ألا تبالغ الإمارات في إثبات ولائها لإسرائيل؟

ألا تبالغ الإمارات في إثبات ولائها لإسرائيل؟
الثلاثاء ١٨ مايو ٢٠٢١ - ٠٨:٣٤ بتوقيت غرينتش

فاجأ حكام الإمارات، حتى أكثر العارفين بهم من الخليجيين، بانحيازهم العلني، لا إلى "إسرائيل" فحسب، بل إلى أقصى اليمين فيها، وفي اللحظة التي يوغل فيها العدو في الدم الفلسطيني، بما يجعلهم شريكا كاملا في الجريمة، ويحملهم بالتالي تبعاتها.

العالم - الإمارات

لم يطل الأمر كثيرا بحكام هذه الدولة الأصغر عمرا من إسرائيل نفسها، حتى يحسموا أمرهم بالوقوف علنا مع العدو، ومن موقع الراغب، لا من موقع المكره، فأكدوا بذلك، مرة أخرى، الطبيعة التي أقيمت على أساسها الدولة، لتكون قاعدة عسكرية للغرب و"إسرائيل" في منطقة الخليج الفارسي.

وعليه، بدت دولة «عيال زايد» معزولة في محيطها، الذي امتلأ فضاؤه الإلكتروني بتعبيرات الغضب المنصبة عليهم، في غياب أي وسيلة أخرى للتعبير، نتيجة انعدام الحريات السياسية في معظم دول مجلس التعاون.

وطغت حال من الاشمئزاز، بحيث تحدث كثر ممن زاروا الإمارات سابقا، وكانوا يرغبون في زيارتها مجددا، عن جفلهم من فكرة الذهاب إلى هذا البلد بعد الآن.

في السعودية والبحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان، وحتى داخل الإمارات نفسها، ساوى الناس بين حكومة أبو ظبي وحكومة تل أبيب في كراهيتهما للفلسطينيين والعرب، من خلال تعليقات من مثل «الإمارات المتصهينة» و»الإمارات تحارب فلسطين».

فحتى وفق مقاييس اتفاقات التطبيع العربية الموقعة مع كيان العدو، القديم منها والجديد، ينفرد الاتفاق الإماراتي بكونه تحالفا عسكريا واقتصاديا مع هذا الكيان، كان قد تم الإعداد له منذ وقت طويل، ثم حانت لحظة اضطلاع أبو ظبي بالدور المنوط بها، في مشروع إخضاع الشرق الأوسط، بينما تستعد واشنطن للتراجع عسكريا منه، وإدارته بالوكالة، عبر "إسرائيل" ودول كالإمارات.

العودة إلى التاريخ تشير إلى أن أي رهان على قرار مغاير من جانب حكام هذه الدولة، يعد وهما. لقد فعل حكام الإمارات الأمر نفسه عند التأسيس، حين انسحب البريطانيون من ساحل عمان في أواخر ستينيات القرن الماضي، وسلموا البلد لزايد بن سلطان آل نهيان، بعدما أطاحوا أخيه شخبوط، تمهيدا لإعلان الدولة في عام 1971.

ولم يكن الانقلاب على شخبوط وحده، بل على القبائل الأكثر عراقة على الساحل العماني الذي يمثل دولة الإمارات اليوم، من مثل قبائل «النعيم» و»الشرقي» و»القواسم» و»المعلا»، الذين يحكمون الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان وأم القيوين. وقد حكم بهم البريطانيون قبائل «البوفلاح» التي ينحدر منها آل نهيان، و»البوفلاسة» التي يأتي منها آل مكتوم. وهؤلاء يعتبرون دخلاء على المشيخة في تلك المنطقة.

ثمة معارضة داخل الإمارات للتطبيع مع العدو، حتى بين شيوخ العائلات الحاكمة

ولا يفعل ‏‎حكام الإمارات سوى أنهم يسقطون هذا التاريخ على حاضرها. والتحالف مع "إسرائيل"، في هذه الحالة، هو الطريق التي يسلكونها للمحافظة على نظامهم، إذ لا تكتفي أبو ظبي بالتأييد العلني لتل أبيب، والعداء للفلسطينيين، بل تشارك فعليا في العدوان عليهم.

وبمعزل عن دقة التقارير التي تحدثت عن مشاركة طائرات وطيارين إماراتيين مباشرة في القصف على غزة، منهم الطيارة الشهيرة مريم المنصوري التي نفت في شريط صوتي منسوب لها أي مشاركة لها، مؤكدة تضامنها مع قطاع غزة، وأنها لم تلبس ثياب العيد حزنا عليهم، فثمة تطورات سبقت أو واكبت العدوان، تشير إلى تورط إماراتي مباشر في نزف الدم الفلسطيني:

أولا: تصريح رسمي يساوي بين الطفل الفلسطيني المقتول والجندي الإسرائيلي القاتل؛ فبعد أيام من التخبط في الموقف على وقع ثورة خليجية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد اتفاقات التطبيع، جاء الموقف الصادم لوزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، الذي عبر عن قلق بلاده البالغ إزاء تصاعد أعمال العنف «في إسرائيل وفلسطين»، معزيا «بجميع الضحايا» الذين سقطوا من جراء أعمال العنف الأخيرة.

الوزير الذي وقع بنفسه اتفاق التطبيع مع بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض بمشاركة دونالد ترامب، لا يعنيه الفلسطينيون. هو يعول فقط «على ما تحمله اتفاقات أبراهام من وعود لأجيالنا الحالية والمقبلة بالعيش مع جيرانهم في سلام وكرامة وازدهار».

ثانيا: مشاركة طيارين إماراتيين بطائراتهم الحربية في مناورات موسعة استمرت عشرة أيام تحت اسم «إينوخوس» في اليونان، مع طيارين إسرائيليين الشهر الماضي، أي قبل أسابيع قليلة على العدوان. ولا بد أن الطيارين الإسرائيليين استفادوا من المهارات الإضافية التي اكتسبوها في تلك المناورات، في قتل أطفال غزة.

ثالثا: اعتقال قوات الاحتلال نائب رئيس «الحركة الإسلامية» داخل الخط الأخضر، الشيخ كمال الخطيب، الذي كشف عن عمليات إماراتية لشراء بيوت وعقارات لفلسطينيين في القدس المحتلة، ثم تسريبها للاحتلال الإسرائيلي.

ومرة أخرى، أطلق «عيال زايد» الذباب التطبيعي، إلا أنه لم يصمد أمام الموجة الكاسحة من الإماراتيين والخليجيين والعرب المتضامنين مع غزة وفلسطين. هذه المرة، قاد «الذباب» قائد شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان التميم، ومفسر الأحلام، الداعية المزعوم وسيم يوسف، ليتبنى الرجلان المحكية الإسرائيلية للأحداث بالكامل، فسعيا إلى تحميل مسؤولية ما يجري في فلسطين إلى حركة «حماس» و»الإخوان المسلمين»، والضرب على وتر الفتنة المذهبية، مبرئين "إسرائيل" من دم الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين والمقاومين، ومن تدمير المنازل وتهجير السكان، بشكل لم يسبق حتى لأشد حلفاء "إسرائيل" تطرفا في العالم فعله.

وحتى في "إسرائيل" نفسها، قد يجد المرء رأيا مخالفا لرأي الحكومة اليمينية الحالية، هو أخف وطأة من موقف حكام الإمارات، في ما خص الصراع بين "إسرائيل" والعرب. وضمن تغريدات متتالية، تساءل ضاحي: «كيف يتوقع إسماعيل هنية وخالد مشعل نصرا من الله وهما يتحالفان مع من يطعنون في أصحاب رسول الله؟».

‏‎أما وسيم يوسف، الأردني المجنس إماراتيا، والمقرب من محمد بن زايد، فقد زور محادثة هاتفية بين ضابط إسرائيلي و»مقاتل من حماس»، يطلب الأول فيها إخلاء عمارة تمهيدا لقصفها، ليغمز من قناة «علاقة» بين الطرفين، علما بأن المكالمة أجراها الضابط المذكور بأحد السكان الفلسطينيين في «برج هنادي» الذي سوته "إسرائيل" بالأرض في بداية العدوان، لا مع مقاتل من «حماس»، كما ادعى يوسف. فهل يدعو يوسف إسرائيل إلى قصف العمارات الفلسطينية على رؤوس ساكنيها؟ إذا كان هذا ما يريده، فيبدو أن الإسرائيليين الذين يعرفونه جيدا، ويستشهدون به، استجابوا لرغبته، وجاء القصف التالي على رؤوس المدنيين، من دون سابق إنذار.

يقامر حكام أبو ظبي حين يربطون مصيرهم بمصير اليمين الإسرائيلي المتطرف، فثمة معارضة داخل الإمارات للتطبيع مع العدو، حتى بين شيوخ العائلات الحاكمة؛ إذ إن حكام الشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين لم يصدروا أي تأييد رسمي لاتفاق التطبيع عند توقيعه العام الماضي، مع الإشارة إلى أن لدى بعض الشيوخ، مثل قواسم الشارقة، ميولا قومية.

وفي هذا الإطار، عبر المعارض الإماراتي، حمد الشامسي، عن مدى خطورة تلك المقامرة، بقوله إن «المطبعين مع الاحتلال ركبوا السفينة الخطأ، في الوقت الخطأ، والسفينة عندما تغرق، يغرق من فيها!».

المصدر: جريدة الأخبار