فورين بوليسي: كيف احتضنت دول عربية "إسرائيل"؟

فورين بوليسي: كيف احتضنت دول عربية
الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٩ - ٠٥:١٠ بتوقيت غرينتش

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتبة داليا حاتوقة، قالت فيه إن "بنيامين نتنياهو يقوم ببناء العلاقات مع الزعماء العرب المناهضين لإيران من الرياض إلى الدوحة، مراهنا على أن صفقة السلام لم تعد مطلبا ضروريا من أجل تطبيع العلاقات الدبلوماسية".

العالم-فلسطين

وقالت حاتوقة في المقال الذي ترجمته "عربي21" إن "الابتهاج الوحيد من قمة وارسو، كان ذلك الذي جاء من "إسرائيل" وبعض دول الخليج الفارسي، التي لم تتردد في التباهي بالتحالف المعلن بينها في مواجهة إيران".

وجاء في المقال:

يقوم بنيامين نتنياهو ببناء العلاقات مع الزعماء العرب المناهضين لإيران من الرياض إلى الدوحة، مراهنا على أن صفقة السلام لم تعد مطلبا ضروريا من أجل تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

لم تحقق قمة وارسو التي طالما رُوج لها، وانعقدت في شباط/ فبراير، شيئا يستحق الذكر. حاولت الولايات المتحدة إقناع حلفائها الأوروبيين بالتخلي عن صفقة النووي مع إيران، والدفع باتجاه مزيد من اجراءات الحظر على طهران، إلا أن أيا من ذلك لم يتحقق. الابتهاج الوحيد كان ذلك الذي جاء من "إسرائيل" وبعض دول الخليج الفارسي، التي لم تتردد في التباهي بالتحالف المعلن بينها في مواجهة إيران.

في حفل العشاء الكبير الذي افتتحت به القمة، جلس وزراء خارجية كل من الإمارات والسعودية والبحرين إلى جانب بنيامين نتنياهو. كان من المفروض أن يكون ذلك اجتماعا مغلقا، إلا أن نتنياهو سرب مقطع فيديو ما لبث أن انتشر على نطاق واسع، يظهر فيه المسؤول البحريني رفيع المستوى وهو يتحدث عن إيران قائلا، إنها العقبة الرئيسية في طريق حل الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين. كما ظهر وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، وهو يدافع عن "حق إسرائيل" في قصف أهداف داخل سوريا. مثل مهرجان الحب هذا، كما لاحظ نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، "حقبة جديدة".

ووفاء بتعهده بإقامة علاقات وثيقة مع الدول العربية، قام نتنياهو بزيارات إلى أماكن مثل تشاد وعُمان، تصادفت مع سعيه المتنامي على إثبات أن الدولة الفلسطينية، لم تعد مطلبا ضروريا لإضفاء صبغة رسمية على العلاقات مع الدول المسلمة والعربية في المنطقة؟

طالما اعتبرت "إسرائيل" نفسها واحة ديمقراطية تناضل ضد العديد من الأعداء في منطقة مضطربة، وكان أفضل تغليف لهذا المجاز هو ما ورد في اللغة غير المشفرة التي كان يستخدمها إيهود باراك، رئيس وزراء الاحتلال السابق، حين شبه "إسرائيل" بالفيلا داخل الغابة.

ولكن يبدو أن نتنياهو قرر احتضان بعض هؤلاء الأعداء أنفسهم، سعيا منه لتدعيم قاعدته عشية الانتخابات من خلال الزعم بأن "إسرائيل" لم تعد منبوذة في المنطقة كما كانت في سابق عهدها. وسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع هؤلاء الخصوم السابقين، تتمثل في الكراهية المشتركة لإيران وعبر المصالح التجارية المشتركة، على أمل أن تفلح هذه المشتركات في التغلب على فوائد التضامن العربي مع الفلسطينيين. ومع مرور الوقت بدأ السعوديون وغيرهم من دول الخليج الفارسي– الذين كانوا في وقت من الأوقات يتصدرون للدفاع عن القضية الفلسطينية، ليس فقط محليا بل وأيضا في الحديث مع نظرائهم الغربيين – يتراجعون وينهجون مسلكا معاكسا تماما.

قبل مغادرته إلى تشاد في العشرين من يناير، وصف نتنياهو زيارته تلك، التي أتت كمؤشر على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاعها في عام 1972، بأنها "جزء من الثورة التي نحدثها في العالمين العربي والإسلامي. كنت قد وعدتكم بأن ذلك سيحدث... وسوف تنضم إليها بلدان أخرى،" كما تعهد. ولم يفتأ نتنياهو يكشف للعموم عن علاقات "إسرائيل"، التي لم تعد سرا كبيرا مع "أبناء إسماعيل"، مصاحبا ذلك بالإصرار على أنه لن يُجبر مستوطنا واحدا في الضفة الغربية على المغادرة في ظل حكمه.

وفي أكتوبر من عام 2018، زار نتنياهو عُمان والتقى بحاكمها السلطان قابوس، مستغلا تلك المناسبة ليعزز فكرته بأنه لا المستوطنات الإسرائيلية ولا الاحتلال الإسرائيلي ولا الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على الفلسطينيين، يعيق مد الجسور وإقامة العلاقات مع العالم العربي.

كما تباهى نتنياهو مؤخرا بأن طائرات الركاب الإسرائيلية بات بإمكانها التحليق فوق عُمان والسودان، (بل قامت طائرة متجهة إلى فلسطين المحتلة بالطيران فوق المملكة العربية السعودية في مارس الماضي)، محرزا بذلك نصرا آخر ضمن مساعيه للاندماج في الإقليم.

وفي العام الماضي قام وفد إسرائيلي بزيارة البحرين للمشاركة في مؤتمر تنظمه اليونسكو (والمفارقة هنا أن هذه هي المنظمة الدولية نفسها التي تخلت عنها الولايات المتحدة، ومنعت عنها التمويل بحجة انحيازها ضد "إسرائيل"). لا توجد علاقات دبلوماسية ل"إسرائيل" مع هذه المملكة الخليجية، ولكن مثلها مثل جاراتها، اتجهت البحرين نحو إقامة علاقات علنية مع إسرائيل. بل قام وزير خارجيتها في مايو 2018 بالتغريد مقرا بحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، حسب تعبيره، وفي هذا السياق كان وفد بحريني مشكل من ممثلي الأديان المختلفة، ولكن دون أن يكون من ضمنه أي مسؤول حكومي، قد قام في ديسمبر 2017 بزيارة إلى القدس استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام، وجاءت الزيارة بعد أيام قليلة فقط من إعلان ترامب قراره الاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة ل"إسرائيل".

أما الإمارات، فكانت لها مع "إسرائيل" علاقات عمل منذ عقود، وتشمل قضايا الدفاع والتكنولوجيا والزراعة. ولكن في أكتوبر من عام 2018، اتخذت الإمارات خطوة إضافية حينما سمحت بعزف النشيد الإسرائيلي في مباراة للجودو في مدينة أبوظبي، بينما كانت وزيرة الرياضة الإسرائيلية، التي ذرفت دموع السعادة بهذه المناسبة، تقدم الميدالية الذهبية للاعب ساجي موكي، الذي فاز بالمرتبة الأولى في تلك المسابقة. وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، ربما كانت الأحدث انضماما إلى المتسامحين مع إقامة علاقات غير رسمية مع "إسرائيل". وتعود هذه العلاقات إلى ما بعد وفاة الملك عبدالله في عام 2015 وصعود محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد في عام 2017. ما من شك في أن تطلع الرياض نحو التوصل إلى انفراج في العلاقة مع "إسرائيل" يفقد مبادرة السلام العربية، التي اقترحتها السعودية قبل ما يقرب من عقدين، قيمتها.

معظم الأحزاب السياسية التي تتنافس في الانتخابات القادمة لم تقترح إنهاء الحكم العسكري في الضفة الغربية ولا الحصار المفروض على غزة، ولا يبدو أن الحكومات العربية تأبه بذلك. لقد تخلت حكومات دول الخليج الفارسي عن مساعيها الدبلوماسية للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واختارت بديلا عن ذلك التحرك باتجاه التطبيع بغض النظر عن وجود خطة للسلام أو انعدامها. تؤكد هذه الاستهلالات بدء حقبة جديدة في السياسة في الشرق الأوسط؛ إنها حقبة لم تعد فلسطين فيها هي القضية الأساسية.