ولا يزال النقاش محتدما بين تيارين احدهما يعتبر تحرك الجيش المصري ودخوله على خط الازمة السياسية الداخلية بمثابة انقاذ للوطن والامن القومي المصري وآخر يعتبره تدخلا سافرا في امر لا يعنيه بل ويتهم قادته بالقيام بانقلاب عسكري مفضوح على الشرعية الدستورية والديمقراطية !
ورأيي المتواضع لا يزال هو: بان ما حدث في مصر لا يمكن وضعه في خانة الانقلابات العسكرية الصرفة المعروفة !
ولما لم يكن لدي مسطرة اقيس بها احداث مصر الا مسطرة الشعب المصري صاحب ثورة 25 يناير الحقيقي فانني مضطر لاطرح الاسئلة التالية :
اولا: اذا كان ما حصل انقلابا، فلماذا لم يقاوم بوضوح من غالبية اصحاب هذه الثورة ويوصف كذلك، خاصة وهم الذين سبق لهم ان تصدوا للمجلس العسكري مباشرة بعد انتصار ثورتهم المجيدة في 11 فبراير من العام 2011 م ونزلوا الى الشوارع بكثافة تحت شعار: يرحل يرحل حكم العسكر ؟ !
ثانيا: اذا كان ما حصل انقلابا عسكريا صرفا، فلماذا لم يعين قائد الانقلاب نفسه حاكما بامره ويباشر بتصريف امور البلاد على رغبته ورغبة صنف العسكر وهواه وهم القادرون على ذلك كما يعرف ويقر كل من يعرف مصر جيدا ؟!
ثالثا : السؤال الثالث وهو الاهم والاصعب والذي يلامس معايير قواعد الديمقراطية المتعارفة اكثر من غيره الا وهو، لماذا كانت ملايين الشعب المصري (اقرأ الاكثرية بامتياز) هي من ألحت، ومعها وجهاء وكبار قوم مصر من مختلف مكونات الجماعة الوطنية وفي مقدمتهم الازهر الشريف، على استدعاء تدخل الجيش وقيادته وهي التي لم يغادر بعد صدى رنين صوتها في فضاءات الساحات المصرية وهي تهتف يرحل يرحل حكم العسكر كما ورد اعلاه !
نعم ثمة حزب اساسي ومهم ومعه جمع يعتد به من الناس كانوا حتى الامس القريب شركاء لهؤلاء العسكر في الحكم ضمن توافقات منها ما هو علني معروف ومنها ما هو قيد الكتمان التاريخي حتى الان ‘رأوا فيه انقلابا عليهم’ وهذا من حقهم !
ولكن ماذا لو تبين لاحقا، بان هذه الفئة او هذا الحزب كان يخطط للانقلاب على عسكر بلاده، في اطار خطة او برنامج اقل ما يقال فيه انه كان يمكن ان يعرض الوطن والامن القومي للخطر !
وقد يكون الاخطر من هذا وهو ما لا نتمنى صحته بان مثل هذا الامر قد يكون في اطار تفاهمات او ضوء ‘اصفر’ من الخارج في اطار ما يخطط لجيوش المنطقة المحيطة بالكيان الصهيوني كما يشاع ! ادري ان هذا كلام لو صح خطير وخطير جدا !
وادري ان الطرف الاخر صاحب القول بالانقلاب العسكري هو من يتهم ويتبنى النظرية المقابلة وهي ان العسكر ما كان ليتحرك وينجز مهمته الا بضوء اخضر خارجي !
نترك هذه التفصيلة لحكم التاريخ المكتوم حتى الان !
ونعود الى السياق لنسأل من جديد :
اذا كان الذين يتهمون الجيش المصري بالانقلاب مهتمون باصل الديمقراطية ومغتاظون مما حصل لان من شأنه تعريض البلاد الى ما لا يحمد عقباه ‘ فما معنى ما يلي :
1 لماذا اللجوء للعنف لمنع تمكن الانقلاب من التحكم بالعملية الديمقراطية، وهم يعرفون ان ذلك قد يجر الى دورة عنف لا تحمد عقباها، وهو ما جاء في تحذيراتهم اصلا عندما نبهوا من خطورة حدوث سيناريو سوري لبلادهم ؟!
2 ما معنى صدور بيانات رسمية تستدعي الخارج الاجنبي للتدخل من اجل تصحيح مسار ديمقراطي داخلي وهم العارفون بطبيعة التدخلات الاستعمارية وتداعياتها ؟!
3 و قد يكون السؤال الاخطر لماذا تم الربط بين عمليات تقنيص واصطياد كبار الضباط المصريين والجنود في سيناء وبين ‘الانقلاب القاهري’ حتى وصل بالبعض منهم للقول بان ذلك سيتوقف فورا اذا ما اعدتم ‘المسار القاهري’ الى ما قبل حركة الانقلاب كما جاء على لسان قيادي كبير من جماعة الرئيس المخلوع ؟!
انا شخصيا ليس لدي اجابات كافية ووافية او مقنعة تماما بشأن ما حصل لانني مراقب من الخارج، لكن الذي يستوقفني كمراقب حريص على مصر الجماعة الوطنية، ومصر العربية والاسلامية، ومصر التي نعرفها ام الدنيا ‘ ومصر صاحبة العقيدة الدفاعية التي لا تزال تدرس حتى اللحظة في معاهدها الحربية بان العدو هو العدو الصهيوني، لا يجوز ان تجر الى سيناريوهات اقتتال داخلي، او حرب ‘استنزاف اهلية’ لقوتها العسكرية تفرح العدو الصهيوني ! اسئلة جدية نضعها بشكل اساسي برسم من يحرضون او يشجعون على العنف الداخلي او يصرون على استدعاء الاجنبي ‘ او يكفرون كل من يخالفهم الرأي فيما حصل او يحصل منذ الثورة تحت اي عنوان او اسم تحركوا !
ما يحزنني اكثر واعتقد انه يفترض ان يحزن الملايين من المصريين وغير المصريين من محبي مصر، واقولها والغصة في قلبي، ان بعض ما حصل خلال السنة الماضية على الاقل ‘ اي من تحريض على العنف والاقتتال الداخلي وتكفير الآخر وصل الى حد التفاخر بنحر هذا الآخر وسحله في الشوارع، واستدعاء صريح للاجنبي لحل مسألة داخلية، واعلان حرب مفتوحة على دولة عربية شقيقة، والتعدي على عمود خيمة الدولة والمجتمع المصري اي الجيش، لم يحصل في عهد الرئيس المخلوع الذي انقلبت ملايين مصر عليه دفاعا عن ثوابت امنها القومي التي يتم اليوم التعرض لها والتجريح بها لصالح مصالح فئوية او حزبية!
اعرف ان ثمة من سيتهمني بالدفاع عن عسكر مصر ضد المسار الديمقراطي، وآخر من سيتهمني بالتصيد لاخطاء جماعات الاسلام السياسي المصري ممن لم يعطوا الفرصة ليحكموا وانه قد تم التآمر عليهم مبكرا وحوصروا ووو الخ، وآخر من سيتهمني بالسذاجة لانني لا ارى تكالب الغرب الاستعماري والرجعية العربية على مصر بعد الانقلاب وزحفهم بملياراتهم النفطية اليها، لكن كل ذلك لا يبرر ‘ للاخوان ‘ الخروج على الثوابت الشرعية والوطنية التي مر ذكرها !
فسوريا مثال حي امامنا وقبلها ليبيا ‘وعدونا الاساسي بل والاوحد امامنا واضح ولا لبس فيه، وهو الشر المطلق الذي ليس فقط لا ينبغي ان نلجأ اليه او نستدعيه، بل ينبغي ان نعد العدة كل العدة لمقاتلته و نحرض الجميع بعدم الركون اليه، لا ان نساومه ونساوم اربابه في العمل السياسي اليومي، فيما نشحذ السيوف ضد منافسينا او خصومنا السياسيين الداخليين بل ونكفرهم من اجل الكرسي او الانا الحزبية !
انها لحظة التفكير والتأمل والمراجعة المطلوبة من الجميع بمن فيهم عسكر مصر الوطني والمعادي للصهيونية والاستعمار والرجعية الاقليمية.
وفسحة الامل التي لا تزال امام الجميع ليقول للعالم بان مصر اكبر مما تتصورون وانها ستبقى شوكة في حلق العدو الاساسي للامة وانها قادرة على الخروج مما هي فيه بقواها الذاتية وجماعتها الوطنية مرفوعة الرأس دائما كما كان يريد لها سعد زغلول وعبد الناصر وحسن البنا وكل قامات مصر التاريخية .
* محمد صادق الحسيني- القدس العربي