حظي فوز ممداني، النائب السابق في مجلس ولاية نيويورك وأحد أبرز الوجوه التقدمية في الحزب الديمقراطي، بتغطية واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها، إذ اعتبره كثيرون دليلاً على تحول عميق في المزاج العام الأمريكي ورغبة متزايدة في تجديد الخطاب السياسي وتجاوز الانقسامات التي أحدثها دونالد ترامب.
وخرج سكان نيويورك بأعداد قياسية للإدلاء بأصواتهم، إذ تجاوز عدد المشاركين في الانتخابات البلدية مليوني ناخب، وهي أعلى نسبة مشاركة منذ أكثر من نصف قرن، وفقًا لما أعلنته هيئة الانتخابات بالمدينة .
وقد جاء هذا الزخم الجماهيري تعبيرا عن رغبة حقيقية في التغيير، ودعما لرؤية ممداني، الذي ركزت حملته الانتخابية على العدالة الاجتماعية، وتوسيع نطاق الخدمات العامة، ومواجهة غلاء المعيشة والإيجارات المرتفعة التي أثقلت كاهل سكان المدينة.
وفي خطاب النصر الذي ألقاه أمام حشد من أنصاره في بروكلين، عبر ممداني عن امتنانه للثقة التي منحه إياها الناخبون، مؤكدا أن هذا الفوز هو «انتصار على الكراهية والخطاب العدائي الذي حاول أن يُقصي فئات من المجتمع بسبب الدين أو الأصل.
وقال في كلمته التي لاقت تفاعلاً واسعا:
"لقد أثبتنا اليوم أن مدينة نيويورك لا تخضع للخوف، بل تنتصر للأمل.. يمكننا أن نواجه الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي يخشونها، لا بالاسترضاء الذي ينتظرونه".
ووجه ممداني حديثه إلى ترامب قائلًا:
"يا دونالد ترامب، أعلم أنك تتابعني، ولدي لك أربع كلمات: ارفع مستوى الصوت".
هذا الخطاب الصريح والمباشر عزز صورته كسياسي شاب لا يخشى المواجهة، ويعبر عن جيل جديد من القيادات الأمريكية التي تسعى لإعادة تعريف العلاقة بين الشعب والسلطة.
ويرى محللون أن ممداني استطاع أن يجمع بين الحضور الكاريزمي والقدرة التنظيمية والطرح الفكري الجريء، ما جعله يحظى بشعبية متنامية بين الشباب والناخبين التقدميين.
ويُنظر إلى فوز ممداني أيضا على أنه انتصار للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، الذي يسعى إلى إعادة توجيه دفة الحزب نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية العميقة، في مواجهة الدعوات التي تطالب بالعودة إلى الوسط السياسي بعد الأداء الضعيف للحزب أمام الجمهوريين في انتخابات عام 2024.
لكن رغم الزخم الكبير المحيط باسمه، فإن الطريق أمام ممداني لن يكون سهلا.
فالمهام التي تنتظره على رأس إدارة أكبر مدن الولايات المتحدة تبدو معقدة ومتشعبة، بدءاً من أزمة السكن الحادة، مرورًا بتحديات الأمن العام، وصولا إلى القضايا البيئية والاقتصادية. كما أنه سيواجه ضغوطا من دوائر المال والأعمال في وول ستريت، خاصة بعد وعوده بفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء لدعم الخدمات العامة.
وبينما يرى البعض أن هذا الفوز قد يكون الخطوة الأولى نحو البيت الأبيض، يشير آخرون إلى أن ممداني يحتاج إلى سنوات من العمل لبناء قاعدة وطنية متماسكة، وتوسيع نفوذه السياسي على مستوى الولايات المتحدة قبل التفكير في الترشح للرئاسة.
ورغم أن الدستور الأمريكي لا يمنعه من ذلك، إلا أن تحديات الهوية والدين والخلفية العرقية ما زالت تشكل عقبات حقيقية في طريق أي مرشح خارج القوالب التقليدية للسياسة الأمريكية.
ومهما تكن التوقعات، فإن انتخاب زهران ممداني يمثل تحولا تاريخيا في المشهد السياسي الأمريكي، ورسالة واضحة بأن التنوع لم يعد مجرد شعار، بل أصبح واقعا سياسيا فاعلاً.
ومع دخوله مبنى بلدية نيويورك في الأول من يناير المقبل، تبدأ مرحلة جديدة من التجربة الديمقراطية الأمريكية، يُختبر فيها مدى قدرة الحلم على أن يتحول إلى واقع، ومدى استعداد أمريكا لأن ترى في ابن مهاجرٍ مسلمٍ أفريقيٍ وجهًا جديدا لطموحها السياسي.