جوّا الصندوق..

نهب المياه.. استراتيجية الاحتلال لفرض الهيمنة في المنطقة

السبت ١٦ أغسطس ٢٠٢٥
٠٥:٢٥ بتوقيت غرينتش
يسلط برنامج "جوا الصندوق" الضوء على أطماع الاحتلال الإسرائيلي المتزايدة في السيطرة على الثروة المائية العربية، مستغلاً غياب الوعي الجماهيري والإقليمي بخطورة هذا الملف، ليحول المياه إلى سلاح استراتيجي في سياق مشروع استعماري يهدد الأمن المائي والحيوي لشعوب المنطقة.

بعد أسابيع من إسقاط دمشق بيد جبهة النصرة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على سد المنطرة في ريف القنيطرة جنوب سوريا. خلال الأسابيع التي تلت هذا الحدث، استمر الاحتلال الإسرائيلي بالتقدم داخل الأراضي السورية، واحتل مجرى نهر اليرموك وعددًا من الينابيع الجوفية والعيون والسدود، كان آخرها وأهمها احتلال سد الوحدة، وهو أهم خزان مائي مشترك بين سوريا والأردن.

كل هذه الأخبار ضاعت وسط زحمة الاقتتال الداخلي بسوريا، وفي ظل التدمير الممنهج للدولة السورية والنسيج الاجتماعي السوري، بالإضافة إلى كثافة الأحداث في المنطقة.

وفي أفضل الأحوال، كنا نسمع ونقرأ أخبارًا عن توغلات إسرائيلية داخل الأراضي السورية، والتي للأسف أصبحت حدثًا يوميًا وطبيعيًا، مشابهًا لاقتحام العدو لمدن وقرى الضفة الغربية المحتلة تحت حكم السلطة الفلسطينية.

لكن لم نركز أبدًا على أهداف التوغل الإسرائيلي داخل سوريا، ولم نُمعن النظر بالخريطة لنرى ماذا يحتل العدو وأين يتمركز في الجنوب السوري المحتل.

على سبيل المثال، في 25 آذار 2025، وقع اشتباك مسلح بين شبان في حوض نهر اليرموك جنوب سوريا وقوات الاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن استشهاد 9 مواطنين سوريين وجرح العشرات، بالإضافة إلى تهجير عدد من سكان القرية.

ولكن الخبر كان ناقصا، لأن الجزء الثاني منه يقول إن قوات الاحتلال الإسرائيلي احتلت القرية واشتبكت مع الأهالي بهدف السيطرة على سد الجبيليّة في مدينة نوى. وهو سد محلي يُستخدم لري مساحات من الأراضي تمثل حوالي 3% من الري المحلي في منطقة غرب درعا.

إذا ما تابعنا تفكيك بقية أخبار الاحتلال الإسرائيلي المستمرة بسوريا، ستتضح الصورة أكثر: حتى يومنا هذا، في أغسطس 2025، العدو الإسرائيلي يسيطر على 80% من موارد المياه بجنوب سوريا، بما فيها أهم مورد مائي مشترك بين سوريا والأردن.

هذه النسبة تعني السيطرة على 80% من أهم مورد لحياة الأفراد والمجتمعات، وأهميته كبيرة لدرجة أن أغلبنا يعتبر توفر المياه واستهلاكها أمرًا بديهيًا، دون النظر إلى الحرب القائمة على هذا المورد في العالم.

نعم، إنها الحرب على المياه.

في عام 1993 صدر كتاب للصحفي البريطاني جون بولوك بعنوان "حروب المياه: الصراعات القادمة في الشرق الأوسط"، قدم فيه توقعًا سياسيًا مفاده أن الصراعات المقبلة في المنطقة العربية ستكون على الموارد المائية وليس على النفط.

واليوم، في سنة 2025، يمكننا القول بكل وضوح إننا في وسط الحرب على الثروة المائية العربية. حرب بدأت منذ زمن وهي في حالة تصاعد، والأسوأ من ذلك أن لا أحد ينتبه لوجودها أو لتقدم العدو فيها. ربما لأن المياه مورد بديهي، وبالتالي يعتقد الإنسان أن وجوده وتوفره أمر بديهي، ولكن الواقع عكس ذلك تمامًا.

يكفي أن نعطي رقمين لفهم الأمر:

  • الرقم الأول: 80% من المياه العذبة التي يستخدمها الشعب السوري بأكمله هي اليوم تحت السيطرة الإسرائيلية.
  • الرقم الثاني: 460 مترًا مكعبًا سنويًا هو نصيب الفرد المتوقع للمواطن المصري بعد انتهاء مشروع سد النهضة في إثيوبيا.

ولكي نفهم الرقم أكثر، تحدد الأمم المتحدة 1000 متر مكعب سنويًا كحد أدنى ليكون الفرد فوق ما يسمى "خط الفقر المائي". لذلك، نعم، إنها حرب المياه، المعركة التي ستشكل الفصل الأصعب من الحروب المستمرة على شعوب المنطقة، والتي ستطال كل فرد من مجتمعاتنا سواء قرر الخضوع أو المواجهة.

دور المياه في الحروب ليس جديدًا، فالمياه من أهم دوافع الصراعات بين البشر، وفي الوقت نفسه كانت من أهم تكتيكات حسم المعارك عبر الزمن.

من أشهر الأمثلة على دور المياه في الحروب هو تاريخ الغزاة الأوروبيين الذين استعملوا أجزاء من بلاد الشام في الحروب الصليبية، حيث ركزوا حملاتهم على السيطرة على الموارد المائية، تحديدًا أنهار بلاد الشام، بهدف ضمان استمرار مستعمراتهم، وثانيًا لضمان تفوقهم الميداني في المعارك ضد أهل الأرض.

مياه بلاد الشام نفسها شكلت سلاح القضاء على دولة الغزاة الأوروبيين في فلسطين بمعركة حطين الشهيرة عام 1187.

شاهد أيضا: الاحتلال يحارب صور الشهداء ويفشل في طمس الذاكرة الفلسطينية!

المعركة نجحت فيها جيوش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، حيث دفع المحتلين بعيدًا عن موقع استراتيجي على تلال قرية صفورية شمال فلسطين نحو حطين ذات الطابع الصحراوي، حيث دارت المعركة وهُزمت جيوش الغزاة العطشى والمنهكة.

كان تحلي الغزاة عن موقعهم الاستراتيجي بسبب العطش، هو ما كسر دفاعات الغزاة وسهل مهمة الانتصار في معركة حطين، تمهيدًا لتحرير بيت المقدس.

وفي بدايات القرن الـ16 في نزاع مسلح بين جمهوريتي فلورنسا وبيزا، ضمن ما يعرف اليوم بإيطاليا، اقترح العالم والرسام الشهير دافينشي على السياسي الفلورنسي الشهير مكيافيلي اختراع جهاز لتحويل مجرى نهر أرنو بعيدًا عن بيزا، مما يحرم بيزا من المياه ويحسم المعركة لصالح فلورنسا.

لم يُنفذ هذا الاقتراح، لكنه كان مثالًا جديدًا على تطور فكرة السيطرة على المياه كأداة لحسم الحروب.

أما في الواقع العربي، فقد عشنا ولا نزال نعيش أكبر وأهم نموذج لحروب المياه، والحرب على المياه في المنطقة مصدرها 3 جهات أساسية، وهي الكيان الصهيوني وتركيا وإثيوبيا .

الكيان الصهيوني هو أبرز نموذج لفكرة السيطرة على المياه كأداة استعمارية، حيث يحتل الموارد المائية موقعًا مركزيًا في عقيدته الصهيونية، من جهة، ومن جهة أخرى يهدف إلى الهيمنة.

تعود مركزية المياه في المشروع الصهيوني إلى بدايات تأسيس هذا المشروع.

في رواية تحمل عنوان "الأرض القديمة الجديدة"، كتب ثيودور هرتزل، عن مهندسي المياه كمؤسسين حقيقيين للأراض "القديمة الجديدة"، وهو الكيان الصهيوني.

ويعتبر هذا الكتاب أن مصادر المياه هي أحد الأعمدة الأساسية للدولة اليهودية الحديثة. وفي أحد مؤتمرات الحركة الصهيونية عام 1897، قال هرتزل إننا وضعنا في هذا المؤتمر أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي تمتد إلى نهر الليطاني.

وفي عام 1919، تم توظيف بنحاس روتنبرغ من قبل اللجنة الصهيونية، التي تحولت لاحقًا إلى الوكالة اليهودية، لإجراء دراسة مائية لأحواض نهر الأردن ونهر العوجة والليطاني، لاستغلال المياه للهجرة الاستيطانية من شتى نواحيها.

لم تقتصر نظرية الهيمنة الصهيونية على المياه على موارد بلاد الشام فقط، بل امتدت أيضًا إلى مصر، ففي عام 1903، وبالتنسيق مع الاحتلال البريطاني، أرسلت الحركة الصهيونية بعثات فنية لإجراء دراسات حول إمكانية سحب مياه نهر النيل إلى سيناء وتحويلها إلى النقب بفلسطين لري المستوطنات المخطط بناؤها مستقبلًا.

مع تدفق الغزاة المحتلين إلى أرض فلسطين، برز توجه واضح لبناء المستعمرات قرب أو حول مصادر مائية رئيسية لهدفين أساسيين: الأول هو السيطرة على الموارد المائية وحرمان العرب منها، والثاني هو تطبيق الفكرة الاستعمارية المتمثلة بإصلاح الأراضي، والتي تمنح المستعمرين بحسب العقيدة الصهيونية صفة الأصالة في علاقتهم بالأرض.

لهذا السبب، مثلاً، شُيدت مستعمرة المطلة على أرض بلدة المطلة العربية، لكن الأهم أنها تقع عند مجرى جدول البريغيث، الذي ينبع من مرجعيون في الأراضي اللبنانية.

وقد برزت الأطماع الصهيونية على الموارد المائية العربية بوضوح في ملاحظات أول رئيس للكيان الصهيوني "حاييم وايزمان" حول تقسيمات سايكس بيكو، حيث قال بالحرف الواحد: "إن حاجات وطن اليهود القومي الملحة تمتد إلى المياه العلوية في الليطاني، وسفوح الأردن، والجولان، وحوران".

وبعد سنوات، كرر رئيس الوزراء الصهيوني "ديفيد بن غوريون" نفس الفكرة حين حدد شرطًا حاسمًا لاستمرار الكيان الصهيوني، بقوله عام 1955: "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصير "إسرائيل". إذا لم ننجح في هذه المعركة، فإننا لن نكون في فلسطين".

..المزيد من التفاصيل في سياق الفيديو المرفق

0% ...

آخرالاخبار

قتلى وجرحى باشتباكات مسلحة غرب طرابلس في ليبيا


قبائل جبل راس والعدين ومقبنة في الحديدة تُعلن النفير العام


العراق:جدل سياسي بعد إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


تفكيك خلية ارهابية غرب العاصمة طهران


البحرية الأمريكية تؤكد انضمام مدمرة إلى قواتها في منطقة البحر الكاريبي


بقائي: العقوبات القسرية أحادية الجانب جرائم ضد الانسانية


بالفيديو ... موكب سيارات يرفع أعلام حزب الله يجوب شوارع في بغداد​


إيرواني: الإجراءات القسرية أحادية الجانب انتهاكٌ لحقوق الإنسان والحق في التنمية


الرئيس بزشكيان يغادر محافظة كهكيلويه وبوير أحمد عائدا إلى طهران


سوريا...توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة