الغوطة إلى واجهة الحدث مجددا، ماذا في الهوامش؟

الغوطة إلى واجهة الحدث مجددا، ماذا في الهوامش؟
الإثنين ١٩ فبراير ٢٠١٨ - ٠٥:٤١ بتوقيت غرينتش

نقلَ الجيش السوري تعزيزاتٍ عسكريّةً وُصِفَت بـ”الضخمة” إلى مطارِ الضمير العسكريّ، وذلكَ تحضيراً لإطلاقِ معركةٍ في الغوطةِ الشرقيّة بهدفِ استعادةِ السيطرةِ عليها على حسابِ الفصائلِ المسلّحةِ المُنتشِرَة شرقيّ العاصمة.

العالم - مقالات وتحليلات

مصادرُ ميدانيّةٌ أكّدت أنَّ تأجيلَ العمل العسكريّ في الغوطةِ حتّى هذا الوقت كان نتيجةَ موقف الجيشِ القويّ حولَ العاصمةِ على الرغم من المحاولاتِ المتكرِّرةِ من قِبَلِ الفصائلِ المسلّحة لاختراقِ دفاعاتِ الجيشِ السوريّ نحو عُمقِ دمشق كما حدثَ في معركةِ “إدارة المركبات”.

وكانت جبهاتُ المناطق الشرقيّة والشماليّة أكثر أولويّةً في الحساباتِ السياسيّةِ والعسكريّة بالنسبةِ لدمشق، وبعد تحقيقِ منجزاتٍ ميدانيّةٍ خطلت الأوراقَ السياسيّةَ من جديد وشكّلت عموداً فقريّاً لمواقفِ دمشقَ على طاولةِ السياسة، جاءَ وقتُ الغوطةِ بالاستفادةِ من حجمِ المجهودِ العسكريّ الذي وفّره خروج عددٍ كبيرٍ من الجبهاتِ من الحساباتِ الميدانيّة بإنجازِ مهامِها كما حدثَ في ديرِ الزورِ وإدلب، ومن قبلهما في حلبَ وأريافِ الرقة وحمص وحماة.

مصدرٌ ميدانيٌّ سوريٌّ أكّدَ أنَّ العمليّةَ تحظى بتأييدٍ كبيرٍ من الشارعِ السوريّ، خاصّةً في العاصمةِ دمشق التي تشهدُ يوميّاً سقوطَ عددٍ كبيرٍ من القذائفِ المتنوّعةِ (هاون – صاروخيّة)، اعتبر أنَّ القوّاتِ التي وصلت بالإضافة إلى القوّات المتموضعةِ على خطوطِ التماسِّ المباشرِ تجعلُ من حسمِ المعركةِ مسألة وقتٍ قد لا يطول، إلّا أنَّ المصدرَ وهو أحدُ القادة الميدانيّين من المستوى الأوّل، أكّدَ أنَّ “الفصائلَ في الغوطةِ الشرقيّة ليست هيّنةً، وتمتلكُ عدداً ضخماً من الانتحاريّينَ في منطقةٍ مُعقدةٍ جغرافيّاً، كما أنَّ وجودَ المدنيّين في المناطقِ التي ينطلقُ منها المسلّحون في هجماتِهم قد يُعقّدُ الحسابات قليلاً حالَ بدء العمليّة”.

وفي حين أنَّ الفصائلَ المسلّحةَ تتحصّنُ في مناطقَ كُبرى مثل “عربين – زملكا – جوبر – عين ترما – النشابية – محيط تل كردي”، كخطوطِ دفاعٍ أُولى عن مدينةِ “دوما” التي تُعدُّ عاصمةً لـ”جيشِ الإسلام” والفصائلِ المتحالفةِ معه، وأنَّ الخلافاتِ الداخليّة بين الفصائلِ قد تتلاشى مع إطلاقِ الجيشِ السوريّ للمعركة، ما لمْ تنعكس الخلافاتُ الإقليمّية على الحدث، إذْ إنَّ بعضَ المراقبينَ للملفِّ السوريّ، يربطون مواقفَ الفصائلِ المسلّحة في الغوطةِ بمواقفِ الدولِ الداعمةِ لها، وفي حساباتِ الغوطة، تحضّرُ دولٌ مثل السعوديّة وقطر على المستويينِ الميدانيّ، وإنْ كانت الرياضُ تمتلكُ نفوذاً قويّاً على “جيشِ الإسلام”، فإنَّ الدوحةَ تتحكّمُ بكاملِ قراراتِ “فيلق الرحمن” الميّالِ للإخوانِ المسلمين، وبالتالي قد يكونُ ثمّةَ مواقفَ متضارِبة من قِبَلِ هذه الفصائلِ فيما لو توجّهت إحداها للدخولِ في “مفاوضاتِ مُصالَحة”، وإنْ ذهبَ فيلقُ الرحمن أوّلاً نحو مثل هذه الخطوة وهو من الفصائلِ المُوقِّعَة على مُخرجَات أستانة، فإنَّ جيشَ الإسلام لنْ يقبلَ بمثلِ هذه الخطوة، والعكس صحيح.

وفي هذا السياق، يُرجّحُ مصدرٌ دمشقيٌّ أنَّ ثمّةَ مجهوداً سياسيّاً كبيراً سيُبذلُ من لجانِ المصالحةِ في مناطق الغوطةِ للتنسيقِ مع الحكومةِ السوريّة بهدفِ إنهاءِ الوجودِ المسلّحِ في الغوطةِ بأقلِّ قدرٍ من المعاركِ والقتال، الأمرُ الذي لنْ ترفضه دمشق؛ لأنّه يوفّر عليها كثيراً على المستوى العسكريّ بشريّاً وماديّاً، ويوضّحُ المصدرُ أنَّ مناطقَ خارجةٌ من دائرةِ المعاركِ بهدنةٍ طويلةٍ مثل “ببيلا – بيت سحم – يلدا”، قد تكونُ أُولى المناطق التي تُطبّق بها مثل هذه الاتّفاقيّات، ليكون ثمّةَ سلسلة من الاتّفاقيّاتِ التي تضمنُ من خلالِها الحكومةُ استعادةَ السيطرةِ عسكريّاً وسياسيّاً على مناطقَ شرق العاصمة.

حجمُ القدراتِ العسكريّة التي وفّرتها الحكومةُ السوريّةُ لمعركةِ الغوطة، يُشيرُ إلى أنَّ موقفَ دمشق يحظى بتأييدٍ من الدولِ الحليفةِ لها خاصّةً موسكو التي قد تعملُ على توفيرِ الغطاءِ الجويِّ لمثلِ هذه المعركة، وكلّ الاحتمالاتِ التي تُوردُها المصادرُ السياسيّة والميدانيّة حولَ طبيعةِ العملِ العسكريّ وآليّاتِ المفاوضاتِ في حالِ حدوثِها تبقى رهينةً بمفرزاتِ العملِ العسكريّ الذي قد يُشكّلُ الضغطَ اللّازمَ على فصائلِ الغوطةِ لتقبلَ بـ”الخروجِ إلى إدلب” إنْ طُرِحَ هذا الخيارُ على طاولةِ التفاوض.

في جانبٍ آخرَ، تقولُ مصادرُ سياسيّةٌ سوريّةٌ “إنَّ مثلَ هذه العمليّة على المستوى السياسيّ، تُعدُّ إنهاءً لقوّةِ ورقةِ “أمن العاصمة” التي كانت بيدِ المحورِ المعادي لدمشق ورقة قوّةٍ لوقتٍ طويلٍ من عُمْرِ الأزمةِ السوريّة، الأمرُ الذي يضعُ في حساباتِ الدولةِ الداعمةِ للمسلّحينَ في محيطِ دمشقَ أنَّ ضرورةَ الحفاظ على هذهِ الورقةِ تعني ضرورة إطلاقِ حملةٍ سياسيّةٍ وإعلاميّةٍ مضادّةٍ للتحرّكِ السوريّ باتّجاهِ الغوطة.

وتُرجّحُ بعضُ المصادرِ الدمشقيّة أنْ يكون ثمّةَ مزاعم باستخدامِ الأسلحةِ الكيميائيّة من قِبَلِ الجيشِ السوريّ في الغوطةِ، مَا يمنحُ الدولَ الداعمةَ للفصائلِ هوامشَ لشنِّ هجومٍ سياسيٍّ وإعلاميّ، من شأنِهِ أنْ يضغطَ على دمشقَ عبرَ حلفائِها لوقفِ العمليّة، ومن المتوقّع أنْ تلعبَ فرنسا دورَ “رأس الحربة” في حال بدء مثلِ هذا الهجومِ السياسيّ والإعلاميّ، وذلك قياساً على المواقفِ الفرنسيّةِ الأخيرةِ التي زعمت من خلالِها باريس امتلاكها لأدلّةٍ تُثبتُ استخدامَ دمشقَ للأسلحةِ الكيميائيّة.

يُشارُ إلى أنَّ “جيشَ الإسلام” هو أكبرُ الفصائلِ المنتشِرةِ في الغوطةِ الشرقيّة، ويليه تنظيمُ “جبهة النصرة” الذي ينتشرُ في مناطق مثل “زملكا – عربين”، في حين يتساوى تقريباً كلّ من “فيلقِ الرحمن” و”حركة أحرار الشام” من حيث الانتشارِ والعددِ والقوّةِ الميدانيّة، أمّا تنظيمُ داعش، فهو غيرُ موجودٍ في كاملِ الغوطةِ بفعلِ المعركةِ التي شنّها زعيم “جيشِ الإسلام” السابق “زهران علوش” على مواقعِ التنظيمِ في الغوطةِ الشرقيّة، لينسحبَ منها إلى منطقةِ “الحجر الأسود” الواقعةِ إلى الجنوبِ من العاصمةِ السوريّة.

محمود عبد اللطيف - آسيا

2-10