تزامنا مع قرار واشنطن حول الجولان، ماذا يحدث في كواليس دمشق؟

تزامنا مع قرار واشنطن حول الجولان، ماذا يحدث في كواليس دمشق؟
الإثنين ٢٥ مارس ٢٠١٩ - ٠٦:٣٧ بتوقيت غرينتش

على وجه السرعة توجهت إلى دمشق مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه أن الأوان لأن تعترف أمريكا بالجولان السوري المحتل تحت السيادة الإسرائيلية ، وهدف زيارتي الخاطفة كانت إجراء مقابلة تلفزيونية” لقناة الميادين”، مع نائب وزير الخارجية السورية السيد فيصل المقداد للتعليق على هذا القرار .

العالم- مقالات وتحليلات

بينما كنت في الطريق كانت الخارجية السورية قد أصدرت بيانا شديد اللغة تدين فيه هذا القرار ، وتعلن أنها تملك الحق في استخدام كافة الوسائل لاستعادة الجولان السوري الذي احتلته "اسرائيل" عام 67 . ما صرح به السيد المقداد خلال المقابلة تجاوز بكثير من حيث الوضوح و حدة الخطاب ما جاء في بيان وزارته صباحا . إذا قال إن القيادة السورية تدرس كل السبل الممكنة لمواجهة هذا القرار و إستعادة الجولان بما فيها الخيار العسكري . وإن الجيش السوري أصبح مهيأ لخوض معركة تحرير الجولان بعد خبرة قتالية طوال ثماني سنوات . واللافت هو إشارة السيد المقداد إلى الدول العربية من باب أن قرارات الإدارة الأمريكية لن تقتصر على سوريا إنما الدور سوف يأتي على الدول العربية . وإن الولايات المتحدة سوف تضع الحذاء الإسرائيلي فوق رؤوس الحكام العرب ، حسب قول السيد المقداد .

من خلال هذه الزيارة القصيرة ومما يمكن فهمه في الأجواء السورية في إطار المعلومات والتحليل وخارج التصريحات الرسمية للخارجية السورية . إن دمشق في أعلى مستويات الغضب ، وهي وان كانت لن تتخلى عن دبلوماسيتها الهادئة و الرصينة ، فإنها بدأت تفكر في توجيه صفعة مؤلمة للأمريكيين داخل سوريا .

دمشق وان كانت مطمئنة لجهة أن القرار الأمريكي بخصوص الجولان لن يغير من حقيقة أن الجولان السوري المحتل هو ارض سورية وهذا الحق مثبت بالقانون الدولي . إلا أنها في ذات الوقت لديها خشية من نوايا أمريكية في مكان آخر .

انتهاء المعارك في شمال شرق سوريا ، وقرار الولايات المتحدة البقاء شرق الفرات ، ومواصلة دعم قوات سوريا الديمقراطية بعد إعلان النصر على تنظيم الدولة الإرهابي .يعني بالنسبة لدمشق أن الإدارة التي قدمت الجولان السوري هدية لـ"اسرائيل" ، لن تتورع عن تقديم هدايا أخرى على حساب الجغرافية السورية ، وقد تسعى لتحويل شرق الفرات إلى دولة للكرد ، بحكم الأمر الواقع . وهذه الهدية ستضرب بها واشنطن 3 عصافير بحجر واحد ، فقيام الكيان الكردي سيكون صفعه لإيران وسوريا وتركيا معا. وقد يتحول ذلك الكيان إلى حليف شمالي لـ"اسرائيل" في الجنوب . خاصة أن تصريح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية في خطاب الانتصار على داعش في احتفال “حقل العمر” أمس وضع اعتراف الحكومة السورية بالإدارة الذاتية شرطا مسبقا لأي مفاوضات مقبلة ، وهي مفاوضات عطلتها الإدارة الأمريكية .

نستطيع أن نستنتج من هذا أن ملف شرق الفرات بات يتقدم بالنسبة لدمشق وحلفائها على مصير جبهة إدلب . نظرا لخطورته أولا ، ولكونه النقطة الأنسب للرد على الوقاحة الأمريكية في مقاربتها للوضع في سوريا ، وخاصة قرار الاعتراف لـ"اسرائيل" في السيادة على الجولان . وقد تسبق حركة مقاومة للوجود الأمريكي في شرق الفرات نظريتها المزمعه على حدود الجولان .

ثمة أمر آخر قد يكون مهما في هذا السياق ، وهو الخنق الاقتصادي والحرب المالية التي تشنها الولايات المتحدة ضد سوريا وإيران وحزب الله ، وهي حرب بلغت حدا يستوجب وضع حد لها والا فإنها سوف تحقق ما لا يمكن لأمريكا تحقيقه في حرب عسكرية .

ولهذا السبب تبدو منطقة شرق النهر الغنية بالنفط والغاز و الثروة المائية والزراعية والحيوانية حلا لهذا الحصار الاقتصادي . والسيطرة عليها يفشل بشكل جزئي الحصار الاقتصادي . بالإضافة إلى إدراك الأطراف في تحالف المقاومة ، أن كسر قوات سوريا الديمقراطية تحت الحماية الأمريكية سوف يبعث رسالة استراتيجية إلى عموم حلفاء واشنطن في المنطقة مفادها أن العباءة الأمريكية لا تحمي من يتغطى بها .

ولكن في ذات الوقت نستبعد المواجهة العسكرية التقليدية وفق قتال جبهوي يحسم فيه سلاح الجو الأمريكي محاولات عبور النهر ، كما حدث سابقا . لذلك تعكف دمشق والقوى الحليفة لها على التفكير بطرق أكثر فعالية والتوجه نحو بدأ الحراك من داخل مناطق ومدن شرق الفرات وربما من داخل قوات سوريا الديمقراطية ذاتها ، إذ لا تحتوي هذه القوات على مكون واحد ، ويشغل الكرد نحو 40 بالمية فقط من قوامها ، بينما تشكل العشائر العربية الغالبية .

لا نعرف بالضبط أن كانت تركيا حسمت موفقها للانخراط بالتنسيق مع حلفاء دمشق لدعم خيارات ومسارات هزيمة المشروع الأمريكي شرق الفرات ، أم أنها سوف تتصرف بشكل أحادي .

حلف المقاومة اليوم أمام اختبار جديد وخطير لا يتعلق بمصيره فقط ، وإنما بمصير ومستقبل وهوية المنطقة بأسرها ، وهو الآن في حالة دراسة معمقة وبحث في الخيارات ، للوصول إلى نقطة التحول من صد واحتواء السياسيات الأمريكية والإسرائيلية ، إلى المواجهة . ولهذا السبب المنطقة مقبلة على تصعيد وتصعيد خطير .
كمال خلف/ رأي اليوم