العالم - لبنان
وانكشف، في سياق ذلك، أيضاً، وجود تناغم بين بعض السياسات والقرارات الحكوميّة مع هذا الحصار بذريعة عدم القدرة على مواجهة الولايات المتحدة. ولعل أبرز وأوقح مثال على ذلك هو البيان المعيب والوقح لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير خارجيته عبدالله بو حبيب، والذي حاول تحييد ورقة قوة لبنان في المفاوضات من خلال التنّصُّل من عمليّة استطلاع طبيعيّة قامت بها مُسيَّرات تابعة للمقاومة.
لكن أخطر المواقف على الإطلاق هو التنازل المسبق من قِبل المسؤولين المتنفّذين من أصحاب الجنسيات الأجنبيّة والحسابات في المصارف الغربيّة عن حدودنا البحريّة التي جرى تثبيتها ضمن اتفاقيّة ١٧ أيار المُذلّة، والتي تتجاوز الخط ٢٩ نفسه إلى الجنوب انطلاقاً من نقطة رأس الناقورة البريّة.
كذلك، فإن استمرار بقاء حاكم المصرف المركزي في موقعه رغم ارتكاباته بحق الشعب اللبناني، وإطلاق يده في تأزيم الوضع الاقتصادي والمعيشي الداخلي يُشكّل، بدوره، عنصر ضغط هائل لإنهاك لبنان وتجويعه على أمل تركيعه وفرض تنازلات سياسيّة كبرى عليه، خصوصًا في مفاوضات الترسيم والتنقيب.
هو ابتزاز علني تُمارسه قوى الهيْمنة الغربيّة للحفاظ على مصالحها ومصالح العدو الصهيوني، بالتكافل والتضامن مع أدواتها المحليّة التي تتصرّف بالعنجهيّة السابقة نفسها، وفي حسبها أنها قادرة على فرض شروط رعاتها الخارجيّين من خلال الدفع نحو الخراب الداخلي.
وإذ لا تفاجئنا مواقف بعض الأطراف السياسيّة والحزبيّة الداعمة تاريخيًا للغرب، فإننا نستهجن مواقف قوى كان لها باع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتنبري لمقارعة الإمبرياليّة في مختلف بقاع العالم، لكنها تتطوّع (؟) لإدانة من يواجه «التوجّه الأميركي في المنطقة»، ما لم يكن ليبراليًا، ويشبه سكان الكوكب العلماني. قوى تنتبه للحصار في أميركا اللاتينيّة وتتجاهل عمدًا ذاك الذي تعيشه بلداننا من لبنان إلى سوريا واليمن، مع ما يعنيه ذلك من خدمة فعليّة لأهداف الحصار نفسه.
في هذا الإطار، أتى الموقف الوطني، الجريء والتاريخي، للمقاومة في لبنان ليعيد تصويب الأمور بعد أن وصل «لعب الأولاد» إلى درجة تشكّل خطراً كبيراً على أمن لبنان واستقراره ومصالحه الحيويّة. ففي جوهر موقف المقاومة ضغط لوقف الحرب الاقتصاديّة على لبنان وتعطيل وظيفتها ومفاعيلها، وهي حرب تخوضها في الداخل أدوات معروفة، مع استعداد لخوض حرب عسكريّة وطنيّة واستقلاليّة مشرّفة مع العدو الفعلي والمباشر.
وإننا إذ نؤيّد، بقوّة، خوض الحرب العسكريّة على استمرار سياسة الدفاع الاستنزافي في الحرب الهجينة التي لا يزال العدو، الأميركي والإسرائيلي، متفوّقًا فيها، نرى أن مثل هذه الحرب تتيح للبنان القدرة على حماية مصالحه وانتزاع حقوقه وتأكيد موقعه، خصوصًا في ظل النجاح الروسي في تحويل الحرب الأطلسيّة ضدّه إلى مأزق للغرب وأوروبا بشكلٍ خاص.
وإذ تأتي زيارة بايدن إلى فلسطين المحتلّة والسعوديّة، في إطار السعي لاستنقاذ حربه ضد روسيا وتثبيت الحلف الإعرابي - الصهيوني وتعزيز أوراقه في حرب الطاقة العالميّة وإعادة تأكيد صهيونيّته واستهتاره بالقضيّة الفلسطينيّة، فإنّ نتائجها المعلنة أتت لتكشف تراجع النفوذ الأميركي وتلمس الدول العربيّة للتغيّر المحسوس في موازين القوى الدوليّة والإقليميّة. وقد جاء توقيت موقف المقاومة، في هذا السياق، ليؤكّد هذه المعادلة ضمن وحدة الصراع العالمي الدائر وتموْضع ودور المقاومة الواضح في المعسكر المواجه للهيْمنة الأميركيّة. فخطاب السيد حسن نصرالله كان كافيًا لتعطيل بعض أهداف زيارة بايدن الذي بدا أعجز من أن يفرض كل ما يريده، علمًا أن أولويّته الحقيقيّة المُلحّة كانت مسألة الطاقة بجوانبها المختلفة.
إن هذه التطوّرات، التي تستبطن تحفّزًا للانتقال إلى المبادرة، تستدعي من جميع القوى الوطنيّة والتحرريّة في لبنان والمنطقة دعمًا واضحًا لموقف المقاومة والإعلان عن الاستعداد للمساهمة في نجاحه باعتباره خيارًا جديًا استراتيجيًا ومصيريًا.
فلم يعد مقبولًا في ظل مخاض استيلاد نظام دولي جديد، السماح للكومبرادور السياسي والاقتصادي في بلادنا بالتحكُّم بالقرارات المصيريّة بذريعة الواقعيّة السياسيّة. بل ينبغي اغتنام فرصة هذا المخاض الدولي من أجل تكريس حقوق ومصالح بلادنا وشعوبنا على امتداد المنطقة العربيّة.
ولأن زمن الهزائم قد ولَّى، لنتكاتف جميعًا من أجل الانتصار في معركة استخراج غازنا ونفطنا.
الاخبار