لقد اتضحت الصورة ، واستدل الستار ، لتظهر الحقيقة ... الحقيقة المُرة التي أثبتت أن المواطن الفلسطيني لا يُشكل أي وزن لدى أصحاب القرار في الفصائل وأصحاب القرار السياسي الفلسطيني ، بل هو مجرد شماعة يتم تعليق عليها أطماعهم السياسية وطموحاتهم .
خمسة سنوات عجاف عاشها شعبنا في الوطن الفلسطيني وخاصة في غزة ، خمسة سنوات تقسم فيها الوطن إلى أوطان ، والعائلة إلى عائلات ، والشارع إلى أزقة ودكاكين ، وكالجميع أصبح يتمنى الفناء للآخر ، لمجرد أن أصحاب القرار لا يريدون التنازل عن مصالحهم ومصالح أحزابهم وفصائلهم لصالح هذا الوطن او المواطن أو المشروع الوطني .
الفضائيات مليئة بالمقابلات ... شخصيات تتحدث بلغة مؤدبة ... يلبسون البدل .. يعيشون في قصور بعيدة عن القهر والفقر والحصار ، الجميع يتحدث بدبلوماسية ، والمواطن يدفع الثمن ، فالثمن الذي ضحاه هذا المواطن طيلة خمسة سنوات من الإنقسام يوازي عشرات السنوات من الإحتلال والموت والإستهداف .. يوازي سنوات من الإعتقال في سجون إسرائيل ، لأن الجُرح هو فلسطيني ، لأن الصراع بين شقيقين ... ولأن الخلاف بالنهاية على مواقع ومسميات لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل وطن لا زال تحت احتلال والموت والسلب والإستيطان .
منذ خمسة سنوات ونحن نتحدث عن مصالحة فلسطينية ، والجميع يقول أنه مع المصالحة ، لكن الواقع غير ذلك ، لأن المواطن الذي يعيش ظروف الإنقسام هو أعلم بالحقيقة وهو أن الجميع لا يريد مصالحة ، لأنه لم يرى بما يمكن أن يؤسس لمصالحة على أرض الواقع ، ولما يمكن أن يكون انطلاقة لعلاقة وطنية حقيقية ننطلق من خلالها نحو الإستمرار في مشروع التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة .
لازالت هناك إجراءات على الأرض تهدد أي مصالحة ، فلا زالت الإستدعاءات الأمنية في شطري الوطن ، ولازال ملف إغلاق المؤسسات والنقابات ، ولازالت مظاهر السيطرة بالقوة هي السائدة حيث رأينا ما حصل مؤخراً من اقتحام لنقابة الصحفيين بغزة والإستيلاء عليها ، ولازال ملف المعتقلين السياسيين قائم في ظل معاناة الأهالي والعائلات .
لقد جابت الوفود الفلسطينية الكثير من العواصم ، ومنها القاهرة التي نقدر موقفها العربي الشجاع ، وتكللت الجهود بتوقيع اتفاق المصالحة في مايو الماضي ، في احتفال مهيب وجدنا فيه كُل مسؤولية وطنية عالية ، حيث خطاب السيد الرئيس وكلمة الأخ خالد مشعل ، والتي أبدت كُل استعداد لتجاوز هذه المرحلة السيئة من تاريخ شعبنا ، إلا أننا لازلنا ننتظر الوفاء بالوعود ، فشعبنا يعاني الموت البطيء ، وأصبح المرض يستشرى في الجسد الفلسطيني بسبب هذا الإنقسام .
سمعت مرة كلمة للأخ الدكتور غازي حمد ، قال فيها أن المصالحة لا تحتاج إلى السفر هنا وهناك ، فالوطن موجود ويمكن أن نجلس في أي بيت في مخيم جباليا أو الشاطئ ، لنتوصل إلى قرار فلسطيني جريء وواحد يُنهي هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا .
آن الأوان للجميع أن يقف أمام ضميره لحظة ، ليأخذ القرار الصواب في هذا الوقت الهام من تاريخ أمتنا العربية ، هذه الأمة التي أصبحت الآن تكتب التاريخ من جديد .