سذاجة السياسيات الخارجية الاستراتيجية السعودية

سذاجة السياسيات الخارجية الاستراتيجية السعودية
الخميس ١٥ أغسطس ٢٠١٩ - ٠١:٣٨ بتوقيت غرينتش

ليس من منطلق المصلحة الوطنية العربية او الاسلامية، بل من منطلق المصلحة القبلية الذاتية "الانوية"، تأسست المملكة العربية السعودية، بدعم مفضوح من الامبراطورية البريطانية، فآل سعود المؤسسون، تَبِعوا البريطاني ولم يتحالفوا معه ( لفارق القدرة والاهمية) ضد "الخلافة" العثمانية وضد العرب والمسلمين في المنطقة.

العالم - السعودية

والامر ليس عن عبقرية المؤسسين، بل عن عقلية مبنية على اسس هي وليدة بيئة منطقة حارة صحراوية، يتنازع اهلها فيما بينهم.
نجاح ال سعود في الاعتماد على عقيدة التبعية، للبريطاني، شكل عندهم قاعدة ثابتة، صُّبَت في قالب مرة واحدة وكُسِر القالب بعد ذلك، وهو قالب الاعتماد على الخارج دوما، بهدف الحفاظ على عروشهم واستمرارية بقائها، دون ان يأخذوا بعين الاعتبار، المتغيرات الزمينة وتطوراتها التي تفرضها العلاقات الدولية والنظم القانونية، والتحولات في السياسات الخارجية، ومعادلات توازن القوى وافول الاحادية القطبية في العالم.
فصار الاعتماد على الخارج عقيدة سياسية وصنمية تُعْبد، لدى ال سعود، رغم كلفتها الباهظة جدا، ورغم تأكّد اهتراء مثل هذه العقائد، كونها تقوم على بيع الاوطان وسيادتها، تحت ذريعة التحالفات الخارجية.
قد يقول البعض ان هذه العقيدة السياسية، اثبتت نجاحها مع بقاء المملكة منذ تأسيسها الاخير عام 1932 الى يومنا هذا، ونقول ان هذا الامر ليس مقياسا، وهذه المدة الزمنية من حياتها، لا تساوي شيئا في عمر الانظمة، فاذا ما سقط النظام السعودي بعد فترة زمينة غير بعيدة، حسبما هو متوقع، فان هذه الفترة الزمنية، اذا حسبت في التاريخ لاحقا، يقولون ان عمر هذا النظام، كان قصيرا جدا، وللتأكيد على هذه الدلالة، فان الدولة السعودية الاولى التي انشئت في الدرعية بين العامين (1744- 1818) ، لم يدم عمرها اكثر من (74) سنة، وسقطت على يد محمد على باشا والي مصر، بامر من العثمانيين. والدولة السعودية الثانية عاشت بين العامين ((1818-1891). لم تستمر اكثر من (73) سنة، وسقطت على يد محمد بن عبد الله بن رشيد" أمير حائل المدعوم عثمانيا. والدولة السعودية الثالثة، بدات في العام 1902 وعاشت حالا من التخبط والصراعات والهزائم والانتصارات الى العام 1932، اي 30 سنة، حيث بدأ التأسيس للدولة الرابعة المستمرة حتى يومنا هذا، بعمر بلغ حتى الان 87 سنة. اي ان نظام ال سعود الحالي تجاوز عمره "الافتراضي" بقرابة 13 سنة، عما كان عليه في دولتيه الاولى والثانية.
بعبارة اخرى، ان سني هذا العمر، تحصل فيه الكثير من المتغيرات على مستوى "التابع" و"المتبوع" . الا ان متغيرا لم يدخل على "التابع " ما يعتبر مؤشرا، ينبئ باقتراب زوال هذا النظام، اذا ما اعتمدنا الرأي القائل بفشل "عقيدة الاعتماد على الخارج".
وانطلاقا من ذلك، فان التاريخ يتحدث عن زوال الانظمة التابعة، مع زوال داعميها وضعفهم. والمتغيرات التي جرت منذ تأسيس المملكة الاخيرة، تعطي مؤشرات على ذلك، فالبريطاني الداعم الاساسي لنشأة السعودية ، لم يعد لاعبا دوليا ، بل اصبح ضعيفا تابعا للولايات المتحدة الامريكية، والامريكي الداعم اللاحق لال سعود، والذي كان قطبا أحاديا، ها هو اليوم، يصارع من اجل بقاء احاديته، ضد روسيا والصين ودول اقليمية على راسها ايران وكوريا الشمالية وفنزويلا وغيرهما.
ايضا هاجس الخوف والرعب من الاسطورة الامريكية، سقط عند الجميع تقريبا، بعد ان تلقت هذه الاسطورة، الضربات المتتالية، من خلال صمود العديد من الدول في وجهها، وتحديها، والمثال بارز اليوم، وتحديدا، في الازمة القائمة بين امريكا وايران، واسقاط الاخيرة طائرة امريكية متطورة واحتجاز ناقلة نفط بريطانية بعد سحبها من بين خمس قطع بحرية عسكرية 4 امريكية وواحدة بريطانية، دون ان تتجرأ هذه القطع على اعتراض عملية الاحتجاز. اكثر من ذلك، ان الحرس الثوري الاسلامي الايراني، وجه اوامر وتهديدات لقيادات هذه القطع، وحذرها من الاعتراض والا تعرضت للاذى.
اذن اول عقيدة استراتيجية للسياسة الخارجية السعودية القائمة على الاعتماد على الخارج، دون العمل على بناء ذات قوية مستقلة، تعتبر سياسة ساذجة، وتعتبر غير مجدية، لانه يمكن ان يكون هناك هيكل نظام دولة في المملكة السعودية، لكنه هيكل هش، ودولة هذا النظام ، تسقط في اسبوعين وتتحدث الفارسية في اسبوع، اذا تخلى الامريكي عن حمايتها، بحسب اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب مرارا وتكرارا. مع لحاظ ان ترامب يتعامل مع حكام ال سعود، على انهم موظفون عنده، يحلبهم ويحلب ثروات بلادهم ويهينهم ويذلهم، وهم لا يتجرأون على التفوه بكملة اعتراض، حتى باتوا يتلذذون الذل الامريكي والاهانة ، فتحولوا الى مسخرة لدى الشعب الامريكي وشعوب العالم.
القاعدة الثانية في استراتيجية الفكر السياسي السعودي الساذج، هي الاعتماد على العقلية البدوية في تعاطي العلاقات الخارجية، اي ان نظام ال سعود، ينطلق، من عادات وتقاليد بدوية مشوهة، لادارة ملفات العلاقات الدولية، فضلا عن الملفات الداخلية. فعندما يبني النظام السعودي تحالفاته، يبنيها على اساس قومي، او مذهبي، او قبلي، فحروبه التي ربحها ، خلال تأسيس دوله الثلاث السابقة ، بنيت على تحالفات قبلية مدعومة بريطانيا. وانشاء الدولة، بناه النظام ال سعود، على اساس مذهبي بتحالف ابن سعود مع محمد بن عبد الوهاب التكفيري، وهي ذاتها العقلية التي يحاول من خلالها، الهيمنة على دول مجلس التعاون وعلى الدول العريبة من خلال محاولة السيطرة على قرارات مجلس التعاون وجامعة الدول العربية، دون ان يعير اذنا لرأي الاخرين. وعندما يفشل في مشروع الهيمنة( وهنا تكمن العقلية البدوية)، ينتفض مستخدما سلاح الكيدية السياسة والانتقام، والتاريخ يشهد على ذلك، حروب ال سعود ضد اليمن واخرها العدوان المستمر عليه منذ خمس سنوات، الانتقام من سوريا بسبب رفضها، فك التحالف مع محور المقاومة وايران، التآمر مع اعداء الامتين العربية والاسلامية ضد المقاومة في المنطقة، وكواليس الاتصالات المتعلق بعدوان تموز على لبنان 2006 والاعتداءات الاسرائيلية على غزة والحروب الكونية ضد سوريا والعراق، الممولة سعوديا، تشهد على ذلك ايضا، والامثلة تطول، دون ان ننسى الكيدية السياسية في الانتقام من خصوم الداخل، كاعتقال النشطاء الحقوقيين وتقطيع جسد الصحافي السعودي جمال خاشقجي واذابته بالاسيد. ولو كانت لدى هؤلاء، عقلية غير بدوية، لكانت الممكلة، استفادت من القانون، طالما حكامها يسيطرون على القضاء فيها، ولما كانت بحاجة الى هذا الانتقام والتشفي بجثة رجل لا حول له ولا قوة.
النقطة الثالثة فيما احب الاشارة اليه في سذاجة الفكر السياسي الاسترايتجي السعودية، هو اعتماد نسج التحالفات على "الصداقات الشخصية" او اذا صح التعبير "الخوشبوشية" في العلاقات مع الغير.
النظام السعودي راهن على علاقاته الشخصية بقادة في دول المنطقة وغيرها لانشاء تحالف العدوان على اليمن، ففشل، واول من تحلل من العدوان كان الباكستاني الذي منَّ عليه السعودي دوما، بما قدمه له من دعم واموال، فلم تفلح العلاقات الشخصية التي نُسجت مع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي عاش المنفى في السعودية سنوات طويلة، بعد ان احال قرار انضمام بلاده لتحالف العدوان على البرلمان الذي رفض. حتى فيما سعى اليه نظام المملكة مع الامريكي لتشكيل حلف الناتو العربي او حلف الشرق الاوسط الذي تم بحثه في وارسو مؤخرا، ايضا فشل رغم جمع السعودية لقادة الدول العربية والاسلامية، عملا بـ(المونة)..
مثال اخر، نسج السعودي علاقات شخصية مع العديد من زعماء القبائل السورية على مدى سنوات طويلة، استخدمها في الحرب الكونية على سوريا، وفشل ايضا.
وانصع مثال اليوم، هو اعتماد النظام السعودي، في تحالفه مع الامارات في العدوان على اليمن، على العلاقة الشخصية " الصميمية " بين ولي العهد محمد بن سلمان، وولي العهد الاماراتي محمد بن زايد". وكانت نتيجتها ان الامارات، استغلت سذاجة العقلية السعودية، وسيطرت على جزيرة سقطرى اليمنية الاستراتيجية، وطردت السعودية منها ومن الجنوب اليمني وخصوصا من عدن، والان يحاول الملك سلمان من خلال عملية " تبويس اللحى" مع الامارات، اعادة الامور الى ما كانت عليه سابقا، الا ان الفشل سيكون حليفه. مع العلم ان الامارتيين، الذين تأقلموا دوليا الى حد ما حقيقة الواقع، كانوا اذكى بكثير جدا من السعوديين، وبدأوا عملية التحول في السياسة الخارجية (وان كانت في حدود هامشية معينة) قبل فوات الاوان، وذلك، عبر اعادة تصحيح سياستهم الخارجية في اليمن والمنطقة. بما ادى الى ترك السعودية وحيدة تتخبط في المستنقع اليمني، ولا من احد يمد يده لها.
ورغم ذلك تستمر السعودية في عنادها النابع من العقلية البدوية، وتصر على عدم القراءة في المستجدات والتطوارت الاقليمية والدولية، والاستمرار في خيارها الذاهب بها نحو الانتحار.

د.حكم امهز- علاقات دولي