العالم – كشكول
رغم ان هذه الحقيقة كانت واضحة الا ان جيش المطبلين داخل لبنان، الذين مارسوا مهمة الذباب الالكتروني السعودي وبحرفية كبيرة، حملوا قرداحي، تردي العلاقات مع "مملكة الخير" وشقيقاتها التي تمزقت عروق أوداجهن، غيرة على سمعة وكرامة شقيقتهن الكبرى، فسارعن، ومن بينهن الكويت والبحرين والامارات، بعد السعودية، فورا الى سحب سفرائهن من لبنان، وأخرجن في المقابل سفراء لبنان من عواصمهن، إحتجاجا على عبارة "عبثية" التي وصف بها قرداحي العدوان السعودي على اليمن، والمستمر منذ سبع سنوات، واكل الاخضر واليابس، بدعم امريكي اسرائيلي واضح وفاضح.
كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، واضحا عندما اعلن في بداية الازمة، ان الازمة مع لبنان لا يمكن حصرها بتصريحاتِ قرادحي، وان مشكلة السعودية مع لبنان "تكمن في استمرار حزب الله بالهيمنة على النظامِ السياسي في لبنان"، وهو موقف كرره الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز الذي اعتبر "أن المشكلة ليست في استقالة قرداحي أو وزير الخارجية شربل وهبي قبله"، بل المشكلة مع "حزب الله الذي يتحكم بكل شيء في لبنان".
"هيمنة حزب الله على لبنان"، الكذبة الكبرى التي تحاول امريكا و"اسرائيل" والسعودية، والمطبلون للدولار النفطي داخل لبنان، وجيوش السعودية الالكترونية على مواقع التوصل الاجتماعي، تسويقها وباصرار لافت، ما كانت لتنكشف بهذا الشكل الفاضح، لولا الحملة الشعواء التي تعرض لها جورج قرداحي، الذي تعتبره السعودية محسوبا على حزب الله، واضطر اخيرا لتقديم الاستقالة، كما اضطر قبل ذلك الوزير شربل وهبة، الى تقديم الاستقالة كما طُلب من لبنان تقديم اعتذار للسعودية، على تصريح ادلى به وهبة في لقاء تلفزيوني قال فيه:" بعض دول أهل المحبة والصداقة والأخوة، جلبت لنا داعش في سهل نينوى والأنبار وتدمر"، ولم تنته الازمة الا باستقالة وهبة، وبعد ان تسابقت وفود المطبلين اللبنانيين، على منزل السفير السعودي في لبنان وليد بخاري معبرة عن "استنكارها وأسفها، لما قاله وهبة.
الازمة الاخيرة التي إختلقتها السعودية في لبنان، كشفت حقيقة الجهة او الجهات التي تتحكم وتهيمن على لبنان، والتي تتدخل في كل شاردة وواردة في لبنان، وتحتجز رئيس وزرائه وتضغط عليه وتهينه لتقديم الاستقالة، وتعزل اي وزير لبناني يمكن الا ترضى عنه السعودية، حتى لو ادلى بتصريح انطلاقا من حرصه على حقن دماء العرب والحيلولة دون اهدار ثرواتهم، كما كان واضحا من تصريح قرداحي فيما يخص الحرب على اليمن، واللافت اكثر ان جميع المسؤولين والوزراء الذين يتركون مناصبهم عبر الاستقالة بضغط من السعودية، التي تتهم حزب الله بانه يهيمن على لبنان، مدرجون سعوديا في خانة الموالين لحزب الله، بينما الحزب لم يتمكن من حمايتهم من غضب السعودية وطابورها اللبناني.
اللافت اكثر، ان حزب الله المتهم في الهيمنة على لبنان بـ"دعم ايراني"!، يتعرض كل يوم لهجمات تتجاوز كل الخطوط الحمراء، الى "الخيانة" و "العمالة" و..، وكذلك التهجم بألفاظ في غاية الوقاحة والصفاقة بل وحتى الطائفية والعنصرية، من قبل المعسكر اللبناني الذي يتحرك وفقا للدولار النفطي السعودي، دون ان يكون للحزب "الميهمن" على لبنان، القدرة على اسكاتهم، ولم تطلب يوما ايران، اتخاذ اي موقف ضدهم، او حتى مارست ضغوطا في هذا لشأن.
"النصر" الذي حققته السعودية على قرداحي، فضح وبشكل صارخ التناقض في التعامل السعودي مع الاشقاء وغيرهم من الغرباء، فالسعودية تتعامل بتنمر في غاية القسوة مع ابناء جلدتها وقومها، بينما تتعامل بطريقة يُرثى لها مع شخص مثل الرئيس الامريكي الارعن دونالد ترامب، الذي جرحت اهانته للسعودية، حتى مشاعر من لا يتفق معها من العرب، بسبب فظاعة اهانته، الا اننا لم نسمع حسيسا ازاء تلك الاهانة لا من السعودية، ولا من شقيقاتها، ولا من جيش المتنعمين بدولاراتها النفطية في لبنان، واللافت ان الشخص الذي اعترض على اهانة ترامب للسعودية، كان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.
مهما كانت نتائج مساعي الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، الذي يزور السعودية اليوم، لحلحلة الازمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان، إلا انها لن تؤثر على طبيعة التعامل السعودي مع هذا البلد، فالسعودية ستختلق ذريعة اخرى لتأزيم العلاقة مع لبنان، من اجل اتمام ما هو مطلوب منها امريكيا و"اسرائيليا" داخل لبنان.