وازاء ذلك ليس من المستغرب ابدا ان يعيد التاريخ نفسه، فنواجه الجاهلية المعاصرة متمثلة بأباطرة البترودولار في مجلس التعاون الخليجي وهم يطبقون المنهج ذاته في الانقلاب على سيد المقاومة الاسلامية العلامة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله، انقلابا مخزياً، على الرغم من انهم اضطروا لمحاباته ومسايرة انتصاراته المباركة على العدو الصهيوني الغاصب لفسطين، نزولا عند ضغط الشارع، الذي لم يكن يرحم المتخاذلين والمنبطحين والذيليين قط بعد الفتح العظيم الذي تم على يديه بإمكاناته القتالية المتواضعة في حرب تموز عام 2006، وبعد اصطفاف المسلمين والعرب واحرار العالم كافة الى جانبه بلا تردد.
ومما لاشك فيه ان الموقف الاخير للمجلس البترو خليجي بإدراج حزب الله المجاهد المضحي والذي قدم للامة الاسلامية اعظم هدية في تاريخها الحديث في لائحة المنظمات الإرهابية، يفصح وبوضوح يمكن ان يغني المراقبين عن الضرب على لغة "الوَدَع" و" الاُحجيات" الكامنة في التحليلات السياسية والاستراتيجية، يفصح عن حقيقة المنظومة الرسمية الخليجية التي تريد اثبات ولاءها التام لدوائر المصالح الاستكبارية وتنفيذ أجنداتها جملة وتفصيلا سواء كان ذلك بطلب صهيواميركي او بدون طلب.
وعلى هذا الاساس يبدو ان على ابناء الامتين الاسلامية والعربية ـ ونحن منهم ـ ان يلتفتوا الى الحصيلة الهائلة من الخسائر والتضحيات والكوارث التي تكبدوها سابقا والتي يمكن ان يتكبدوها مستقبلا جراء هذا الموزائيك المتداخل في شبكة المصالح المتخادمة اذا ما تواصلت الفتنة التكفيرية الكبرى الراهنة تنفيذا لإحداثيات مشروع ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد باعتباره العنوان العريض للخريطة الجيواستراتيجية المرسومة للمنطقة.
المؤكد هنا ان الانظمة البدوية النفطية ليست سوى مطية لرسم هذه الخريطة، اذ ما عليها سوى ابداء مراتب السمع والطاعة في تنفيذ الإملاءات. فهي ليست بالضرورة عارفة بتفاصيل اللعبة الدولية، بيد انها ربما تحاول استنطاق المشهد العالمي والبناء على معطياته. ويمكن هنا مراقبة الدور المتوتر جدا الذي تمارسه السعودية في هذه المعادلة. فمن الواضح ان التعجيل في الانتقال الى الجيل الثالث من القبيلة الحاكمة في بلاد الحرمين الشريفين وذلك بعد خرف الجيل الثاني، يعطي تصورا جليا عن عمق رغبة شبيبة آل سعود في تأمين المتطلبات الاميركية الاسرائيلية الملحة لتنفيذ الخريطة الشرق الاوسطية المرسومة باسرع وقت، حتى مع تعارض ذلك مع المصالح الروسية التي وجدت نفسها مدفوعة الى الدخول في الصراع الاقليمي الراهن، إضافة الى مساعي تركيا للحصول على حصة اضافية من الكعكة الاقليمية.
وازاء ذلك يمكن معرفة المغزى من اندفاع الطبقة السعودية الحاكمة وبهذا الشكل الاستفزازي الدموي الى الاضطلاع بدور "بيضة القبان" في المنطقة وخوضها الحروب العسكرية والسياسية والطائفية والاقتصادية في لبنان وسوريا واليمن والبحرين والعراق ونيجيريا، بل وربما يصح القول بأنها تخوض ذلك في مشارق الارض ومغاربها للبرهنة على انها مازالت لاعبا وليست ملعبا وكل ذلك مخافة ان تطرد من المنظومة السياسية الاقليمية والدولية غير مأسوف عليها.
الجمهورية الاسلامية التي تراقب بدقة الاوضاع والتحركات العسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والتي تدرك ايضا ان الشرق الاوسط مقبل على تطورات خطيرة، تكافح بلا هوادة لتجنيب المنطقة وشعوبها ويلات السيناريو الصهيواميركي القائم حاليا على استغلال الفتنة الطائفية وكرة النار التكفيرية باتجاه ممارسة المزيد من الأرباك والفوضى والنزاعات في العالم الاسلامي.
وايران التي حذرت السعودية مرارا وتكرارا من التمادي في سياسة الغطرسة والحقن الطائفي البغيض، ارسلت الى الرياض العديد من الرسائل الحريصة على ضرورة ان تغلب الرياض المصالح الاسلامية العليا للامة وتنبذ دبلوماسية التصعيد وتتخلى عن لغة التهديد والوعيد، لاسيما على مستوى الازمات الحادة التي افتعلتها في سوريا والعراق واليمن والبحرين واخيرا وليس آخرا في لبنان، عبر سياسة الاساءة والتشهير والتطاول على حزب الله المجاهد وسيد المقاومة العلامة السيد نصرالله (دام ظله) بما يمثله من ثقل اسلامي وجهادي وتضحوي عظيم في نفوس الامة الاسلامية. الامة التي تشعر بأنها ستظل مدينة لهذا القائد الغيور لدوره الخالد في تلقين "اسرائيل" المجرمة درسا لن تنساه الى الابد.
الموقف الايراني هذا تؤكده التصريحات التحذيرية الصادرة عن كبار المسؤولين في طهران والتي تلقي على السعودية مسؤولية توتير الاوضاع الاقليمية، والتي تنصحها بالتراجع والاحتكام الى لغة المنطق والحوار، وتدعوها الى معالجة أصل المشكلة بين ظهرانيها، وفي مقدمة ذلك اجتثاث جذور التطرف الطائفي التكفيري من بلاد الحرمين الشريفين، والانفتاح على العالم برؤية اكثر تحضرا.
(يتبع)
* حميد حلمي زادة
2-210