية الدكتور احمد ملي أن الاميركي استغل الاكراد وخاصة "قوات سوريا الديمقراطية" لفترات طويلة لتحقيق اهدافه لكنها فشلت، لذلك ذهب الان الى استثمار هذا الانسحاب مع الاتراك لابقائه داخل اللعبة، كون الاتراك شركاء استراتيجيين في حلف الناتو.

اذا ان قوات سوريا الديمقراطية باتت عالقة حاليا بين مطرقة التهديد التركي وسندان داعش وعناصر مسلحة اخرى الامر الذي يشير الى عدم اعطاء الاميركيان اي قيمة لالتزاماتهم ولحلفائهم اذ يتخلون عنهم بسهولة ويديرون ظهرهم لهم في حال اقتض الامر ذلك ويجعلونهم ضحية لمخططاتهم وتحقيق مصالحهم.