لماذا تتسارع خطوات المصالحة التركية القطرية المصرية هذه الأيام بعد تعثر؟

لماذا تتسارع خطوات المصالحة التركية القطرية المصرية هذه الأيام بعد تعثر؟
الأربعاء ١٤ أبريل ٢٠٢١ - ٠٦:١٠ بتوقيت غرينتش

عندما يتصل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مهنئا بقدوم شهر رمضان المبارك، وقبلها بيوم يقدم السيد مولود جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا بمهاتفة نظيره المصري سامح شكري لتهنئته بالمناسبة نفسها، حسب نبأ بثته وكالة الأناضول التركية الرسمية، فهذا ربما يعني نهاية مرحلة وبداية أخرى في المنطقة.

العالم- مصر

مثلما يعني أن المعارضة المصرية المتمثلة في حركة “الإخوان المسلمين” ستكون “كبش فداء” هذه المصالحة بالنظر إلى قرار السلطات التركية الأخير بتقييد حركة وأنشطة المسؤولين فيها ولجم قنوات تابعة لهذه المعارضة اتخذت من إسطنبول مقرا لها طوال السنوات السبع الماضية، لبث برامج سياسية انتقادية للأوضاع المصرية، والرئيس السيسي على وجه الخصوص.

من الواضح أن القيادتين، القطرية والتركية، توصلتا إلى قناعة راسخة، بأن النظام المصري أكثر صلابة مما يتصوران، وأن الإطاحة به من خلال الحملات الإعلامية لتحريض الشارع المصري، أمر غير ممكن، ولهذا قررتا فتح صفحة جديدة في العلاقات مع القاهرة، وتقديم مصالحهما، وشعبيهما، على أي مصالح أخرى، ومن منطلق براغماتي صرف، وهذا التحول غير مفاجئ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط على أي حال.

أمير قطر بهذا التقارب المتسارع مع مصر يظهر التزاما قويا باتفاق قمة “العلا” الخليجية الذي أنهى الحصار الرباعي لبلاده، أما الرئيس رجب طيب أردوغان فبادر بفتح قنوات الحوار على مستوى أجهزة الاستخبارات مع القاهرة، ردا على مبادرة مصرية بالاعتراف بالجرف القاري التركي في شرق البحر المتوسط والحدود المائية الرسمية بين البلدين، مما يعني كسر العزلة التركية وعودة التنسيق حول الاستغلال المشترك للثروات النفطية والغازية في المنطقة.

التلكؤ التركي في تطبيق الاتفاقات التي جرى التوصل إليها بين الجانبين وأبرزها تسريع سحب المستشارين العسكريين والقوات المرتزقة التابعة لتركيا في ليبيا، و”لجم” القنوات التابعة لحركة الإخوان والممولة معظمها من قطر، أوشك أن يؤدي إلى انهيار هذه التفاهمات، والانتقال بالتالي إلى الخطوة الأهم وهي تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية وعودة السفراء، ولكن الجانب التركي سارع بتنفيذ التزاماته كاملة، الأمر الذي سيمهد الطريق لعقد اجتماع موسع في القاهرة قبل نهاية الشهر الحالي ليكون تتويجا لعودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي، ويبدو أن معظم، إن لم يكن كل العقبات التي كانت تحول دون تحقيق هذا الهدف قد أزيلت، ومن غير المستبعد أن نرى طائرة السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي تحط في مطار القاهرة وفي معيته العديد من المستشارين الأتراك في الأيام القليلة القادمة.

إعلان الإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر وقف برنامجيهما “الناجحين” طوال شهر رمضان، هو أبرز خطوة تركية لتطبيق هذه الاتهامات، وقال زميلهما عبد الله الشريف في تدوينة على حسابه على “تويتر” إن قرارا صدر بإغلاق البرنامجين السياسيين، ووجه العزاء لهما، وعرض عليهما الانضمام إلى قناته على “اليوتيوب”.

لا نعرف أين سيذهب السيدين مطر وناصر، وماذا سيحدث بقناتيهما “الشرق” التي يصدرها الدكتور أيمن نور، أو “مكملين”، والشيء نفسه يقال عن القناة الثالثة “وطن”، لكن قول الأول، أي معتز مطر، “إن بلاد الله واسعة” يوحي بأنهما قد يتوجهان إلى أحد الدول الأوروبية إذا استطاعا إلى ذلك سبيلا، ومعاودة البث من هناك بطريقة أو بأخرى في حال توفر التمويل.

الدرس الأبلغ الذي يمكن استخلاصه من كل ما تقدم هو أنه لا يمكن الاعتماد على الأنظمة في المنطقة كقاعدة آمنة ودائمة للمعارضة، خاصة لدول كبيرة مثل مصر، تملك أوراق ضغط سياسية واقتصادية قوية، ولا نستبعد أن تواجه المعارضة السورية المقيمة حاليا في تركيا، سياسية كانت أو عسكرية، المصير نفسه في ما هو قادم من أيام، ففي ظل غياب القضاء المستقل، وحريات التعبير الحقيقية، لا شيء مستبعد هذه الأيام.

تركيا التي كانت نموذجا في التنمية الاقتصادية والعلاقات القوية مع دول جوارها، باتت تواجه حصارا اقتصاديا، وضغوطا أوروبية، بعد تدخلاتها المكلفة في سورية وليبيا واذربيحان وربما قريبا في أوكرانيا، وتلويح روسيا بوقف سياحها (7 ملايين سائح سنويا) بسبب تقاربها مع كييف، ومعارضتها لضم شبه جزيرة القرم ربما يؤدي إلى تفاقهم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها حاليا، والمزيد من الانخفاض في سعر الليرة، خاصة أن قطر حليفها الأقوى لم تعد في وضع يمكنها من ضخ عشرات المليارات كقروض واستشمارات لإنعاش الاقتصاد التركي (30 مليارا في عامي 2018 و2020) بسبب أعباء البنى التحتية لكأس العالم، (150 مليار دولار)، وتراجع أسعار النفط والغاز (الدين التركي العام يصل إلى 460 مليار دولار).

الرئيس اردوغان أعلن عن خطوات جديدة في ختام المؤتمر العام لحزب العدالة التنمية قبل أسبوعين، أبرزها، الانفتاح على دول الجوار، وإعطاء دور أكبر للدبلوماسية، ونأمل أن تنطبق هذه القاعدة على الجار السوري أيضا، والتدخل العسكري التركي فيها، مصدر الضرر الأكبر لتركيا، وأحد أكبر حروب الاستنزاف لاقتصادها.

ختاما نقول إن حصول مصر على هذه المكاسب السياسية الأمنية من خلال المصالحة مع كل من تركيا وقطر أبرز خصومها، يجب أن يتوازى مع تخفيف إجراءات القبضة الأمنية الحديدية، وتبييض السجون، ورفع سقف الحريات، وتحقيق المصالحة الوطنية، خاصة أنها تواجه تحديا وجوديا يتمثل في تصاعد أخطار سد النهضة الإثيوبي، الأمر الذي يتطلب وقوف كل المصريين في خندق الدولة المصرية.

مصر قوية، والشعب المصري يتوحد في معظمه خلف مؤسسته العسكرية وقيادته للحفاظ على حقوقه المائية الشرعية، حتى لو تطورت الأمور إلى المواجهة العسكرية.

* “رأي اليوم”