هل يستعيد الاحتلال رفات 'جاسوس المستحيل' من سوريا؟

هل يستعيد الاحتلال رفات 'جاسوس المستحيل' من سوريا؟
الأحد ٢٨ أبريل ٢٠١٩ - ٠٥:٠٥ بتوقيت غرينتش

عاد الحديث بقوة عن رفات الجاسوس "الإسرائيلي" إيلي كوهين، وسط شائعات عن أن موسكو وجدت الرفات، ونفيّ روسي لهذا الأمر. ويأتي الحديث بعدما مثّل التدخل الروسي في سوريا نقطة تحوّل فارقة أسهمت في توفير البيئة التي سمحت في النهاية باستعادة رفات الجندي زخريا باومل، الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب، خلال غزو لبنان عام 1982، ودُفن لاحقاً في سوريا.

العالم - مقالات وتحليلات

وكان كوهين يعتبر أشهر جواسيس "إسرائيل" في العالم العربي، إذ استطاع اختراق المجتمع السياسي والعسكري السوري، في ستينيات القرن الماضي. وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية ذكرت أخيراً أن الوفد الروسي الذي زار سوريا غادر وهو يحمل تابوتاً يضم رفات كوهين، الذي أُعدم في دمشق في 1965 ودُفن في مكان لم يكن يعلم به إلا أجهزة الاستخبارات التابعة للدولة. لكن موسكو حسمت الجدل حول الموضوع، إذ نفت وزارة الخارجية الروسية، قبل أيام، صحة الشائعات، ورأت فيها "افتراءات لا أساس لها". وقالت الخارجية، في بيان: "ننفي بشدة مزاعم عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن ممثلين عن روسيا زعموا نقل رفات عميل الموساد إيلي كوهين، الذي أعدم في دمشق في عام 1965، من سورية". وأشارت إلى أنها "لا تفهم دوافع من ينشر هذه المعلومات المضللة، وما هي الجهة التي تقف وراءها". ودعت "الإسرائيليين، بمن فيهم الصحافيون، إلى التحلي بالدقة والمهنية والنزاهة أثناء التعامل مع مثل هذه المسائل الحساسة". وأكدت أن "مختلقي هذا الاستفزاز يتحملون كامل المسؤولية عن عواقبه".

ولطالما حاولت "إسرائيل" الحصول على رفات كوهين، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. ولا يزال إيلي كوهين حاضراً في الذاكرة السياسية السورية، رغم الغموض الشديد الذي أحاط بشخصيته، وملابسات عمله جاسوساً في قلب العاصمة السورية دمشق، في فترة شديدة الاضطراب، شهدت أحداثاً جساماً، ومن ثم انكشاف أمره وإعدامه في ساحة المرجة على عجل وعلى مرأى من العامة.

ووُلد إلياهو (أو إيلي) بن شاؤول كوهين، في 26 ديسمبر/كانون الأول 1924، في الحي اليهودي بمدينة الإسكندرية المصرية. وهو من أصل سوري، إذ انتقل والداه إلى مصر من مدينة حلب. ودرس كوهين، الذي صُور فيلم عنه باسم "جاسوس المستحيل"، في الإسكندرية والقاهرة، وكان يجيد العربية والعبرية والفرنسية، وبدأ عمله في شبكات التجسس الإسرائيلية مبكراً، إذ كان عضواً في شبكة نفّذت سلسلة من التفجيرات ضد مصالح أميركية في الإسكندرية، لإفساد العلاقة بين القاهرة وواشنطن، في بدايات الثورة المصرية. واعتُقل أكثر من مرة من قبل السلطات المصرية التي كانت تشك في أمره، فترك مصر في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، متوجهاً إلى إيطاليا، ومن ثم إلى مدينة حيفا في فلسطين، حيث بدأ عمله مع "الموساد" الذي وجد فيه ضالته في اختراق المجتمع السياسي السوري.

ودرّبته الاستخبارات الإسرائيلية على أدق تفاصيل المجتمع السوري، بالإضافة إلى إتقان اللهجة السورية، ثم لفّق قصة عن كونه سورياً يُدعى "كامل أمين ثابت" هاجرت عائلته من حلب إلى مصر، ومن ثم لحق بعمه في الأرجنتين. وفي العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، كان كوهين يحمل جواز سفر سورياً، وعمل في التجارة والتصدير حتى بات اسماً معروفاً وسط الجالية السورية.

وتعرّف كوهين في الأرجنتين على الملحق العسكري في السفارة السورية أمين الحافظ، الذي أصبح رئيساً لسورية عقب انقلاب عام 1963، وهو ما يؤكد امتلاكه قدرات عالية مكنته بعد ذلك من لعب دور كبير في السياسة السورية.

وفي عام 1961، أعلن كوهين تصفية كل أعماله التجارية في الأرجنتين، وعاد إلى سورية للانطلاق في عملية التجسس لصالح "الموساد"، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد، إذ بات صديقاً للنخبة السياسية والعسكرية الحاكمة، خصوصاً بعد انقلاب عام 1963 الذي قامت به مجموعة من الضباط البعثيين، إذ تؤكد مصادر أن أغلبهم ظل يتردد لمدة عامين على بيت كوهين القريب من قصر الضيافة والمطل على مبنى هيئة أركان الجيش السوري.

وتذكر شخصيات عاصرت تلك الفترة أن كوهين وصل في اختراقه للنخبة الحاكمة إلى مستويات خطيرة جداً، لدرجة أنه رُشح لتولي مناصب رسمية رفيعة المستوى، وهو ما رفضه كي لا يضع نفسه في دائرة الإعلام. وتؤكد مصادر أن معلومات نقلها كوهين إلى "إسرائيل" لعبت دوراً في هزيمة مصر وسورية في حرب 1967، إذ زار أكثر من مرة جبهة الجولان برفقة ضباط كبار في الجيش السوري.

وتتعدد الروايات فيما يخص عملية القبض عليه داخل منزله في عام 1965، إذ قال الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل إن الاستخبارات المصرية هي التي كشفت حقيقته للاستخبارات السورية، بعد التدقيق في صورة جمعت كوهين مع الفريق أمين الحافظ أثناء زيارته لبعض المواقع في الجبهة السورية. في حين تؤكد مصادر أخرى أن السفارة الهندية في دمشق أبلغت السلطات عن تعرّض اتصالاتها للتشويش، ما دفع أجهزة الاستخبارات إلى مراقبة محيط السفارة في حي أبو رمانة في دمشق، فقبضت على كوهين وهو يبث رسائله إلى "إسرائيل" عبر جهاز الاتصال اللاسلكي. وتؤكد مصادر إعلامية معارضة أن الضابط الذي اعتقل كوهين، وهو الرائد محمد وداد بشير، اعتُقل في عام 1976 في بيروت، وبقي في المعتقل نحو 14 سنة.

وحكمت محكمة على كوهين بالإعدام شنقاً، الذي نُفذ في 1965، قبل أن يتم دفن جثته في مكان سري. وتؤكد مصادر أنه جرى نقل الجثة أكثر من مرة، خشية وصول الإسرائيليين إليها، خلال العقود الماضية. في حين تؤكد مصادر أخرى أن أبنية أقيمت في المكان الذي دفن فيه كوهين. ولم تستجب الدولة السورية، طيلة العقود الماضية، للطلبات الإسرائيلية بنقل رفات كوهين إلى تل أبيب. وأعلن "الموساد"، منتصف العام الماضي، استعادة ساعةٍ ظل كوهين يستخدمها إلى يوم القبض عليه.

وعادت الشائعات لتطفو على السطح عن وضع رفات كوهين، بعد أن استعادت "إسرائيل"، مطلع إبريل/نيسان الحالي، من سوريا، رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، الذي فُقد في معركة السلطان يعقوب في لبنان في عام 1982، مع جنديين آخرين. وأكدت مصادر إعلامية أن الجندي الإسرائيلي المولود في الولايات المتحدة، كان مدفوناً في مقبرة "الشهداء" في مخيم اليرموك، ونقل الروس رفات باومل إلى موسكو قبل نقله إلى تل أبيب.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان عقب استعادة رفات الجندي، "هذه واحدة من أكثر اللحظات العاطفية التي مررت بها طوال سنوات عملي كرئيس للوزراء. هذه العملية هي نتيجة لجهود دبلوماسية كبرى سنتحدث عنها يوماً ما". وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، تم التأكد رسميا أن الرفات يعود إلى باومل، بعد فحص للحمض النووي قام به الطب الشرعي.

العربي الجديد - أمين العاصي