ماذا يعني محاولة البغدادي "محاكاة" أسامة بن لادن "مظهريا"؟

ماذا يعني محاولة البغدادي
الخميس ٠٢ مايو ٢٠١٩ - ٠١:١٣ بتوقيت غرينتش

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” ظهر مرتين بالصوت والصورة، الأولى في تموز (يوليو) عام 2014، حيث أعلن قيام "دولة الخلافة" من على منبر المسجد النوري الكبير في الموصل، والمرة الثانية، وربما ليس الأخيرة، عندما ظهر في “فيديو” تحدث فيه لمدة 18 دقيقة، وبتصوير تقني رفيع المستوى، وأعلن فيه أنه حيٌ يرزق، وأن "دولة الخلافة" انتهت بالصورة التي كانت عليها.

العالم - مقالات وتحليلات

محاكاة أبو بكر البغدادي لـ”معلمه” أسامة بن لادن، سواء بصبغ أطراف لحيته بالحناء، أو بجلوسه على الأرض محاطا ببعض أتباعه، مع الحرص على وجود رشاش “كلاشينكوف” إلى جانبه، كلها تؤكد أن الرجل يريد أن ينطلق إلى مرحلة جديدة عنوانها العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، والعودة إلى نهج تنظيم “القاعدة” الذي تخلى عنه، وأراد إقامة "دولة الخلافة" كنهج بديل.

ظهور البغدادي كان مفاجأة للكثيرين في الغرب والمنطقة العربية معا، وللتأكيد على أنه ما زال حيا ولم يقتل، مثلما أفادت العديد من التقارير الإخبارية، ولكن اشتغال معظم أجهزة الاستخبارات الغربية في تحليل الفيديو ونقوش الوسائد والملابس، لتحديد موقع التسجيل جغرافيا ليس له أي قيمة فعلية، لأنها استخدمت الأسلوب نفسه لأكثر من عشر سنوات بعد القضاء على تنظيم “القاعدة” وحكم حركة طالبان في أفغانستان ومعظم عناصر قيادتيهما، وفشلت فشلا ذريعا في الوصول إلى مخبئه، أو الملا عمر، ولولا الطبيب الباكستاني الذي كشف السر للأمريكيين مقابل الحصول على مكافأة مالية تقدر بحوالي 25 مليون دولار لبقي حيا حتى هذه اللحظة (ما زال معتقلا في باكستان).

بن لادن كان يحرص على حمل البندقية “كلاشينكوف” في كل تنقلاته، ويضعها على حجره في مجالسه، لأنه تربطه بها علاقة “عاطفية” و”رمزية” تعود إلى أيام انخراطه في الجهاد الأفغاني، ويتباهى بأنه أخذها من جنرال روسي بعد أن قتله في أحد المعارك في جبال أفغانستان، ومنطقة تورا بورا تحديدا، ولا نعرف قصة “الكلاشينكوف” القديم الذي يحمله البغدادي، أو يضعه إلى جانبه في صدر مجلسه، وما إذا كان قد حصل عليه بعد معارك أم “هدية” من أحد مقاتليه.

مكان أبو بكر البغدادي غير معروف، والقول بأنه ما زال في منطقة على الحدود السورية العراقية، اعتمادا على النقوش ونوعية الملابس وغطاء الرأس، لا يخرج عن ميدان التكهنات، وربما كنوع من التضليل، وأحد فصول الحرب الدعائية، ومن غير المستبعد أن يكون غادر المنطقة المذكورة كليا، وانتقل إلى أخرى، بعد تصوير الشريط، وبمساعدة أجهزة مخابرات عربية أو أجنبية.

صحيح أنه حرص على التأكيد على صدقية الشريط المصور، وحداثته، من خلال الحديث عن الأوضاع في السودان والجزائر، والانتخابات الإسرائيلية، وهو الأسلوب الذي كان يتبعه زعيم تنظيم “القاعدة” في جميع أشرطته، ولكن جودته، أي الفيديو، والهندسة الصوتية والضوئية المحترفة، كلها عناصر توحي بأن الرجل لم يكن في هيئة المطارد، أو الشخص المترحل من مكان إلى آخر، وإنما الآمن المحاط ببعض الخبراء الإعلاميين في تنظيمه، وخاصة في مؤسسة “الفرقان”، أحد أذرعته الدعائية.

الإشادة بمجزرة كنائس سيريلانكا التي أعلنت جماعة محلية موالية للتنظيم مسؤوليتها عن تنفيذها، يجب النظر إليها على أنها بداية مرحلة دموية جديدة تؤشر إلى هجمات إرهابية مماثلة قادمة، ليس في العواصم الغربية فقط، وإنما في أماكن رخوة أمنيا في دول العالم الثالث.

تنظيم “داعش” ربما يكون خسر "دولته" و"خلافته" ومرحلة التمكن فوق الأرض، ولكنه لم يخسر قيادته، ولم يتخل عن الإرهاب الذي انشغل عنه داخليا للحفاظ على هذه الدولة، وإدارتها، وشؤون سبعة ملايين مواطن تحت حكمها، ولذلك بات أكثر خطورة في رأينا لأنه تخلى عن الأعباء الثقيلة على كاهله، فعملياته الدموية الخارجية كانت ثانوية وأقل أهمية بالنسبة إلى قيادته، ولكن الحال تغير الآن.

انتهت مرحلة “التمكين” بعد هزيمة ثقيلة في غرب العراق وشرق سورية، ولكن مرحلة “التجميع″ و”التجنيد” والانتقام الإرهابي الدموي قد تكون بدأت، فالأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم وبدعم أمريكي مباشر أو غير مباشر، ما زالت موجودة، وكذلك الحواضن، وفي أكثر من مكان في العراق، واليمن، وسورية، وليبيا، وأفغانستان، وهنا تكمن الخطورة.. والله أعلم.

رأي اليوم