العالم-السعودية
صحيح أن التحالف العرفي نشط إعلامياً في حدث المقاطعة الخليجية، وبلغ ذروته في جريمة مقتل خاشقجي؛ لكنه لم يحرز تقدماً في استراتيجية المعارضة السعودية، مقابل ما أحرزته قطر استراتيجياً في معركتها الاستخباراتية بدرجة أساسية، ثم السياسة، والحقوقية، والاجتماعية، ضد السعودية.
أين خاشقجي؟ أين لجين الهذلول؟ أين سلمان العودة؟ أين عبدالله الحامد؟ أين سفر الحوالي؟ أين حرية الإعلام، أين حقوق المرأة، أين إصلاح ذات البين، أين الملكية الدستورية والشراكة السياسية، أين الصحوة؟ جميع هؤلاء باسمه وصفته، كان يشكل رمزية لقضية خلافية مع النظام السعودي، منهم من قضى نحبه في المعتقل، ومنهم من ينتظر. وفجأة قررت قطر بالنيابة عن الجميع أن يكونوا ثمناً لتصالحها مع السعودية، بعد أن كانوا ثمناً لعدائها أيضاً.
اجمالاً عملت بعض اطراف المعارضة السعودية في مشروع قطر، ولم تعمل مع مشروع قطر في إطار مصالح تتوازى بالمقدمات والنتائج. والسبب في هذا الاخفاق، وتفويت أسنح الفرص، هل كان مقصوداً، أم مدفوعاً، أم الأمرين معاً؟
في كل الحالات لن تنجوا أية إجابة من اخفاق كبير على المدى المنظور والاستراتيجي، وربما لن تجد جهات من المعارضة السعودية -التي كشفت عن خاصرتها الرخوة -منطقاً للقول إن ما سبق كان تحالفاً لا “عمالة” وفق ادعاءات النظام السعودي.
لستُ هنا بصدد احباط المعارضة، فالحالة التي عليها الآن، تسترعي التضامن، ومد يد العون، غير أن مواجهتها الإخفاق بشجاعة بداية المقاربة مع الحقيقة.
من منكم اليوم يملك الشجاعة ونفاذ البصيرة لتقييم الحدث؟ وتحديد المرحلة الجديدة بخطوطها الاستراتيجية، بلا ترانزيت، وبلا بطيخ. وبعيداً عن المحاولات البائسة لإحباط المصالحة بالعودة إلى أرشيف المقاطعة، دون إدراك لقدراتكم، ولكون من تقاطعوا بكم، تصالحوا عليكم، وبالتالي العودة إلى الأرشيف لن تدرأ خطراً، ولن تستدرك خطأ، بل ستعيد بث غفلتكم، مع حجز مقعد لمشاهد قطري سيضحك مرتين: على اخضاع السعودية بكم، وعليكم.
لا أسخر بلا شك، لكني أتحسر يقيناً، من حالة عدمية تستهلك الطاقات في واد غير ذي زرع، ولا أجد في حسن نوايا البعض، مع قلة البصيرة، إلا دفعاً للقول الناصح: إنه عملٌ غيرُ صالح.
بالطبع، ليس هنا المكان الملائم لبحث تكامل العمل الصالح، لكن أولى خطواته تستلزم تخلص أجنحة في المعارضة من تعريف المشكلة السعودية بشخص محمد ابن ابيه، لا في كتلة نظام الأسرة، بتعدد الأوجه، والسياسات، والتحالفات، والحقب. وتستلزم، الاعتراف بخطأ التحالف (العرفي) مع قطر، وخطأ البناء عليه وفق مديات استراتيجية، وخطأ استجدائه. فالقطري حليف مزدوج؛ نظراً لتماثل النشأة الوهابية في حاضنة المستعمر مع واحدية الدور الوظيفي، ناهيك عن استبدادية النهج العائلي. وكلها عوامل يجب ألا يتغاضى عنها البعض مقابل إخوانية المسلك، كون الولاء للأولى قد يطغى على حاجة الثانية، بدلائل إعلان قمة العلا عن وفاة التحالف (العرفي القطري) مع المعارضة السعودية، في يوم زفاف (المصالحة الخليجية).
قطر كما تخشى من سطوة الجوار عليها، تخشى من أن سقوط السعودية أولاً، قد يعني سقوطها تالياً، وأن تغيير ما في مطلق الحكم قد ينقل عدواه إليها، وبالتالي كان سقف تحالفاتها مع أعداء ومعارضة السعودية محدود بضمان الحفاظ على استقرار دولتها الصغيرة فقط، ومحكوم بمشروع التطبيع كمرجعية خليجية جامعة، الآن ومستقبلاً.
إن الحاجة الملحة للمعارضة السعودية بتعدد توجهاتها، تستدعي تعميق التلاحم مع حليف سقفهُ الانتصاف لمظلومية الشعوب من منطلق مبدأي، ونشأتهُ متحررة من الوصاية ومصادرها العالمية، وهويتهُ جامعة لكل الهويات. في اعتقادي، وربما في اعتقاد المعارضة السعودية ذات التجارب التاريخية، أن وفرة الفرص المتاحة الآن لتعميق التحالفات مع أصحاب المنطلقات المبدئية، لن تتوفر بهذه الفعالية والامتياز الاستراتيجي لاحقاً؛ إذ لا يستوي من لحق بالركب، ممن هاجر ليكون في طليعته.
*اسحاق المساوى