العالم - الأمريكيتان
إذ أشارت مجلة «تايم»، قبل أيام، إلى أن ترامب أكّد أنه ناقش مع بومبيو مسألة مغادرة منصبه من أجل الترشح لمجلس الشيوخ عن ولاية كنساس، فيما أشار مصدرٌ في الحزب الجمهوري إلى أن وزير الخارجية يبحث عن «خروج آمن» له من الإدارة الحالية قبل انتخابات «الشيوخ». ولا يمكن فصل توقيت «الاستقالة» عن المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، إذ إن الوزير كان يهدف، وفق مصادر المجلة، إلى البقاء في منصبه حتى بداية الربيع المقبل، لكن التطورات الأخيرة، وخصوصاً إجراءات محاكمة ترامب، بدأت تضرّ به سياسياً، فضلاً عن كونها تؤثّر على علاقته بالرئيس. تطوراتٌ يبدو أنها دفعت برأس الدبلوماسية إلى تعديل أجندته وتوقيت استقالته الذي بات مرتبطاً بقدرته على الخروج بأقلّ الأضرار الممكنة.
وفي مقابلة أجرتها معه شبكة «فوكس نيوز» يوم الجمعة الفائت، بدا أن ترامب يعطي بومبيو ضوءاً أخضر ليخوض سباق الترشّح في مجلس الشيوخ، عبر تأكيد دعمه استقالة حليفه المقرّب المحتملة. هو قال إن بومبيو «أتى إليّ وقال: اُنظر، أُفضِّل البقاء حيث أنا»، لكنّه أكّد له أنه «يحبّ كنساس. إذاً، اعتقد أنه إذا كان هناك احتمال بأن يخسر (الحزب الجمهوري) هذا المقعد، فأعتقد أنه سيقوم بذلك وسيحقق فوزاً كاسحاً لأنهم يحبّونه في كنساس». وبومبيو الذي يتجنّب دائماً إزعاج ترامب، بدا خجولاً في تصريحاته في شأن مسعاه للترشُّح إلى مجلس الشيوخ، على رغم أن الأمر بات شبه مؤكد نظراً إلى زياراته المتكررة لكنساس ومقابلاته الدورية مع وسائل الإعلام في الولاية. وتُعدّ هذه الولاية جمهورية تقليدياً، ولم تنتخب ديموقراطياً في مجلس الشيوخ منذ عام 1932، وهي أطول فترة امتنعت في خلالها ولاية عن انتخاب ممثّل عن أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. لكن يبدو أن أيّاً من الحزبين لا يرغب في المخاطرة في انتخابات العام المقبل، التي يسعى ترامب فيها إلى الفوز بولاية ثانية. وفي أيلول/ سبتمبر، برز بومبيو بصفته قائداً وحيداً للسياسة الخارجية الأميركية بعد مغادرة مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون. لكن نجاحه في الوصول إلى مجلس الشيوخ سيضمن نوعاً من استمرارية نفوذه، بصرف النظر عن اسم الفائز بانتخابات الرئاسة العام المقبل. استمراريةٌ قد تخوّل وزير الخارجية، وهو مسيحي إنجيلي ونائب سابق له جذور في «حزب الشاي»، من تحقيق طموحه في الترشُّح للرئاسة في 2024.
تضاف إلى ما سبق، «القضية الأوكرانية» التي تجرى محاكمة ترامب على خلفيتها في مجلس النواب الأميركي؛ إذ يبدو، أيضاً، أن إجراءات العزل التي أطلقها الديموقراطيون ضدّ الرئيس الأميركي أضعفت موقع بومبيو الذي يُعدُّ من أعمدة سياسة الإدارة. وفي هذا الإطار، يواجه الدبلوماسي انتقادات لأنه لم يعترض على طلب رئيسه، وبشكل أوسع لأنه سمح لعملٍ دبلوماسي موازٍ بإدارة العلاقات مع كييف برعاية المحامي الشخصي للرئيس، رودي جولياني. من جهة أخرى، يواجه بومبيو انتقادات لأنه رفض الدفاع عن الدبلوماسيين الذين كانوا على صلة بالفضيحة. فهو رفض، مثلاً، تقديم أيّ دعم للدبلوماسية ماري يوفانوفيتش التي أقالها ترامب من منصبها سفيرةً إلى كييف، وانتقدها خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهاجمها عبر «تويتر» عندما مَثَلت أمام الكونغرس خلال جلسة استماع علنية. وتورّط بومبيو، شخصياً، بشكل متزايد في القضية، إذ أقرّ بأنه كان طرفاً في اتصال 25 تموز/ يوليو الذي طلب فيه ترامب «خدمة» من الرئيس الأوكراني للتحقيق في شأن الديموقراطي جو بايدن. كذلك، فإن السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي، غوردون سوندلاند، أفاد بأن بومبيو «كان جزءاً» من جهود الإدارة لحمل أوكرانيا على إجراء تحقيقات قد تصبّ في النتيجة في مصلحة الرئيس. وذكرت شبكة «إن بي سي نيوز»، نقلاً عن مصادر لم تسمِّها، أخيراً، أن الفضيحة تسبّبت بخلاف بين بومبيو وترامب، إذ عبّر الأخير، للمرة الأولى، عن بعض الاستياء من وزيره في إطار القضية الأوكرانية، لأنه لم يمنع مسؤولي وزارة الخارجية من الإدلاء بشهاداتهم في جلسات الاستماع العلنية في الكونغرس.