العالم - مقالات وتحليلات
تساؤلات يطرحها المراقب بعدما ثبت تحيّزها في التغطية الإعلامية للحراك الجاري في لبنان، وتوجيهه إلى أهداف قد وضعتها، مشتقة من خطة أوكل إليها تنفيذها، تتماهى مع خطط الثورات الملونة التي تديرها أياد خفية مرتبطة بأجندات خارجية لتخريب البلاد وإلحاقها بالمحور الأمريكي.
فالتعميم الذي مارسته في شعاراتها، وأصرت عليه في تغطيتها الإعلامية للحراك، أمر ينافي العقل السليم والمنهج العلمي الرشيد.
فهل يستوي المحسن والمسيء، والمجرم والبريء، ولقد قال الإمام علي(ع): "وَلاَ يَكُونَنَّ الْـمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لاَِهْلِ الاِْحْسَانِ فِي الاِْحْسَانِ وتَدْرِيباً لاَِهْلِ الاِْسَاءَةِ عَلَى الاِْسَاءَةِ".
ثم إن اعتمادها أساليب الترويج الزائف والمضلّل، من قبيل تضخيم أعداد الحشود، واعتماد عينات محددّة من الناس معروفة بانتماءاتها الفكرية والثقافية، لا تمثّل بأفرادها كل خصائص المجتمع اللبناني، لتعمم ما يصدر عن هذه العينات من مواقف وآراء على كل اللبنانيين، أسلوب يبتعد عن المنهجية العلمية ويتماهى مع أساليب البروباغندا النفسية، التي تتعامل مع الجماهير الطيبة والصادقة للتأثير على آرائهم وسلوكياتهم، بشكل ينأى عن الحقيقة ويلتصق بالكذب والتضليل، مستغلة مشاعرهم وعواطفهم وانفعالاتهم، وموجهة لها لإحداث الانشقاق والفرقة بين فئات المجتمع اللبناني، تحت ستار الرغبة في الإصلاح.
فهل هذا ينسجم مع قيم الموضوعية والمصداقية التي تدّعي تلك القنوات تبنيها؟
وكيف يمكن بناء على ما تقدّم لصاحب البصيرة أن يصدّق أنها لا تموّل من دول تريد الفتنة في لبنان، على غرار ما فعلت في سوريا، وهي تروّج لأهداف أعداء محور المقاومة، الذين يعملون بشكل مستمر، على تشويه صورة المقاومة النقية والمشرقة، التي كوّنتها بإخلاصها لقضايا أمتها وصدق تضحياتها، وذلك عبر اتهامها بشتى أنواع الموبقات والرذائل، من الاتجار بالمخدرات وقتل الأبرياء وإثارة الفتن الطائفية والإرهاب وأخيراً المشاركة مع المفسدين في تخريب بيئتها اللبنانية الحاضنة.
كل هذا يجري في الوقت الذي يشرف محور المقاومة على تسطير انتصار تاريخي استراتيجي على المحور الأمريكي، لإنهاء هيمنته على المنطقة وشعوبها ومقدّراتها.
ثم إن بعض أصحاب هذه القنوات تربطهم علاقات متينة بكثير من اللاعبين في الساحة المحلية والإقليمية، ويتصرفون أحياناً كثيرة من موقع الكيدية الذاتية والنفعية الشخصية، وهذا ما يُعرف عنهم في الأوساط الإعلامية والسياسية، ومثلهم كمثل الكثير من اللاعبين الفاسدين في لبنان، الذين استغلوا المال العام لمصالحهم الشخصية، كما هي الحال في القروض الممنوحة لبعضهم من حاكم مصرف لبنان الفاسد، بفائدة منخفضة جداً، ليستثمروه في بنوك لبنانية بفوائد مرتفعة جداً، وفي صفقات بالتراضي جيّرت لبعضهم ودرّت عليهم مئات ملايين الدولارات.
إن مَثَل هذه القنوات كمثل الشاعر الهجّاء الذي تتقيه الناس مخافة فحش قوله وبذاءة لسانه، ويستميله الملوك والأمراء وأشراف القوم بالهدايا والعطايا لكفّ لسانه عنهم ولهجاء أعدائهم وبث الفتنة في مجتمعاتهم.
وقد يُغبط هذا الشاعر بموقعه الذي يرتزق منه، لكنه أدرى بموضعه الذي أدخل نفسه فيه ليصبح لاعباً بين الكبار.
ما قُدّم هو إثارة فكرية لقراءة ودراسة هذه القنوات التلفزيونية برسالتها وأهدافها وسياساتها العامة، وماضيها وحاضرها، وليس دعوة إلى شيطنتها، بل لاختيار أفضل السبل في التعامل معها لتوجيهها بما يخدم أهدافنا، لا سيما وأن بعض الإعلاميين فيها يُقدّر لهم الدور المشرف الذي قاموا به دعماً للمقاومة في السابق، وقد يعذر المرء بعضهم في تلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحرجة.
فإن كنا لا نملك السلطة والمال لكننا نملك قوة المنطق والإقناع.
# علي حكمت شعيب - أستاذ جامعي