العالم - تقارير
وقد كرس المتنافسان جل جهودهما في الحصول على غالبية أصوات الناخبين، لكن النتائج جاءت بغير ما "تشتهيه سفنهم"، لكن اللافت للنظر ان واقع الساحة الإنتخابية كشف الكثير من الحقائق التي يعيشها العالم وبالتحديد الشؤون التي تخص القضية الفلسطينية، سنحاول التطرق لأهمها حسب ما يسمح المقام.
فبالرغم من استسلام غالبية الأنظمة العربية وإختيارها مسار التسوية مع كيان الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن الساحة الفلسطينية بشقيها الضفي والقطاعي، تكشف أن الشعب الفلسطيني ما زال يفضل خيار مقاومة الإحتلال، ومواصلة التأكيد على قمة الخرطوم عام 1967 التي أرست اللاءات العربية الثلاثة (لا للتفاوض مع كيان الإحتلال، ولا للسلام معه، ولا لتقسيم القدس).
فالأنظمة العربية التي نسخت ثمار قمة الخرطوم بنفسها، جاءت بمبادرات أدت الى اضعاف البنية الفلسطينية، حتى آلت الى أسوأ الأوضاع حتى بات كيان الإحتلال لا يعترف بأي اسم للتسوية أو شيئ مما كان يعرف سابقا بإسم "السلام" أو التفاوض مع الجانب الفلسطيني، وراح يوسع من مستوطناته، ويضاعف من ضغوطه وقمعه للشعب الفلسطيني وذبحه (في الداخل والخارج) على مرأى ومسمع، من المؤسسات الدولية، بل وبتشجيع من الإدارة الأمريكية، التي قامت الأخيرة مؤخرا بتصرفات، أثبتت دعمها المفتوح لكيان الإحتلال دون الإكتراث بأي قرار اممي وأي موقف دولي.
فالإدارة الأمريكية الحالية التي إتخذت طريق التعامل المذل مع غالبية الدول المستسلمة لمحادثات الإنبطاح امام السطوة الصهيونية، باتت تتباهى بدعمها لكيان الإحتلال الإسرائيلي، وتهبه "ما لاتملك" من الأراضي التي يحتلها بشهادة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي وكل الحكومات الأمريكية التي سبقتها حتى الآن. ورغم كل ذلك بقيت الدول العربية المستسلمة لمحادثات الإنبطاح، تغازل سمسار البيت الأبيض الذي يصفها بأسوأ الصفات ويذلها أيما اذلال.
على صعيد آخر حسم الشعب الفلسطيني خياره من خلال النزول الى الشارع وتسجيل "جمعات الغضب" في اطار مسيرات العودة التي استمرت لأكثر من عام، حيث صادفت الذكرى السنوية الاولى لانطلاقها مع يوم الارض، قبل اسبوعين حيث جسد الشعب الفلسطيني خلالها "مليونية الأرض والعودة" في الضفة والقطاع. مسيرات قدمت المقاومة الفلسطينية اروع الصور في التصدي لكيان الإحتلال تجسدت في قدراتها على إطلاق البالونات الحارقة والطائرات المسيرة، بعد إيفاد الصواريخ التي دكت حتى قلب الكيان في تل أبيب.
هذه التطورات يرى المراقبون انها حملت التيارين اليميني واليساري، ومن تابعهما من جماعات وتيارات متطرفة، للنزول الى الساحة، وتكريس الجهود للضغط على المنبطحين من الحكام العرب، ليضغطوا على الفلسطينيين ويحبسوا أنفاسهم، حتى يمرر كيان الإحتلال الإسرائيلي وأسياده في البيت الأبيض كل مآربهم.
كما ان ما يسمى بـ"صفقة القرن" أضحت إحدى سبل حلب الدويلات البترولية بعد سيدتهما التي إستسلمت في إطار التطلع للتطور والتنمية حتى عام 2030، خاصة مع وصول ولي عهد ساذج للسلطة كي تتمكن من نهب ثروات البلاد اكثر من ذي قبل.
هذه الظروف حملت رئيس وزراء كيان الإحتلال الإسرائيلي على تكريس لاءات ثلاث، عكس تلك التي كانت طرحتها وراهنت عليها قمة الخرطوم عام 1967، حيث راح يؤكد وبشكل علني لا حوار مع الفلسطينيين ولا لحل الدولتين، ولا لإخلاء أي مستوطنة في اي مكان كانت، ولا لتقسيم القدس، بل واعتبارها عاصمة ابدية للكيان.
وبالرغم من ان الإحصائيات تؤكد ان الانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت مشاركة لن تفوق نسبة الـ 67,9 بالمئة من الناخبين، مقابل 71,8 بالمئة في الانتخابات التي سبقتها في عام 2015، إلا أن القاسم المشترك الأكبر فيهما أنهما يصبان في القضاء على أي سلام مع الفلسطينيين حتى أصبح من ينادي بتطبيق القرارات الدولية، وما أنتجته مفاوضات ما يسمى بـ"السلام" التي تاهت في متاهات القمع الإسرائيلي، مثل حل الدولتين، او تقسيم القدس، من الأمور التي لايجرؤ على طرحها أي من الأنظمة التي إنبطحت لمحادثات التسوية من أجل رفعها كشماعة تبرر التطبيع مع العدو المحتل، عسى ان يتمكنوا من التوصل الى شيئ من الفتات الإسرائيلي في الضفة أو القطاع. وهذا ما لم ولن يتحقق مادام الخيار الغالب لدى المحتل هو القوة، فحق ما قيل سابقا: "أن ما أخذ بالقوة، لن يسترد، إلا بالقوة" وهذا المنطق الذي تعتمده الفصائل الفلسطينية المقاومة حاليا، والتي جعلت كيان الإحتلال يحل برلمانه ويدعو الى الإنتخابات المبكرة التي جاءت اضعف بكثير من سابقتها. ومهما كانت النتائج، سيكون القادم من كيان الإحتلال أشد على الأنظمة المستسلمة للإنبطاح، ويتطلب من الفصائل المقاومة، تضامنا أكثر وتظافر الجهود، لدحر هذا العدو المحتل وقد لا نذيع سرا، إذا إنفجر الجولان في المستقبل القريب ليكون نموذجا لـ"قطاع غزة المقاوم" الذي تمنى اكثر من زعيم صهيوني ان تبتلعه البحار، ولايبقى اثر منه. والأيام بيننا.
*عبدالهادي الضيغمي