المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والسيناريو المتوقع في لبنان

المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والسيناريو المتوقع في لبنان
السبت ١٦ مايو ٢٠٢٠ - ٠٥:٢٥ بتوقيت غرينتش

يزيّن كثير من سياسيي لبنان المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ويوحون للناس أن فيها نجاتهم من فقرهم الذي تسببت به الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعصف ببلدهم بل يبادر البعض منهم متسرعاً لاستباق نتائجها مبدين استعدادهم لتنفيذ شروطه القاسية والمعلّبة.

العالم-لبنان

والتساؤلات التي تطرح في هذا الإطار عديدة منا:

-أليس جديراً بمن يدعو إلى التفاوض مع هذا الصندوق أن يدرس جيداً هيكليته وسياسات عملية إتخاذ القرار فيه، ليرى كيف أن أمريكا التي اصطنعت الأزمة في لبنان بمنعها الدولارات عنه، لتجفيف الموارد المالية للمقاومة بزعمها، هي التي تمسك بقراره محوّلة إياه إلى أداة لتطويع الدول ذات السيادة والمتحررة من أسر تبعيتها، فوفق أي منطق يستطيع هؤلاء أن يبرهنوا للبنانيين أن أمريكا غدت حريصة عليهم وعلى اقتصادهم في الوقت الذي تعتمد فيه قيادتها سياسة الإدارة بالأزمات، لتأخذ البلد الى حيث تملي عليه شروطها في عملية استثماره لموارده الطبيعية في النفط والغاز، وعملية ترسيمه لحدوده البرية والبحرية، وتخضعه لبنود ما يسمى "صفقة القرن" المزعومة فيقبل توطين الفلسطينيين في أرضه.

-أليس من قواعد التخطيط السليم الإطلاع على تجارب الصندوق الماضية مع أزمات شبيهة عانت منها دول عديدة، والتي تفيد أنه لم يدخل دولة إلا وأفسدها معمقاً أزمتها الاقتصادية ومشعّباً لها الى أزمات اجتماعية وسياسية وأمنية أشد وأخطر كانت تطيح بالدولة فتغيّر نظام الحكم فيها وتجعلها تابعة خاضعة للمحور الامريكي.

-أليس من العجز أن لا نتعظ بالعبر والحكمة التي تقول: وفي التجارب علم مستفاد، فصاحب البصيرة والخبرة يعتقد أن من الأماني الكاذبة أن نتوقع شيئاً مثمراً من هذه المفاوضات لأن استشراف مستقبلها قياساً على التجارب الماضية ينذر بسيناريو مظلم تفصيله:

أن يقوم هذا الصندوق بفرض سياسات لئيمة وخبيثة على لبنان تؤدي الى نقمة شعبية تصاحبها فوضى أمنية واجتماعية تسقط معها الحكومة إن استمرت في تطبيق تلك السياسات بشكل مشابه لما حدث مع حكومات عديدة في الماضي إعتمدته بديلاً وخياراً لحل أزمتها الاقتصادية.

ولعل من أبرز السياسات التي يفرضها الصندوق والتي تثير النقمة الشعبية هي:

تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن السلع الأساسية وتخفيف قيود الدولة على الاقتصاد وخصخصة قطاعاتها المنتجة وتقليص دورها الرعائي مما يسحق الطبقات الوسطى والفقيرة بطريقة دفعية ويهدم بذلك البنيان الاجتماعي عندما تُنسف القدرة الشرائية للناس ليسقطوا بغالبيتهم العظمى تحت خط الفقر المدقع.

-هل طرحت على بساط البحث بدائل أخرى لحل الأزمة وتم ملياً دراسة حسناتها وسيئاتها، وما هي المصلحة في تأخير بديل التوجه شرقاً الذي يرى فيه كثير من الخبراء البديل الأنسب للخروج من الأزمة الاقتصادية، استناداً الى بيانات ومعلومات موثوقة حيث لا نضطر فيه الى استخدام الدولار بل المقايضة لتأمين الكهرباء من سوريا والنفط من العراق و... وتنفتح للبلد معه أسواق لتصريف إنتاجه وإتفاقيات تجارية واعدة مع دول صديقة لا تبغي تطويعنا واستعبادنا.

الحذر الحذر ممن سرق أموال الناس من السياسيين ووضعها في بنوك خارجية تتحكم بها أمريكا فأصبحوا أسرى القرار الأمريكي، لذلك نرى البعض منهم يدفعون بقوة لاعتماد قروض صندوق النقد الدولي وتبني شروطه الخبيثة والمؤلمة وهم بذلك ينفذون الهدف الأمريكي فإما تركيعاً للبلد وإذعاناً للإملاءات الأمريكية، وإما إدخالاً له في حالة من فقدان التوازن والفوضى حيث لا حساب ولا عقاب لهم على سوء ما عملت أيديهم من هدر ونهب وسرقات وفساد.

ولقد شهدنا نجاحهم بالتبرؤ من التبعات عندما ركبوا صهوة الحراك الشعبي، وانسحبوا من الحكومة السابقة مثيرين للشغب في البلد وذلك لإعاقة التوجه الذي كانت الحكومة آنذاك على وشك أن تسلكه في محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين.

*علي حكمت شعيب/ أستاذ في الجامعة اللبنانية