قمة موسكو ما بين الخلاف حول سوريا والتعاون العسكري

قمة موسكو ما بين الخلاف حول سوريا والتعاون العسكري
الثلاثاء ٠٩ أبريل ٢٠١٩ - ١٠:٢٥ بتوقيت غرينتش

اجتمع الرئيسان الروسي والتركي في موسكو ليؤكدان التزامهما بالقرارات الأممية بشأن الجولان السوري المحتل ورفض القرار الأميركي بهذا الشأن. وشدد الطرفان على ضرورة تطبيق القرارات الاممية بشأن سوريا والحلول الجذرية فيها وخفض التصعيد في ادلب. كما كان للقمة جانب اقتصادي وعسكري هام ورسالة واضحة لاميركا مع تأكيد روسيا استعدادها لتزويد تركيا بمنظومة "اس 400" رغم الضغوط الأمريكية.

العالم - تقارير

لم يخف المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في روسيا أمس، حجم الخلاف الحاصل بين الطرفين بخصوص المسارات التي ينبغي اتخاذها لإنهاء الوضع القائم في إدلب، ليشكل الرفض الروسي الواضح لمبدأ «تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ»، ثابتة روسية جديدة تضاف إلى ثوابت تحالفها مع دمشق، فيما بدا الطرح التركي بتطبيق نموذج «جرابلس وعفرين» في إدلب خارجاً عن كل السياقات السياسية والميدانية القائمة.

وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء الثالث بين الطرفين منذ مطلع العام الجاري: اعتبر الرئيس الروسي أنه «من غير المقبول تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ، والمهم سلامة أراضي البلاد»، مؤكداً أن البلدين يسعيان لإيجاد حلول جذرية لجميع التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً كبيراً في إدلب، وأضاف: «درسنا بشكل كامل أن تقوم جميع الدول بتحقيق السلام في سورية وإعادة اللاجئين إلى دولتهم».

بدوره قال أردوغان: نحن مصرون على القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية التي تشكل تهديداً وخطراً كبيراً في سورية، وركزنا على إنهاء التنظيمات الإرهابية، وأضاف: كما كان داعش يشكل خطراً كبيراً فإن تنظيمي «وحدات حماية الشعب» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكرديين لا يختلفان عن داعش في الإرهاب ويشكلان خطراً كبيراً على سورية أرضاً وشعباً، حسب قوله.

ورداً على أسئلة الصحفيين ربط بوتين موضوع إلغاء «تأشيرات الدخول» بين بلاده وتركيا بالأمن في المنطقة «بما في ذلك الأزمة السورية»، وقال: «مشكلة إدلب حادة ولم نستطع حتى الآن التوصل إلى تلك المستويات التي اتفقنا عليها».

وشدد الرئيس الروسي على أنه «ولخلق عملية السلام في سورية يجب حل مشكلة إدلب»، في حين نقل موقع قناة «روسيا اليوم» عن بوتين قوله: إن حل مشكلة إدلب يمثل شرطاً لا بد منه لتهيئة الظروف المواتية للعملية السياسية في سورية، وأن حلها ممكن فقط عن طريق الجهود المشتركة بين موسكو وأنقرة.

أما أردوغان، فاعتبر أنه بسبب بعض التنظيمات الإرهابية في إدلب «يكون عملنا غير سهل»، وأكد أن التعاون بين وزارتي دفاع البلدين «ليس عن إدلب فقط، فهناك مسألة منبج (..) وعلينا الحفاظ على هذا التعاون وبخاصة في شرق الفرات، وهناك خطر واقعي لا يزال موجوداً» على حد قوله.

وتابع: يمكن تحويل إدلب إلى نوع من جرابلس أو عفرين (الخاضعتين للاحتلال التركي) حيث عاد المواطنون إلى ديارهم، في حين نبذل جهودنا ونواصل عملنا وقبل كل شيء علينا أن نطهر هذه المنطقة من التنظيمات الإرهابية وسنواصل التزامنا بهذا الموقف»!

على صعيد مواز، وفي تعليق روسي لافت قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي المعني بشؤون سورية، ألكسندر لافرنتييف، أنه من الصعب التوصل إلى أي اتفاقات حول سورية مع الولايات المتحدة بعد قرارها بشأن الجولان المحتل.

وقال لافرنتييف، في تصريحات صحفية: «كيف سيفسرون الآن مفهوم وحدة الأراضي السورية»؟

وشدد مبعوث الرئيس الروسي، على أن القرار الأميركي حول الجولان لا يغير حقيقة تبعيته إلى سورية، موضحاً: «الاعتراف أحادي الجانب من قبل أي دولة لا يغير أي شيء هنا، لأن القانون الدولي هو العامل الساري هنا».

فتح «مرحلة جديدة» في العلاقات

رغم الخلافات المذكورة، أسفرت جولة المحادثات الموسعة التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، أمس في موسكو، عن إطلاق «مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية» وفقاً لتصريح دبلوماسي روسي، أشار إلى تفاهم الرئيسين على توسيع مجالات التعاون بشكل غير مسبوق.

وبرز تأكيد الطرفين عزمهما على إتمام صفقة تزويد تركيا بأنظمة صاروخية روسية متطورة من طراز «إس 400» على رغم الاعتراضات الأميركية، لكن اللافت أن بوتين تعمد الإشارة إلى أن التعاون العسكري بين البلدين سوف يشمل طرازات كثيرة من الأسلحة والتقنيات الحربية الروسية الحديثة، في رسالة بدت موجهة بشكل مباشر إلى واشنطن.

وعقد الرئيسان جولة محادثات ثنائية أمس، قبل أن ينتقلا معاً للمشاركة في جلسة أعمال «المجلس الحكومي المشترك للتعاون»، وأكدا خلال اللقاء على الأهمية التي يوليها الطرفان لتعزيز التعاون في المجالات المختلفة. وقال إردوغان إن روسيا تعد ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا، مؤكداً توجه الطرفين لتجاوز سقف 100 مليار دولار في حجم التبادل التجاري، علما بأن حجم التبادل التجاري حالياً لا يزيد على 30 مليار دولار.

ولفت إردوغان إلى أن البلدين يعملان من أجل الانتقال في أسرع وقت ممكن لاستخدام العملات الوطنية في التبادلات التجارية الثنائية. وشكل هذا التأكيد تحدياً جديداً لواشنطن، عززه بوتين من خلال الإعلان عن اتفاق الطرفين على توسيع حجم التعاون العسكري، الذي أطلقه الطرفان في عام 2017 من خلال توقيع عقد لتزويد أنقرة بصواريخ «إس 400» الروسية وهو العقد الذي سيبدأ تنفيذه بوصول الأنظمة الصاروخية إلى تركيا في يونيو (حزيران) المقبل. وكان هذا العقد أثار استياء واسعاً لدى واشنطن التي لوحت بتقليص تعاونها مع أنقرة في المجال العسكرية.

وقال بوتين أمس إن مشروعات تزويد تركيا بالأسلحة وغيرها من العتاد العسكري الروسي لا يقتصر على صفقة «إس - 400»، موضحاً أن «لدى الطرفين مشاريع مستقبلية أخرى على جدول الأعمال تتعلق بتزويد تركيا بالمنتجات العسكرية الروسية الحديثة». وأشاد بتطور «الاتصالات بشكل فعال عبر وزارتي الخارجية والدفاع، والتعاون العسكري التقني. أي أن هناك حزمة كبيرة من القضايا التي نعمل على تطويرها».

كما استعرض الرئيسان خلال المحادثات سير تنفيذ مشروعات طاقة استراتيجية بين البلدين، وأبرزها محطة «أكويو» الكهروذرية وأنبوب إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا «السيل التركي».

وقال بوتين، خلال الاجتماع إن «بناء محطة أكويو بحاجة لجذب تمويل إضافي، مشيرا إلى استعداد أطراف للمشاركة في المشروع».

ويتضمن المشروع وهو الأول من نوعه في تاريخ التعاون الروسي التركي بناء 4 مفاعلات تبلغ الطاقة الإنتاجية لكل منها 1200 ميغاواط بتكلفة 20 مليار دولار. وفيما يتعلق بمشروع مد أنبوب الغاز من روسيا إلى تركيا «السيل التركي»، شدد بوتين على ضرورة الانتهاء من بناء محطة استقبال الغاز، حتى يصبح بالإمكان بدء تشغيل الأنبوب قبل نهاية هذا العام.

وأعلن بوتين أن روسيا وتركيا ستطلقان منصة استثمارية بقيمة مليار دولار لتمويل المشاريع المشتركة بين البلدين. وأكد أن الحكومة الروسية ستواصل العمل لتهيئة الظروف المناسبة للعمل للشركات الأجنبية في روسيا. وأشاد باهتمام الشركات التركية بالاستثمار في روسيا.

دعم القضية الفلسطينية

ومع الملفات الاقتصادية والتعاون العسكري، أعرب الطرفان عن نيتهما تعزيز التنسيق في كل الملفات السياسية المطروحة، بما في ذلك الأزمات العالقة في المنطقة.

وكان إردوغان استبق اللقاء بإعلان نيته مناقشة «الخطوات الأميركية، التي تنتهك القانون الدولي خاصة اعترافها بسيادة "إسرائيل" على الجولان السوري، وكذلك السياسة التي تتبعها "إسرائيل" مع الفلسطينيين بدعم أميركي».

وشدد إردوغان على أن الضفة الغربية «أرض فلسطينية بالتأكيد»، مضيفاً أن «كل عمل يقوم به نتنياهو منافٍ للقانون الدولي»، في إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة حول احتمال ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقال إن هذا الموضوع محور مهم للنقاش مع القيادة الروسية.