وتكتسب الانتخابات البرلمانية في العراق أهمية استثنائية في ظل ما يجري في تجاذات إقليمية وفي ظل ما يريده الامريكي والإسرائيلي في فرض مشروع شرق أوسط جديد في المنطقة.
ومن المقرر أن يشارك 21 مليون ناخب عراقي في الاقتراع من أجل انتخاب أعضاء مجلس النواب في دورتها السادسة منذ سقوط النظام عام 2003. ويأتي هذا الاستحقاق في ظل توترات داخلية حول مدى فاعلية العملية السياسية وحول ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، إذ انقسم الشارع بين من يدعو للمشاركة لتغيير الواقع السياسي ومن يرفض التصويت احتجاجاً على إخفاقات الحكومات السابقة.
وتتصدر العاصمة بغداد المحافظات العراقية بعدد المقاعد يبلغ 69 مقعدا وتليها نينوى ب35 مقعدا وكذلك البصرة 25 مقعدا.
وتتقاسم السلطات الثلاث الرئيسية بين المكونات الرئيسة العراقية حيث ينتخب الرئيس العراقي من الأكراد، ورئيس الحكومة ورئيس مجلس الوزراء من المكون الشيعي ، ويكون رئيس مجلس النواب من المكون السني.
لا شك أنه في العراق لا يكون نصاب تختل العملية الانتخابية من الناحية الشرعية ولا توجد نسبة محددة قانونيا وتعتبر العملية شرعية.
ويعتبر مجلس النواب في العراق سلطة رقابة وتشريعية بل هو يرسم مستقبل السياسة للبلاد فمن وظائفه تعيين رئيس البلاد والحكومة.
ويدخل العراق الصمت الانتخابي صباح يوم الثامن من تشرين الثاني نوفمبر.

وتحظى الانتخابات العراقية 2025 بأهمية حيث سيرسم مستقبل السياسة الخارجية والداخلية للبلاد، وهذا في ظل مقاطعة بعض أحزاب وتيارات كالتيار الصدري، ولكنها لا تؤثر على إجراء العملية الانتخابية حيث أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن الاستعدادات اللوجستية لإجراء الانتخابات.
وينقسم الشارع العراقي بين المؤيد والحاسم للمشاركة في العملية الانتخابية وبين الناخب الرافض لها الذي خاب من أداء الحكومة والبرلمان.
وبين الشد والجذب الانتخابي هناك تنافس انتخابي محموم بين المرشحين والتحالفات حيث توجد خطابات ونعرات طائفية بين الأطراف.
والمطلوب اليوم من كل العراقيين توحيد الصفوف لمواجهة التحديات التي ستطال بلادهم ومن ضمن هذه التحديات الخطيرة إرسال المبعوث الأمريكي الجديد مارك سافانا قبيل الانتخابات ومحاولة أمريكية لفرض وصاية على العراق، خطوة أثارت جدلا حيث يتم إرسال المبعوث في بلد غير مستقر، ما يشير الى وجود أجندة أمريكية واضحة من بينها سلاح المقاومة العراقية.
إجراءات أمنية مشددة لتأمين الانتخابات العراقية وسط تأكيدات بسيطرة كاملة للقوات الأمنية
وأكد الخبير الاستراتيجي الفريق الركن عبد الكريم خلف في حديث لقناة العالم أن العراق يمتلك خبرة واسعة في إدارة العمليات الانتخابية منذ عام 2005، مشيراً إلى أن البلاد شهدت تطوراً كبيراً في قدراتها الأمنية واللوجستية لتأمين الانتخابات خلال الدورات السابقة، بعد أن كانت في بداياتها عرضة للاستهداف ومحاولات تخريب عملية الاقتراع.
وكشف خلف عن تقرير استخباراتي قُدّم إلى رئيس الوزراء العراقي، يشير إلى وجود نحو 400 عنصر من فلول التنظيمات الإرهابية في مناطق شرق نينوى، يتخذون من الصحراء والأنفاق والأقبية مأوى لهم، متوقعاً أن يتم القضاء على هذه البؤر خلال الأشهر المقبلة.

وأضاف أن غرفة العمليات المشتركة في وزارة الداخلية بدأت منذ أكثر من 3 أشهر بتنفيذ خطط ميدانية لتأمين الانتخابات، وأجرت سلسلة تقييمات على الإجراءات الأمنية في مختلف المحافظات، باستثناء إقليم كردستان الذي يتولى أمنه بشكل منفصل.
وأوضح خلف أن يوم الاقتراع سيكون عطلة رسمية لتسهيل حركة الناخبين والمرور، مؤكداً انتشار القوات الأمنية في جميع المفاصل الحيوية ومحيط مراكز الاقتراع، وعدم وجود أي نشاط لتنظيمات مسلحة أو عصابات طرق قد تعرقل سير العملية الانتخابية.
وبيّن أن القيادة والسيطرة الميدانية الكاملة ستكون بيد العمليات المشتركة التي تشرف على جميع صنوف القوات المسلحة في عموم البلاد، لافتاً إلى أن وزارة الداخلية أعلنت حالة الإنذار (ج) لأكثر من 600 ألف عنصر أمني لضمان الاستقرار وحماية العملية الانتخابية من أي خروقات.
وأكد الخبير العسكري أن مراكز الاقتراع مؤمّنة بنسبة 100%، وأن الإجراءات الأمنية ستستمر حتى الانتهاء من عملية التصويت ونقل صناديق الاقتراع إلى مخازن المفوضية العليا، مبيناً أن نتائج الانتخابات ستُعلن خلال 24 ساعة فقط بفضل نظام التصويت الإلكتروني المعتمد هذا العام.
وفي سياق آخر، تطرق الفريق الركن خلف إلى ملف سلاح الفصائل والمقاومة، موضحاً أن هذا السلاح سيكون جزءاً من منظومة الحشد الشعبي الرسمية، وفق رؤية الحكومة الحالية، شريطة خروج القوات الأمريكية من العراق بشكل كامل.
وأضاف أن المقاومة العراقية نشأت كرد فعل على الوجود العسكري الأجنبي والتدخل في القرار السيادي العراقي، مشيرا أنه في حال انسحاب القوات الأمريكية فسيتم حصر السلاح بيد الدولة، مؤكدا على عدم تسليم السلاح في حال عدم خروجها.
كما أشار خلف إلى أن التهديدات الأمريكية المتكررة لا تحمل طابعاً عملياً، مستشهداً بتجربة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وجّه تهديدات متعددة لدول وجهات مختلفة دون تنفيذ أي منها، مؤكداً أن العراق ماضٍ في ترسيخ سيادته واستقلال قراره الوطني.
"عماد".. صاروخ 10 دقائق
وفي ملف قدرات محور المقاومة العسكرية، كشف الخبير العسكري الفريق الركن عبد الكريم خلف في حديث لقناة العالم، عن ميزات صاروخ عماد الإيراني، موضحا أن صاروخ "عماد" يُعد من أبرز التطورات التكنولوجية في مجال الصناعات الصاروخية الإيرانية، مشيراً إلى أنه يمثل نقلة نوعية في منظومة الردع الإقليمي لما يتمتع به من دقة عالية وقدرة على المناورة.
وأوضح خلف أن الصاروخ سُمّي بـ"عماد" تيمّناً بالقيادي الشهيد في حزب الله عماد مغنية، ويُعرف بين الخبراء العسكريين باسم "صاروخ العشر دقائق"، نظراً لقدرته على الوصول إلى أهدافه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال عشر دقائق فقط من إطلاقه من الأراضي الإيرانية.
وأضاف الخبير العسكري أن وزن الصاروخ يبلغ نحو 17.5 طناً، فيما يصل وزن رأسه الحربي إلى حوالي 700 كيلوغرام، مؤكداً أن الصاروخ مزوّد برأس متطور يحتوي على أربع شفرات توجيهية تمنحه القدرة على تغيير مساره أثناء الطيران لتفادي أنظمة الدفاع الجوي المعادية.
وأشار خلف إلى أن هذه التقنية المتقدمة تمنح "عماد" قدرة فريدة على التملص من إشارات الرادار واعتراض الصواريخ الدفاعية، إذ يستطيع الانتقال من مسار إلى آخر حتى بلوغ الهدف بدقة عالية.
وبيّن أن الصاروخ يتميز بخاصية الانفجار الجوي قبل ملامسة الهدف، ما يجعله قادراً على تدمير مساحة أوسع، مشيراً إلى أن طوله يبلغ نحو 15.5 متراً وبقطر يقارب متر واحد، ويعمل بالوقود السائل، في حين تم تطويره عام 2015 ضمن مشروع إيراني لتحديث القدرات الباليستية.
وأكد الفريق الركن خلف أن التطوير الأبرز في "عماد" تمثّل في القدرة على المناورة والتغيير من هدف إلى آخر أثناء التحليق، ما يجعله من أكثر الصواريخ دقة في فئته، مشدداً على أن هذا السلاح يعكس التطور النوعي في قدرات محور المقاومة على صعيد الردع والدفاع الاستراتيجي.

وقال الفريق الركن عبدالكريم خلف: "حتى لو تم التلاعب بالهدف خلال عشر دقائق وتحريكه من مكانه، يمكن ضرب هدف آخر بنفس دقة الضربة. دقة إصابة هذا الصاروخ تبلغ نحو 10 أمتار فقط، أي أن نسبة الخطأ حوالي 10 أمتار؛ فإذا كان مركز الهدف هو المقصود فقد يسقط الصاروخ على الطاولة بفارق 10 أمتار فقط".
وتابع قائلا إن "جزءا من التوجيه يعتمد على الأقمار الصناعية وجزء آخر يُغذّى بمعلومات داخل جسم الصاروخ أو بواسطة ملاحقة أرضية من موقع الإطلاق. أي، وسيلة الإطلاق تَرى الهدف وتَحدد معالمه، ومع المنظومة يصبح بالإمكان التلاعب بتوجيه الصاروخ وتحديد الوجهة المطلوبة، والتحكم بدقة كبيرة".
وأضاف: "أما ميزة صاروخ عماد من حيث منصات الإطلاق فهناك منصات متحركة وثابتة على حد سواء؛ وكلا النوعين يعملان. الآن باتت منظومة الإطلاق قادرة على تغيير موقع الإطلاق لمسافة بعيدة خلال دقائق، ما يصعّب على الرصد الجوي المعادي كشفها وتدميرها. هناك منصات ثابته مخفية تحت الأرض، ومنصات متحركة قادرة على التنقل لأي مكان وإعداد بيانات الإطلاق خلال 30 إلى 40 ثانية ثم الإطلاق فورًا".
وقال الفريق الركن عبدالكريم خلف : "هناك معلومات خاصة تُشير إلى اختبارات تجريها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لصاروخ بمدى يصل إلى 11,000 كيلومتر، ما يعني القدرة على الوصول إلى أهداف بعيدة جدًا، وربما إلى داخل الولايات المتحدة إذا كانت جزءًا من مواجهة مباشرة مستقبلية".
وتابع: "أما بالنسبة للمسيرات (الطائرات المُسيَّرة)، فهناك تطورات صناعية هائلة في تقليل البصمة الرادارية — ما يُسمى "المسيرات الشبح" — بحيث تصبح صعبة الكشف. كما تُصنَع مسيرات ذات كمية متفجرات عالية بوزن يصل إلى نحو 400 كيلوجرام، مع قدرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة".

الطبيب الأسطورة حسام أبو صفية: رمز للمقاومة الانسانية
وفي سياق آخر، تطرق برنامج شيفرة إلى الطبيب حسام أبو صفية، هذا الطبيب الذي صُوّر فيلم عن حياته بعنوان “الطبيب الأخير”. وهو يستحق فعلاً أن تُقدَّم عنه أعمال سينمائية طويلة، وأن يُروى الكثير من قصته، لأنه الطبيب الذي لم يترك أهل غزة ولا أطفالها، وبذل كل ما يملك من أجل لملمة جراح مدينته بعد ما تعرضت له من عدوانٍ إسرائيلي.
الدكتور حسام أبو صفية، وُلد عام 1973، وهو طبيب أطفال ومدير مستشفى كمال عدوان في غزة. رفض التخلي عن الجرحى والمرضى، وبقي في المستشفى رغم التهديدات الإسرائيلية المتكررة بقصف المستشفى وتدميره، وأصرّ على مواصلة عمله.
ورغم أنه فقد ابنه خلال الحرب ودفنه بنفسه، فإنه واصل أداء واجبه الإنساني، وكان وجوده في المستشفى خلال فترة الحرب حدثًا استثنائيًا أعطى دفعة قوية من الصمود لأهالي غزة.
شاهدنا كيف كان أهل غزة يلجؤون إلى المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور أبو صفية لشعورهم بالأمان بالقرب منه، لما يمثّله من رمز للصمود والمقاومة. كونه طبيب أطفال، كان يصر على معالجة أي طفل جريح، ويبذل كل ما بوسعه لإنقاذ حياته، رغم معرفته بأن الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد استهداف الأطفال الفلسطينيين خوفًا من أن يصبحوا في المستقبل قادة مقاومة مثل السنوار أو الضيف وغيرهم من القادة الكبار.
المشهد الأخير الذي ظهر فيه الدكتور أبو صفية وهو يخرج من المستشفى مرتديًا الرداء الأبيض، متوجهًا نحو قوات الاحتلال التي طلبت منه تسليم نفسه، كان مشهدًا أسطوريًا هزّ وجدان العالم. هذا المشهد جسّد الطبيب الإنساني المقاوم الذي واجه الموت بكرامة، وأعاد إلى الأذهان صورة غزة نفسها: صامدة رغم الجراح، واقفة رغم الخسارة.
اليوم، لا يزال الدكتور حسام أبو صفية معتقلاً لدى سلطات الاحتلال. اعتُقل تعسفيًا دون توجيه لائحة اتهام، ورغم مرور أشهر طويلة، لم يُسمح له حتى بتبديل ملابسه أو تلقي العلاج. يعاني من أمراض جلدية وقلبية في المعتقل، ولا تصل إليه الأدوية اللازمة.
والغريب أن محكمة إسرائيلية جددت اعتقاله قبل أسابيع لمدة 6 أشهر إضافية بموجب ما يسمى “قانون المقاتل غير الشرعي”، وهو توصيف قانوني لا أساس له، إذ لا توجد لائحة اتهام ولا أي سند قانوني لهذا الاعتقال، فهو مجرد أمر عسكري تعسفي.
الدكتور أبو صفية، كأي طبيب، يتمتع بحماية القانون الدولي الذي يحظر اعتقال الكوادر الطبية أو التنكيل بهم، إلا أن الاحتلال تجاهل كل ذلك. حتى أثناء جلسة محاكمته، لم يُسمح له بالحضور، وتمت عبر الفيديو بصعوبة بالغة، مع توجيه اتهامات واهية نفَاها جملةً وتفصيلًا.
ووفق وسائل إعلام عبرية، يتعرض الدكتور أبو صفية لانتهاكات جسدية قاسية وتجويع وتنكيل، وقد رفض الاحتلال الإسرائيلي إدراجه في أي صفقة تبادل للأسرى، ما يدل على حجم الأثر الإنساني والمقاوم الذي تركه هذا الطبيب في وجدان الفلسطينيين، حتى بات يُعامل كأنه قائد عسكري.