ما بعد خان شيخون...

ما بعد خان شيخون...
الجمعة ٢٣ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٣:٥٩ بتوقيت غرينتش

التطورات الميدانية المتسارعة التي تشهدها محافظتا إدلب وحماة تمهد لتحول شديد الأهمية في المشهد السوري بأكمله. وفيما عكست المجريات العسكرية حالة تخبط شديد في صفوف المجموعات المسلحة، تبدو أنقرة في حالة «لا تحسد عليها»، ظاهريا على الأقل.

العالم - سوريا

يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، في مسار تصاعدي. وفيما حملت أنباء عن انسحاب شامل نفذته المجموعات المسلحة على مختلف مشاربها من مساحات شاسعة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، جاءت الساعات التالية بمعطيات أشد وضوحا وكشفا لما ال إليه الواقع الميداني، الذي ينبئ بأن جيب ريف حماة الشمالي بات في حكم الساقط عسكريا. وبخلاف الأنباء الأولى، اتضح أن المجموعات نفذت انسحابات من مراكز المدن والقرى، ليعيد بعضها التمركز في عدد من النقاط والتلال المحيطة بتلك المراكز. وتراشقت المجموعات الاتهامات حول المسؤولية عن الانكسار الكبير الذي منيت به، إذ حاولت "هيئة تحرير الشام" الارهابية الإيحاء بأن المسؤولية تقع على عاتق معظم المجموعات التي يسمونها "غير الجهادية"، ولا سيما "الجبهة الوطنية للتحرير" و"الجيش الوطني")، لأنها "تخلفت عن الانخراط في المعركة بالزخم المناسب"، فيما اتهم "جيش العزة" بتنفيذ انسحابات "سابقة لأوانها"، وفقا لما قاله مصدر مرتبط بـ"تحرير الشام" لـ"الأخبار". في المقابل، عزا "جيش العزة" انسحاباته من كل من اللطامنة وكفر زيتا إلى "فشل الهيئة في استعادة مدايا وتلة النمر، وعجزها عن منع سقوط خان شيخون"، ما يجعل "التشبث بكفر زيتا واللطامنة مهمة مستحيلة، مفتوحة على خسارات فادحة".

وتحاول أوساط المجموعات المسلحة الإيحاء بقدرتها على شن معارك استنزاف، انطلاقا من نقاط انتشارها على بعض التلال، نحو تمركزات الجيش السوري وحلفائه في المناطق المستعادة حديثا. لكن لغة الميدان تؤكد أن مدينة خان شيخون في طريقها إلى أن تصبح قريبا علامة ميدانية فارقة بين مرحلتين، قبلها وبعدها. إذ بدا لافتا أن دمشق لم تتعجل بإعلان نتائج العملية العسكرية، على رغم التقدم الكبير الحاصل، ما قد يفسر بأن بوصلة عمليات الجيش وحلفائه لا تبدو مضبوطة على مقاس المدينة الاستراتيجية فحسب، بل تتجاوزها نحو توسيع العمليات على غير جبهة، وفي غير اتجاه. ومن بين القراءات الجديرة بالاعتبار لتطورات الميدان، أن أهداف توسيع العمليات شمال خان شيخون تتجاوز قطع خطوط الإمداد، لتشتمل على بسط السيطرة على أكبر مسافة ممكنة من أوتوستراد حلب دمشق الدولي (M5). وفي الوقت نفسه، تؤشر معطيات ريف اللاذقية الشمالي على أن تلك الجبهة مرشحة للانعطاف نحو مستوى جديد من التصعيد، في مسعى من الجيش وحلفائه إلى إنهاء وجود المجموعات "القاعدية" في مرتفعات كباني وما يليها، تمهيدا لتدشين مسار جديد للعمليات نحو مدينة جسر الشغور الاستراتيجية. ولا يبدو مستبعدا أن يرجأ إعلان أي إنجاز عسكري، حتى استكمال بنك أهداف عسكرية وسياسية للمرحلة الحالية من العمليات.

تبنى أوغلو لهجة تصعيدية، بينما تمسك لافروف بدعم بلاده للجيش

الثابت أن الأسابيع الثلاثة التي تفصلنا عن موعد انعقاد القمة الرئاسية الثلاثية لـ"ضامني أستانا" (الموعد المبدئي 11 أيلول/ سبتمبر) تعد بتطورات حافلة قد تشكل مفتاحا لمرحلة مختلفة كليا عما سبق. وتقول مصادر دبلوماسية (غير سورية) مواكبة لكواليس "أستانا" بنسخه المتعددة إن "القمة الثلاثية ستحسم، على الأرجح، مسائل بالغة الأهمية، على رأسها حتمية البدء في تنفيذ الاتفاقات السابقة ووفق جداول زمنية واضحة، إضافة إلى وجهة المسارين السياسي والعسكري للشهور القادمة". ومن بين التفاصيل البالغة الأهمية في جدول الاتفاقات المبرمة سابقا، يأتي "تفكيك هيئة تحرير الشام"، وهو ملف بالغ التعقيد، لا يبدو أن في وسع أنقرة (بفرض توافر النيات) تنفيذه بيسر. ويضاف إلى ذلك، تفصيل اخر يتعلق بفتح الطريقين الدوليين "M4، وM5"، واليات مراقبتهما لاحقا. وتبرز في هذا السياق توقعات بنقل نقاط المراقبة التركية الواقعة في مربعات العمليات العسكرية الحالية إلى نقاط تشرف على طريق حماة حلب الدولي، وتتحول إلى جزء من اليات إدارته مستقبلا، على رغم التأكيدات التركية أن النقاط الحالية لن تسحب. وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد أكد ، أن بلاده "لا تنوي نقل نقطة المراقبة التاسعة إلى مكان اخر". جاء ذلك في إطار مؤتمر صحافي عقده أوغلو، وتبنى فيه لهجة تصعيدية، إذ حذر دمشق من "اللعب بالنار". وتعليقا على قطع الطيران السوري الطريق على رتل تركي كان متجها نحو نقطة المراقبة التركية في مورك، قال المسؤول التركي إن "على "النظام" السوري ألا يلعب بالنار، وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا". وأكد أن بلاده "تجري اتصالات على جميع المستويات مع روسيا".

وفي المقابل، تمسك المسؤولون الروس بلهجتهم الداعمة للعمليات العسكرية، إذ أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن "الإرهابيين في إدلب يواصلون اعتداءاتهم على المدنيين، ولا يمكن السماح باستمرار الوضع على ما هو عليه". وليس من المتوقع أن تغامر موسكو بالمضي بعيدا في تأزيم العلاقة مع أنقرة، في ظل احتفاظ الأخيرة بالقدرة على التأثير في معادلات الميدان والسياسة في سوريا، علاوة على تشابك المصالح بين الطرفين في كثير من الملفات التي تتجاوز الملف السوري. وتجدر مراقبة مجريات ريف حلب الشمالي (منطقة تل رفعت) قبل الجزم بحقيقة المسارات المعقدة التي تسلكها توافقات الطرفين.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن أياما قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الثالثة لعملية "درع الفرات" (24 اب 2016) التي كانت عنوانا لتوغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية، وشكلت مقدمة لفرضه احتلالا عسكريا مباشرا لالاف الكيلومترات.

صهيب عنجريني - الأخبار(بتصرف)