موجة إعدامات المعارضة في السعودية بمباركة أمريكية

موجة إعدامات المعارضة في السعودية بمباركة أمريكية
الأربعاء ٢٤ أبريل ٢٠١٩ - ٠٥:٥٠ بتوقيت غرينتش

في يوم أسود، استفاق المواطنون السعوديون صباح الثلاثاء على 37 مواطناً 80% منهم من أهالي القطيف شرقي المملكة (32 معدوماً من أصل 37) تتوزع جثامينهم المعدومة على ساحات 6 مناطق بالمملكة بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان الذي لم يعر اهتماماً للمطالبات الدولية المتواصلة بالكف عن سياسة قطع الرؤوس، والنيل من النشطاء.

العالم - السعودية

السلطات عبر وزارة الداخلية أعلنت أنها أعدمت 37 معتقلاً من أبناء القطيف والأحساء (اكثرية شيعية) وجدة والمدينة المنورة، بزعم محاربة ما تدعيه "الإرهاب" وإحلال الأمن في البلاد، مستهدفة أطفال ونشطاء ورجال دين، ضمن ما يعرف بـ”خلية الكفاءات”، وعشرات النشطاء المتظاهرين الذين أدانتهم لمشاركتهم بالحراك السلمي الذي شهدته المنطقة منذ 17 مارس 2011.

وبنفس الذرائع اعدم النظام السعودي 47 شخصا بينهم رجل الدين الشهید نمر النمر في 2 يناير/ كانون الثاني 2016.

وكانت الإعدامات الـ37 ، كفيلة بإظهار استئثار النظام برفع سيف القتل والتعزير بصورة روتينية بوجه النشطاء، ويكشف عن نهج الترويع الاستباقي وتنفيذ التهديدات وتوجهيها للخارج والداخل، ليبرز ارتياح ابن سلمان لتنفيذ الاعدامات من دون وجود رادع قانوني دولي أو محلي أو عالمي، كما أن هناك ما يشبه الضوء الأخضر الذي منحته إدارة ترامب بدعمها لبطش ابن سلمان بحق الشعب.

المعدومون بينهم علماء دين وأصحاب كفاءات عليا وناشطين،بينهم شبان شاركوا في تظاهرات وفعاليات الحراك المطالب بالحقوق والحريات، بينهم من كانوا فتياناً لا تتجاوز أعمارهم 17 عاماً لدى اعتقالهم، بينهم “مجتبى السويكت الذي اعتقل 12 يناير 2012 بينما كان في طريقه إلى بدء دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، ليُحكم عليه بالإعدام و13 آخرين. عبد الكريم الحواج، اعتقل أثناء عودته من عمله إلى منزله في 16 مارس 2014 وتوفي والده بعد شهرين فقط من إصدار الحكم بحقه، إلى جانبهما منتظر السبيتي، وهادي آل هزيم، وسلمان آل سريح، ومنير عبد الله آل آدم الذي كان يعاني، لدى اعتقاله من أحد المراكز التجارية في القطيف في 8 أبريل 2012، الذي يعاني من فقدان جزئي للسمع والبصر، وبفعل عمليات التعذيب التي تعرّض لها على مرّ سنوات اعتقاله فقدهما كلياً، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وكذلك، أعدمت السلطات ثلاثة وجهاء من مدينة سيهات، هم علوي موسى الحسين، وإبراهيم علي الحميدي، وحسين علي الحميدي. وضمن مجموعة “خلية الكفاءات”، أعدمت السلطات 11 شخصاً اعتقلتهم في 16 مارس 2013، وأصدرت في 6 ديسمبر 2016 حكم الإعدام بحقهم إلى جانب أربعة آخرين، ومن بين المُنفَّذ بحقهم الحكم على هذه الخلفية الشيخ محمد عطية، ورجل الأعمال عباس الحسن.

واعتادت السعودية اللجوء لحد الحرابة والقتل أو ما يعرف بالإعدام، رغم مناشدات دولية بالتوقف عن استخدام هذه العقوبة.

ويأتي ذلك بعد شهر من نشر مجلة إنسايدر تقريرا قالت فيه إن السعودية ستحطم رقما قياسيا جديدا هذا العام في تنفيذ عقوبة الإعدام. واستنادا إلى إحصاءات لمنظمات حقوقية، وصل عدد الذين أعدموا هذا العام في السعودية إلى 80 شخصا، في مقابل إعدام 149 شخصا في العام الماضي 2018.

وقالت منظمة العفو الدولية إن الإعدام الجماعي الذي نفذته السعودية "مؤشر مروع على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل منتظم، كأداة سياسية لسحق المعارضة الشيعية في البلاد".

واعتبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تغريدة لها على حساب بتويتر أن إعدام سلطات السعودية "37 شخصا في أعقاب محاكمات جائرة بحقهم، والحكم على عبد الكريم الحواج بالإعدام على خلفية جرائم ارتكبها عندما كان دون سن الـ18، انتهاك صارخ للقانون الدولي".

ودانت رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الاعدامات التي نفذتها السعودية الثلاثاء، مرجحة عدم حصول المحكوم عليهم على محاكمات بضمانات منصفة. وقالت المفوضة العليا لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان "أدين بشدة هذه الاعدامات الجماعية الصادمة التي جرت في ست مدن سعودية رغم المخاوف الشديدة التي أثيرت بشأن هذه القضايا".

وأدان الاتحاد الأوروبي، إقدام النظام السعودي على تنفيذ حكم الإعدام بحق 37 مواطنًا سعوديًا أغلبهم من شيعة المنطقة الشرقية. وشككت المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية، في بيان لها، اليوم الأربعاء، في حصول المتهمين على محاكمة عادلة قبيل تطبيق العقوبة، مشيرة إلى أن إعدام الموطنين يعد انتهاكًا خطيرًا كون المعدومين كانوا قاصرين وقت تنفيذ التهم المزعومة.

وشددت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن أغلب محاكمات ضحايا المجزرة، افتقرت إلى شروط المحاكمة العادلة إلى حد كبير، منتقدة الاهمال الدولي والدبلوماسي الغربي لما يحدث، مشيرة إلى أنه في بعض الأحيان يحدث حضور جهات دبلوماسية من الإتحاد الأوروبي أو دول أوروبية أو كندا وأمريكا لبعض الجلسات، إلا أنه وطوال هذه السنوات لم تظهر منهم سوى قلة من التعليقات العلنية، وقد استخدمت السلطات حضورهم في أكثر من مناسبة لشرعنة المحاكمات من دون أن تصدر منهم تعليقات مباشرة على استخدام السعودية لحضورهم.

وقال مايكل بَيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: ان الكثير ممن أعدموا أدينوا فقط بناء على اعترافات يقولون بمصداقية إنها انتزعت بالإكراه. ويظهر إعدام السجناء جماعيا أن القيادة السعودية الحالية ليست مهتمة إطلاقا بتحسين سجل البلاد الحقوقي السيئ.

كما انتقد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اليوم الأربعاء، بشدة الإعدامات بالسعودية وقال على حسابه الخاص على "تويتر": إدارة دونالد ترامب لم تتحرك تجاه حملة الإعدامات في السعودية، ويبدو أن الانتماء لفريق بولتون وبن سلمان وبن زايد وبي بي (ننتياهو) يحصنهم من ارتكاب أية جريمة يقدمون عليها.

وتعليقاً على مجزرة الإعدامات، قال المحامي والناشط الحقوقي طه الحاجي عبر تويتر:بلا شك أن هذه المجزرة هي تصعيد خطير ولها مقاصد سياسية قد تظهر لاحقاً. في مجزرة اليوم وهي إعدام 37 معتقل بينهم قصر كان الرسالة واضحة في المساواة لكنها مساواة في الظلم، أربعة من الذين أعدموا في مذبحة اليوم من أهل السنة والباقي شيعة كما فعلت في مطلع عام2016 عندها كانوا أربعة شيعة والباقي سنة من بينهم الشيخ نمر النمر وعلي الربح الذي كان قاصر.

وفي سلسلة تغريدات له راى الكاتب والباحث الدكتور فؤاد إبراهيم، أن الأصل في إعدامات اليوم هو استهداف الطائفة الشيعية، وأوضح إنه لولا غطاء الإدارة الأمريكية لما تجرأ النظام السعودي على إعدام 37 مواطنًا وأحكام الإعدام قد صادق عليها البيت الأبيض مشيرًا إلى أنه لولا غطاء ترامب للإجرام السعودي والإفلات من العقاب الذي وفره ترامب لابن سلمان بعد جريمة خاشقجي لما تجرأ على التمادي بارتكاب جريمة جماعية.

وعلقت المعارضة الأكاديمية البارزة مضاوي الرشيد على تغريدة الدكتور إبراهيم، وقالت: يرسل محمد بن سلمان رسالة قبيحة من خلال الإعدامات اليوم، متابعة: لا يوجد حد لوحشية الدولة والقمع.

وقال الناشط السياسي المعارض علي هاشم، إن النظام السعودي يعتقد أن إقدامه على إعدام 37 معتقل رأي سيكون أمراً رادعاً لحراك الناشطين في الداخل والخارج ويسكت كل الأصوات التي تطالب بالإصلاح ورفع التمييز العنصري والمطالبة بحقوق الشعب لافتا ان النظام السعودي يستهدف جميع معارضيه من جميع المذاهب دون استثناء، ويعمل في نفس الوقت على بث الفتن الطائفية والترويج لها بعد كل حملة إعدام يقوم بها، حيث يتهم الشيعة بأنهم عملاء لإيران بعد إعدامهم ويتهم السنة بأنهم تكفيريون ودواعش بعد إعدامهم.

ومع تواجد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سدة الحكم وتسلمه القيادة الفعلية، كان عام 2018 عاماً عنيفاً ودموياً في السعودية، حيث وصلت أحكام الإعدام المنفذة إلى 149، متجاوزة الأحكام التي نُفذت خلال 2017 بثلاث أحكام.

وتعد معدلات ودموياً التنفيذ الواقعة بين 2015 – 2018 الأعلى في السعودية منذ تسعينات القرن الماضي، كما إنها إرتبطت مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش، وقد بلغت ذوررتها قي العام 2015 مع 157 إعداما.

وتعيش السعودية واحدة من أكثر فترات القمع ظلمة تحت حكم الملك سلمان وولي عهده. إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن معدلات التنفيذ الفعلية أعلى، حيث وجدت المنظمة أن السعودية لا تعلن رسميا عن كافة الأحكام التي تنفذها.

وقد ظهرت خلال 2018 إتجاهات جديدة في عقوبة الإعدام، إلى جانب توسع غير مسبوق في إستخدامها بتهم سياسية. فخلال السنوات الأخيرة إستخدمت أحكام الإعدام السياسية ضد نشطاء من المنطقة الشرقية في البلاد، وذلك من خلال تلفيق تهم بالعنف، إلا أن السعودية في 2018 وسعت نطاق العقوبة حتى من دون تلفيق تهم عنف، لتجعل من الإعدام أداة ترهيب سياسي. بالتالي، تم إستهداف قطاعات جديدة من المجتمع المدني من خلال عقوبة الإعدام، بمن في ذلك المدافعات عن حقوق الإنسان ورجال الدين والنقاد.

وفي حين تبذل شركات العلاقات العامة جهوداً كبيرة لتلميع صورة بن سلمان، كتقديمه بمثابة العقل المدبر "لرؤية 2030" التي سُوِقَ لها كمخطط للإصلاح والإزدهار في البلاد، فقد ظهر أن هذه (الإصلاحات) سطحية ومجرد إستراتيجية لتشتيت الإنتباه عن القمع العميق المستخدم ضد المجتمع المدني. وكان بن سلمان قد بذل قصارى جهده للترويج لخططه، مستحدثاً أيضا عن عقوبة الإعدام. فأثناء جوله العلاقات العامة الدولية التي أجراها في أبريل 2018، أجاب في مقابلة مع صحيفة التايم على سؤال حول إن كان هناك نهاية لعمليات الإعدام: لقد حاولنا تقليل (عقوبة الإعدام) ونعتقد أن الأمر سيستغرق عاماً، وربما أكثر قليلاً.

ومع ذلك، ان معدلات التنفيذ المرتفعة في السنوات الأربع الأخيرة لا تشير إلى أي محاولات للتقليل أو الحد، فقد أظهر 2018 زيادة في الإعدامات عن العام السابق. وعلاوة على ذلك، فيما لو كانت هناك نية حقيقية لتخفيض عقوبة الإعدام، لم يتم إعلانها رسمياً ولم يُفرض أي حظر فوري على أحكام الإعدام الصادرة ريثما تُسَنُ القوانين الجديدة. لذلك، لا يوجد ما يدعم ادعاءات ولي العهد.

وبهدف إضافة وجه رسمي، تحتاج الحكومة السعودية لتبرير الإعدامات، ولذلك تحاول إعطاء الأحكام القضائية طابع قانوني من خلال التفسيرات الدينية المتشددة، والمحكمة الجزائية المتخصصة، والقوانين المحلية مثل قانون "مكافحة الإرهاب" والأحكام التعزيرية، إلى جانب الحملات الإعلامية.

ودفع سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه السعودية وتغاضيه عن جميع الجرائم التي يرتكبها آل سعود مقابل الحصول على دولاراتهم دفع ولي العهد السعودي للمضي قدماً في استهداف كل من يقف في طريق مخططاته من معارضين ونشطاء ودعاة ورجال دين طالما أن الغطاء الغربي لا يزال موجوداً، ويمكن حالياً استغلال الفورة العالمية الجديدة في مجال "مكافحة الإرهاب" لتوجيه هذه التهمة لكل من يعارض سياسة واشنطن والرياض، وقد نجحت أمريكا في هذا المجال وتريد السعودية اقتباسه منها بعد أن مهّدت واشنطن بأن الإرهاب فيروس خطير ينهش جسد الشرق الأوسط وإذا بحثت عن مسببي هذا الفيروس لوجدت أمريكا هي من صنعه وهي من يقوّيه وهي تمنع استئصاله على اعتبار أنه الحجة الوحيدة لبقائها في الشرق الأوسط واستطاعت عبر ماكيناتها الإعلامية إيهام العالم أجمع بأنها تحارب الإرهاب إلا أنها لم تكن سوى تنشر الفوضى والفساد في المنطقة، وما تفعله الرياض حالياً يأتي في سياق السياسة الأمريكية التي توجّه اتهامات بالإرهاب لكل من يخالفها الرأي.