صمت دولي مثير على القرار النووي البريطاني

صمت دولي مثير على القرار النووي البريطاني
السبت ٢٧ مارس ٢٠٢١ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

الصمت الدولي تجاه إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 16 مارس/آذار الحالي، عزم بلاده زيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية بنسبة 40 في المائة، يثير الاستغراب.

العالم - أوروبا

ومنذ الإعلان الرسمي البريطاني الأسبوع الماضي، يخيّم صمت دولي شبه رسمي حوله، ولم تصدر إلا تصريحات مقتضبة من أغلب الدول الغربية حول هذا القرار المفاجئ والمحرج لعدد من الأسباب، لعل أبرزها المفاوضات الجارية حول عودة الولايات المتحدة وإيران للالتزام بالاتفاق النووي الإيراني. وبريطانيا هي واحدة من الدول الموقعة على الاتفاق، إلى جانب كل من روسيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وإيران.

ولم تنتظر طهران طويلاً للتعليق على القرار البريطاني، حيث وصف وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، على حسابه الرسمي على منصة "تويتر"، تصريحات جونسون والتي عبّر فيها عن قلقه من برنامج إيران النووي، بـ"النفاق المطلق"، بل إنها "تأتي في اليوم ذاته الذي أعلن فيه عن نيّة بلاده زيادة مخزونها من السلاح النووي".
والرد الروسي كان أيضاً بالمرصاد للقرار البريطاني، حيث أعرب الكرملين على لسان المتحدث الرسمي باسمه، ديمتري بيسكوف، عن أسف روسيا للقرار البريطاني، واصفاً إياه بأنه "يضّر بالاستقرار الدولي والأمن الإستراتيجي".
وروسيا، إلى جانب الصين، هي واحدة من الدول التي تشير إليها الحكومة البريطانية في مراجعتها للشؤون الدفاعية والأمنية والسياسية الخارجية، والتي تتحدث فيها عن "زمن التهديدات الناشئة" ومواجهة الخطر المتصاعد من البلدين. ولا يبدو أن ما خلص إليه جونسون، أي أن التهديد الروسي - الصيني يحتم ضرورة زيادة مخزون بريطانيا من الرؤوس النووية، مقنعٌ لأي من حلفاء هذا البلد. لكنهم يفضلون الصمت أو التستر وراء تصريحات مقتضبة، ما يضعف موقفهم ويظهر مجدداً سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي.

من جهتها، فقد التزمت الولايات المتحدة الصمت، فيما أعادت وزارة الخارجية الفرنسية، كباقي الدول "الحليفة"، الكرة بشكل أو بآخر إلى الملعب البريطاني. وبحسب وكالات الأنباء، فإن فرنسا، وهي واحدة من الدول التسع التي تمتلك ترسانة أسلحة نووية، وصفت بريطانيا بـ"الشريك الاستراتيجي والدولة الحليفة"، وتحدثت عن "احترامها الكامل للقرار البريطاني".
وفي مقابل الصمت الدولي الرسمي والتصريحات الخجولة، كان الرد واضحاً من قبل مؤسسات دولية، بما فيها "آيكان"، والأمم المتحدة، التي كانت قد أبدت قلقها من الخطوة البريطانية، ثم خففّت من حدّة تصريحاتها حول المسالة، من دون أن تتراجع عنها.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، إن إعلان بريطانيا عن زيادة ترسانتها من رؤوس الأسلحة النووية لا يتسق مع التزاماتها في ما يخصّ نزع السلاح الذي تعهدت به الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، بما فيها بريطانيا. وأضاف: "كما أن القرار البريطاني لا يتماشى مع الالتزامات بموجب النتيجة المتفق عليها من مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية للعام 2010، والتي تشير الدول فيها إلى بذل المزيد من الجهود لخفض جميع أنواع الأسلحة النووية وإزالتها في نهاية المطاف والتحرك السريع نحو تخفيض شامل في المخزون العالمي لجميع أنواع الأسلحة النووية". وأكد المتحدث الأممي في الوقت ذاته أن "تصريحاتنا ليست رأياً قانونياً وإنما هي موقف ورأي نعبّر عنه". هذه الجملة الأخيرة، والتي أضافها دوغاريك في اليوم التالي لتصريحاته الأولى، تأتي في سياق وصفه للقرار البريطاني قبلها بيوم بأنه "يتعارض مع التزاماتها بموجب المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية". وأضاف أن القرار البريطاني "يمكن أن تكون له تبعات وتأثير ضار على الاستقرار العالمي والجهود المبذولة لإيجاد عالم خال من الأسلحة النووية".

إلى جانب كل هذا، فإن الدمار الذي يمكن أن تحدثه هذه الأسلحة يصعب تخيله. إذ تقدر القوة الانفجارية لكل رأس نووي بريطاني بحوالي 100 كيلوطن. وللمقارنة، فإن القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما، وبعدها بأيام على ناغازاكي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تزن حوالي 15 كيلوطناً، وقتلت في هيروشيما لوحدها على الفور 70 ألف مدني ياباني. ويقدر أن الرقم الفعلي أعلى بكثير، حيث مات الكثيرون لاحقاً من تبعات الإشعاعات، ناهيك عن التشوهات في الولادة، ولسنوات تلتها، كما الضرر البيئي وغيره الكثير من التبعات الكارثية. في المحصلة، إن ترسانات الأسلحة النووية لطالما كانت رادعاً استراتيجياً، ولكن قرار تدعيمها وتضخيمها، يشير إلى تحسّبات من صراعات جيوسياسية، قد تزيد حدّتها وتبعاتها في العقود المقبلة.