ويصف العراقيون الصمت الداخلي بأنه مساحة للتأمل والتفكير، لكن السؤال المطروح هو: من سيكتم تلك الأصوات الخارجية التي تشوش على هذا الهدوء بجميع أشكالها؟
واستضاف برنامج "من العراق" الضيفين د.هاشم الكندي، رئيس مجموعة النبأ للدراسات الاستراتيجية، والدكتور مجاشع التميمي، المحلل السياسي.
وفيما يتعلق بالرسائل التي يوجهها العراق إلى الخارج اليوم، فرغم التدخلات الخارجية ومحاولات التشويش على الانتخابات العراقية، إلا أن العراق يسير في مساره الانتخابي باتجاه الموعد المحدد تمامًا:
أكد الدكتور هاشم الكندي أن دخول العراق المحطة السادسة للانتخابات البرلمانية يُعد أمرًا مهمًا، يحمل مؤشرات إيجابية، رغم ما يرافقه من تحديات كبيرة. لكنه شدد على أمر جوهري، وهو أن للعراقيين الحق في الفخر والاعتزاز بأنهم أدّوا وأثبتوا ممارسة الانتخابات كحق دستوري، وسط تضحيات وتحديات لم يشهدها أي شعب في العالم. فلم يمرّ أي بلد بتجربة انتخابية واجه فيها انتحاريين وسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وقناصة، ومع ذلك أصرّ الشعب العراقي على خوض الانتخابات كخيار أساسي لتثبيت العملية السياسية والديمقراطية.
وأضاف أن العراقيين نجحوا في ذلك بتضحيات غالية وكريمة بلغت المئات من قواتنا الأمنية، في مشهد لا يتكرر في أي مكان في العالم، حيث كان الجنود يحتضنون الإرهابيين لحماية العملية الانتخابية.
شاهد أيضا.. صمت انتخابي يسبق حسم المشهد السياسي في العراق

وأشار الكندي إلى أن الوصول إلى هذه المحطة السادسة يختلف عمّا جرى في المحطات الخمس السابقة، إذ تأتي هذه الانتخابات في وقت يواجه فيه العراق تحديات إقليمية ودولية واضحة، موضحًا أن هناك على الأقل مشروعين بارزين يطفوان على سطح المنطقة اليوم.
وأوضح الكندي أن الرسائل اليوم واضحة: العراق يوجّه رسائل عديدة من خلال هذه العملية الانتخابية، أهمها أن الشعب العراقي لا يزال مصراً ومؤمناً بضرورة أن يكون الخيار الديمقراطي حاضرًا وفاعلًا. كما أنه يحترم جميع الخيارات، سواء كانت بالمشاركة أو بالمقاطعة، معتبرًا أن كليهما حق دستوري مكفول للجميع.
وأشار إلى أن من أبرز ملامح هذه الانتخابات اتساع المشاركة على مستوى الكتل والقوائم وعدد المرشحين الذي يناهز عشرين ألف مرشح. ورغم أن البعض ينظر إلى هذا العدد الكبير كعامل تشويش على خيارات الناخبين، إلا أنه في الوقت نفسه يعكس اهتمام العراقيين وحيويتهم وإصرارهم على ممارسة دورهم باعتبارهم أصحاب السيادة في قيادة العملية الانتخابية.
كما لفت إلى أن مفوضية الانتخابات اليوم تمثل إنجازًا يحق للعراقيين أن يفتخروا به، فقد أدّت مهامها بكفاءة عالية في محطات سابقة، وهي اليوم تؤدي دورها في المراقبة والتنظيم وتصل بالعملية الانتخابية إلى يوم الاقتراع في أعلى درجات الجهوزية. وقد أشار إلى تقرير صدر قبل أيام عن المفوضيات الانتخابية العالمية، وضع المفوضية العراقية ضمن المراتب الخمس الأولى عالميًا من حيث الدقة والاستعداد والتنظيم، وكذلك في سرعة إعلان النتائج خلال 24 ساعة فقط.
وفيما يتعلق بشكل السلطة القادمة والتحالفات المستقبلية:
قال الدكتور مجاشع التميمي إن العراق يتمتع بنظام ديمقراطي صحيح ومتقدّم مقارنة بمعظم الأنظمة في المنطقة، فهو نظام يتيح حرية الرأي والتبادل السلمي للسلطة. لكنه أشار إلى أن اختزال النظام الديمقراطي في العراق بمجرد إجراء الانتخابات يُعدّ تقصيرًا في الفهم، لأن الهدف من الانتخابات هو إقصاء الفاسد وإحلال النزيه، واستبدال السيئ بالجيد، غير أن الواقع ما زال مليئًا بالمشكلات والأزمات.
وأوضح التميمي أن خمس دورات انتخابية وست حكومات تشكّلت منذ عام 2006 وحتى اليوم، وهي الحكومات الدائمة في العراق، إلا أن الأزمات أخذت في التوسع تدريجيًا. ورغم تحقيق بعض الإنجازات، فإن المشهد العام لا يخلو من إشكاليات وأزمات قد تؤدي – لا سمح الله – إلى سقوط النظام السياسي نفسه.

وأضاف أن وجود كتلة رافضة للمشاركة في الانتخابات يعني وجود فئة ناقمة على العملية السياسية، وليس المقصود بها التيار الصدري وحده. ففي انتخابات 2021 مثلاً، شارك التيار الصدري، لكن نسبة المشاركة كانت ضعيفة جدًا، وكذلك الحال في انتخابات مجالس المحافظات. والسبب في ذلك – بحسب التميمي – هو غياب المنجز الحقيقي.
وتابع التميمي موضحًا أن العراق، رغم كونه دولة ريعية نفطية كبيرة تمتلك ثروات وخبرات هائلة، إلا أن نسب الفقر فيه مرتفعة جدًا. وحتى الذين يتقاضون رواتب بحدود مليون ونصف دينار (أي ما يقارب ألف دولار)، فإن دخولهم لا تواكب تكاليف المعيشة المرتفعة في البلاد.
التفاصيل في الفيديو المرفق ...