سدود تركيا المائية.. من يدفع الثمن؟

سدود تركيا المائية.. من يدفع الثمن؟
الأحد ٢٤ يوليو ٢٠٢٢ - ١٠:١٤ بتوقيت غرينتش

التهديد المائي واحد من أشد الأخطار التي تهدد العالم نتيجة الاحتباس الحراري والتغير المناخي وهما سببان ليسا وحدهما المسؤولان  عن تحويل هذا التهديد  الى خطر يحيط العالم ، بل ان الأطماع المائية تعتبر سبباً خطيرا يهدد دولاً على حساب دولٍ أخرى.

العالم - مقالات وتحليلات

وعندما تُذكر الأطماع المائية تحضر قضية السدود التركية خصوصاُ وأن تركيا بنت خلال الأعوام الماضية ما يزيد عن 585 سداً مائياً ، وأمام هذا العدد الكبير من السدود، قد يرى أحدهم أن الأمر جيداً فتركيا تريد أن تحافظ على ثروتها المائية وتستفيد من هذه الثروة في توليد الكهرباء.

لكن الغير جيد في هذا الموضوع هو أن هذه الثروة المائية تأتي على حساب حق الجارتين سوريا والعراق، خصوصاً وانه قد وصل الأمر الى تهديد حقيقي بالجفاف حيث تشير احصائيات رسمية بان 80% من الأراضي العراقية والسورية مهددة بكارثة انسانية بسبب ممارسات تركيا المائية.

ورغم هذه النسبة الكارثية هناك بعض الأصوات التي لازالت تعتبر بأن هناك مبالغة في الأمر ، لكن لغة الأرقام تكشف حجم الكارثة حيث انخفض معدل انتاج الكهرباء في سوريا من نهر الفرات الى الربع بسبب انخفاض مستوى المياه، كما انخفض الإيراد السنوي الطبيعي لنهر دجلة أكثر من 47%.

هذه الإحصائيات المرعبة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية مصحوبة باحصائيات أكثر تفصيلاً لحجم الضرر الذي تسببه سدود تركيا لجيرانها.

سدود تركيا تهديد حقيقي للعراق

تنص معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتي وقعت بين تركيا والعراق بعد الحرب العالمية الثانية على بروتوكول تنظيم استخدام مياه نهري الفرات ودجلة بين الدولتين ، لكن تركيا و التي تعتبر دولة المنبع لم تلتزم بالاتفاق وتجاوزته في عديد المرات.

اتفاق الصداقة وحسن الجوار لم يكن الاتفاق الوحيد بل تلته مجموعة من الاتفاقات والتي كانت برعاية دولية أو اتفاقات ثنائية وقعتها الدولتين، وبالعودة الى الوراء لمعاهدة لوزان تحديداً المادة 19 منها والتي نصت صراحة على تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا وسوريا والعراق بهدف حل النزاعات المحتملة الأمر الذي يلزم تركيا إبلاغ العراق بأي مخطط بنية تحتية تنوي القيام بها لكن اتفاقية لوزان تجاهلتها تركيا هي الأخرى.

وبحسب رأيي فإن الضرر الواقع على طرف دون الاخر بل ويحقق مكاسب للطرف المعتدي وغياب المحاسبة هي التي تدفع باتجاه الاستمرار في الاعتداءات وهذا الذي يجعل تركيا تستمر في اعتداءاتها المائية.

يضاف لذلك الحالة السياسية والامنية التي تعيشها العراق جعلت من الجانب التركي يتجاهل المطالب العراقية في كل الاتفاقات الموقعة.

تهديد لسوريا أيضا

حال سوريا لا يختلف كثيراً عن العراق ، فسوريا التي تعتمد على نهر الفرات بنسبة تزيد عن الـ 80 % سواء لمشروعاتها الكهربائية او احتياجاتها المائية عمدت تركيا الى تخفيض كمية المياه القادمة إليها عبر الفرات إلى أقل من الربع والنتيجة تهديد مائي حقيقي وانخفاض كبير في توليد الطاقة الكهربائية.

ولا يخفى على أحد بأن الأوضاع في سوريا تشجع الجانب التركي على استغلالها لبناء مزيد من السدود وتنفيذ مشاريع الاستيلاء على الثروات المائية السورية دون الاكتراث بالقوانين الناظمة للعلاقات بين الدول المشتركة في المياه.

سدود تركيا تصنع أزمة مع إيران

الشهية التركية لبناء السدود لم تتوقف عند سوريا والعراق بل تعدى الأمر لبناء سدود على نهر اراس الحدودي وهو ما دفع إيران لمعارضة هذه السدود وبات الملف على طاولة المباحثات بين البلدين.

الفارق بين ازمة العراق وسوريا مع تركيا وأزمتها مع إيران بأن تركيا تجاهلت الاتفاقات الموقعة بينهما لكن بالنسبة لايران ووفق ما صرح وزير الخارجية الايراني فإنه لم يكن هناك اتفاق ثنائي بين طهران وأنقرة بشأن التعاون المائي فيما يجري العمل على تشكيل لجنة مياه مشتركة بين البلدين.

دوافع تركيا لبناء السدود

أمام هذا المشهد والضرر البالغ الذي تسببه السدود التركية لدول الجوار العراق وسوريا وايران يبقى السؤال ما هي دوافع تركيا لبناء هذا العدد من السدود ؟ نحن نتحدث عن 585 سداً.

يمكن القول باختصار بأن تركيا استغلت الحالة الأمنية والسياسية التي تعيشها العراق وسوريا وتسعى للسيطرة على المياه بأكبر شكل ممكن من أجل الاستفادة منها من جهة ومن جهة أخرى تريد تركيا استخدام التهديد المائي كورقة سياسية ضاغطة مستقبلا، لكن هل سينجح الأمر مع إيران ؟

يمكن القول هنا بأن أنقرة تدرك حجم طهران جيداً لذا تحافظ دائما على علاقة متوازنة معها اضافة إلى إدراك أنقرة أن ايران لن تسمح بأي تهديد لشعبها وأمتها عندما يتعلق الأمر بتهديد مائي، فالماء هو الحياة.

بقلم - زین العابدین یوسف