بريطانيا لم تعد جسر اميركا إلى أوروبا

الأحد ١٣ يونيو ٢٠١٠ - ٠٦:١٧ بتوقيت غرينتش

حكومة ديفيد كاميرون، رغم أنها دُفِعت إلى الوسط من خلال التحالف مع الديمقراطيين الأحرار، تبدو عازمة على اتباع سياسة خارجية تقليدية على نهج حزب المحافظين، أي التقرب من الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه معاملة أوروبا بإهمال وعدم اكتراث.

حكومة ديفيد كاميرون، رغم أنها دُفِعت إلى الوسط من خلال التحالف مع الديمقراطيين الأحرار، تبدو عازمة على اتباع سياسة خارجية تقليدية على نهج حزب المحافظين، أي التقرب من الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه معاملة أوروبا بإهمال وعدم اكتراث.

 

ربما يكون هذا النهج مريحاً للمؤمنين بحزب المحافظين، الذين يُعتبر الاتحاد الأوروبي بالنسبة إليهم منطقة محرمة، لكن الجهود المبذولة لاستعادة «العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة وبريطانيا لتكون أساساً للسياسة البريطانية من شأنها أن تجعل بريطانيا قابعة في منطقة الأرض الحرام من الناحية الجيوبوليتيكية وتهمِّش نفوذها الدولي. ستتمتع بريطانيا بتأثير أكبر بكثير بخصوص الشؤون العالمية وعبر الأطلسي حين تصبح صوتاً قوياً ضمن الاتحاد الأوروبي، على نحو يفوق ما تستطيع الحصول عليه من خلال الاستثمار في اقتران أنجلو ــ اميركي فقَدَ معظم مبررات وجوده.

 

رغم أن الحكومة تمتنع حتى الآن عن مهاجمة الاتحاد الأوروبي، إلا أن وزير الخارجية البريطاني، وليم هيج، عَبَر الأطلسي، ولم يكن قد مضى على وجوده في المنصب ثلاثة أيام، للقاء وزيرة الخارجية الاميركية، هيلاري كلينتون، والتأكيد على أن الولايات المتحدة «هي دون شك أهم حلفاء» بريطانيا.

 

وزير الخارجية هيج ووزير المالية، جورج أوزبورن، يتمتعان بسمعة مثيرة للإعجاب من حيث كونهما من معارضي التكامل الأوروبي. أما نيك كليج، نائب رئيس الوزراء، فقد أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أثناء الحملة الانتخابية أن الديمقراطيين الأحرار يفهمون أهمية اقتراب بريطانيا أكثر من ذي قبل باتجاه الاتحاد الأوروبي. لكنه احتفظ بالصمت حول هذا الموضوع منذ انضمامه إلى الحكومة. ويبدو أنه وضع هذه الطموحات على الرف من أجل تحقيق التسويات اللازمة لإدامة التحالف مع المحافظين.

 

لكن هناك ثلاثة أسباب تجعلنا نقول إن محاولة تلميع صورة بريطانيا لتكون حلقة الوصل بين الولايات المتحدة وأوروبا هي بمثابة الاستثمار في مسعى لا طائل من ورائه.

 

السبب الأول هو أن بريطانيا لا تستطيع أن تكون بمثابة جسر قوي بين الولايات المتحدة وأوروبا، إلا إذا احتاجت واشنطن إلى جسر من هذا القبيل. لكنها لم تعد بحاجة إلى ذلك. لدى واشنطن الآن، في شخص أنجيلا ميركل وشخص نيكولا ساركوزي، اثنان من الزعماء الذين يؤيدون التعاون عبر الأطلسي، كما أن فرنسا أعادت الانضمام إلى الهيكل العسكري لحلف الناتو. وبرلين وباريس من الأنصار المتحمسين الداعين للعمل الجماعي مع الولايات المتحدة، ما يجعل واشنطن أقل اعتماداً على لندن في الوقت الذي تقوم فيه بتشكيل التعاون عبر الأطلسي.

 

الثاني هو أن الأولويات الاستراتيجية الاميركية تحولت بعيداً عن منطقة أوروبا – الأطلسي باتجاه الشرق الأوسط وآسيا، ما يترك واشنطن حساسة للغاية بشأن قدرة أوروبا على اقتسام الأعباء العالمية. ويؤكد ذلك أن بريطانيا هي الدولة الرائدة في أوروبا حين يتعلق الأمر بإظهار القوة الضاربة. لكن مؤسسة بريطانيا الدفاعية، شأنها في ذلك شأن البلدان الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، ليست كبيرة بما يكفي لاستدامة جاذبيتها في عيني واشنطن.

 

لن تظهر أوروبا في مظهر الشريك القادر الذي ترغب فيه واشنطن، إلا إذا جمَّعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قوتها الضاربة وعززت من استعدادها لاتخاذ قرارات مشتركة حول استخدام هذه القوة.

 

السبب الثالث هو أن أوروبا تحتاج إلى بريطانيا بقدر ما تحتاج بريطانيا إلى أوروبا. ربما يواجه الآن مشروع التكامل الأوروبي أخطر أزمة له منذ بدايته في أواخر الأربعينيات. فالجيشان المالي يعرِّض الآن للاختبار مدى تحمُّل منطقة اليورو. وتحديات الهجرة والإصلاحات الاقتصادية المحلية تعمل على استقطاب الناخبين في البلدان وتنتج حكومات ضعيفة. هناك نزعة شعبوية جديدة تذكي نار الوطنية من جديد في السياسة عبر أوروبا، ما يعيق الجهود الرامية إلى خلق مؤسسات للاتحاد الأوروبي قادرة على إعطاء الاتحاد تماسكاً أكبر وهيبة أعظم.

 

هناك حاجة ماسة إلى الزعامة البريطانية للمساعدة في الأخذ بيد الاتحاد الأوروبي خارج فترة الركود والكساد التي يعاني منها. وتستطيع بريطانيا، بعد أن حررت اقتصادها، أن تعمل على تسهيل الإصلاحات الاقتصادية في أوروبا. وإذا أرادت أوروبا تحقيق تقدم في تشكيل منهج جماعي أقوى من ذي قبل بشأن السياسة الخارجية والسياسة الأمنية، فمن المؤكد أن بريطانيا يجب أن تحتل موقعاً بارزاً تماماً. كما أن تفضيل بريطانيا لاتحاد أوروبي يكون أقل تماسكاً، لكن أكثر كفاءة، ربما يساعد على التوصل إلى تسوية مؤسسية بين الذين يطالبون بتوحيد أوروبا وأصحاب الطموحات المتواضعة حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.

 

إذا تمسكت الحكومة البريطانية بخطتها المعاكسة لحركة التاريخ، الرامية إلى الالتصاق بالولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تنأى بنفسها عن أوروبا، فإن من شأن ذلك إلى حد كبير أن يلقي ببريطانيا، ومعها أوروبا، إلى مكانة مغمورة في الشؤون الجيوبوليتيكة. بالمقابل، إذا لعبت لندن دوراً في تشكيل اتحاد أوروبي أكثر قدرة من ذي قبل، فإن أوروبا ككل، ومعها بريطانيا، ستتمتع بمكانة صاعدة في واشنطن، وفي الشؤون العالمية. ورغم أن هذا يعتبر قراراً سهلاً، إلا أن حكومة كاميرون، على الأقل في المرحلة الراهنة، تبدو عازمة على اتخاذ القرار الخاطئ.

*فاينانشال تايمز- تشارلز كوبتشان - أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون، وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية