العقد الثامن وزوال 'إسرائيل'.. هواجس الدمار تلاحق قادة الاحتلال

العقد الثامن وزوال 'إسرائيل'.. هواجس الدمار تلاحق قادة الاحتلال
الثلاثاء ٠٧ مارس ٢٠٢٣ - ٠٦:٤٤ بتوقيت غرينتش

منذ 75 عاماً وجد كيان غريب في قلب العالم العربي أطلق عليه اسم 'إسرائيل' هذا الكيان أريد له أن يكون دولة ليهود العالم في 14 من مايو لعام 1948؛ فاجتمعوا كلهم بهذا المسمى، وظنوا أن باجتماعهم هذا ستكون لهم الغلبة، ولكنهم اكتشفوا الآن أن هذا الاجتماع لم يكن إلا سبباً من أسباب هزيمتهم فكيف هذا؟

العالم - مقالات وتحليلات

هواجس الزوال والدمار تلاحق كيان الاحتلال الإسرائيلي ومفكريه، وكان آخرهم الرئيس السابق لجهاز الأمن العام في الكيان (الشاباك) يوفال ديسكين، الذي قال إن الكيان على وشك أن تندلع فيه حرب أهلية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، إذ تزامنت هذه التصريحات مع احتجاجات واسعة شهدها الكيان، شارك فيها الآلاف، وهذه الاحتجاجات بسبب الصراع بين الطبقة الحاكمة المتطرفة في كيان الاحتلال، والمستوطنين الذين يريدون أن يتظاهروا بالاعتدال، والخلافات بين الجانبين هي بسبب ملفات القضاء ومحاسبة الفاسدين ومنهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد.

هذه التصريحات تتقاطع مع ما قاله البروفيسور دانيال كانمان الباحث الإسرائيلي والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي قال إنه قلق من زوال كيان الاحتلال أكثر مما كان في حرب عام 1973، إذ أشار إلى أنه يخاف من الانقلاب القضائي، في إشارة إلى خطة تدفعها حكومة نتنياهو المتطرفة لتنفيذ إصلاحات على نظام القضاء، وهو ما يتقاطع مع ما صرح به وزير حرب الاحتلال بيني غانتس، الذي سبق وعبّر عن مخاوفه الوجودية على مستقبل 'إسرائيل'، وقال إنّ هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على 'إسرائيل' في المستقبل القريب، وأن الدولة اليهودية ستتقلص في السنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة.

وذلك بالإضافة إلى مقالة نشرت لرئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك، الذي شغل أيضاً مناصب عليا، بينها رئاسة الأركان في جيش الاحتلال، وأثار فيها قلقاً كبيراً مما سمّاها (لعنة العقد الثامن) التي عاشتها الممالك اليهودية السابقة، وقد تطيح بدولة الاحتلال في السنوات القريبة، هذه الأمور ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات كثيرة في الأراضي المحتلة، أهمها مشروعية الوجود الفلسطيني، وبالتالي كل من يعيش في 'إسرائيل' يعلم كل العلم أنّ وجوده آني وليس أبدياً،

وما قاله هذان المسؤولان ليس من فراغ بل هو مزروع في وجدان الإسرائيليين جميعهم ويظهر دائماً في تحركاتهم مثلاً: قبل مدة قُتل جندي إسرائيلي برصاص جندي آخر في طولكرم، لأنّ الأول خرج من المحرس وعندما عاد ظن زميله أنّه فلسطيني وعلى الفور أطلق النار عليه، إن هذه الواقعة تدل على أمر مهم جداً وهو عقيدة الخوف من أيّ شيء فلسطيني، وهو أمر صوِّر ليكون أسلوب حياة، فعندما تصدر جامعة تل أبيب قراراً بمنع رفع الفلسطينيين الذين يدرسون فيها علم بلادهم، هذا يجعلك تعلم أنّ أربعة ألوان كفيلة بجعل جامعة كاملة ترتجف خوفاً منها. خصوصاً وأنّ الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948 تغلغلوا في المجتمع الإسرائيلي، وشكلوا قوة حقيقية فيه، قوة يمكنها أن تكون الثغرة التي قد تعبر منها المقاومة إلى تلك المناطق إن 'أرادت'.

يتكون المجتمع الإسرائيلي من قوميات عدة وفي رأسها اليهود 'الأشكناز' الذين قدموا من أوروبا الشرقية وسيطروا على الكيان سيطرة كاملة وتولوا مقاليد الحكم، ومُثِّلوا لاحقاً بحزب العمل، وهنا عمل هذا التيار على إدخال العلمانية بطريقة ما إلى كيان الاحتلال وخلق نوعاً من التزاوج بينهما، إلا أن ذلك لم يعجب التيار المتطرف من اليهود الذين أجرى انقلاباً سياسياً عام 1977 إثر فوز حزب الليكود اليميني المتطرف بالانتخابات،

وهذا جعل المتطرفين اليهود يحكمون البلاد بوجه ما يسمون أنفسهم بالعلمانيين، فباتت أحياء بأكملها في القدس المحتلة والمدن الفلسطينية المحتلة الأخرى تخضع لسيطرة المتطرفين وخارجة عن نطاق دولة الاحتلال. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ هذا الكيان من ناحية التغير في التركيب الاجتماعي وطبقاته وفي علاقة الجماعات المختلفة بعضها ببعض أو علاقتها بالدولة.

الصراعات والانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي تؤدي إلى خلخلة الوضع خلخلة دائمة، هذا المجتمع يعاني من انقسامات داخلية عدة، خاصةً في ظل قرب اختفاء اليسار الإسرائيلي من الساحة السياسية إذ إنه يمثل العلمانية لليهود. وذلك بعد أن ظهرت بوادر تحول النظام السياسي إلى نظام يميني عنصري؛ فموجة العنصرية والتعصب أصابت مفاصل مهمة في المجتمع الإسرائيلي، سواء بالفتاوى الدينية أم بالقرارات والقوانين الحكومية.

المجتمع في كيان الاحتلال يعاني من أزمة هوية حقيقية، لأنه يحاول الاهتمام بالمهاجرين اهتماماً كبيراً، ليكونوا مصدر شرعية له بالخارج، لكن اليهود الذين يعيشون داخل كيان الاحتلال، يكونون دائماً مستعدين للهجرة منه إن وجد أي تهديد عليهم ولو صاروخ سقط في منطقة مفتوحة أو ترابية. لذلك من يتابع قنوات الاحتلال التلفزيونية ومواقعه الإلكترونية يرى أن هناك إعلانات دائمة تروج لإجراء سياحة في فلسطين المحتلة بدلاً من الذهاب إلى أوروبا، أو وضع تسهيلات كبيرة لليهود المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا للقدوم إلى فلسطين المحتلة

وهذا يؤكد أن هناك أزمة كبيرة تضرب في صميم المجتمع الإسرائيلي. وفقاعة الأمان التي حاول الاحتلال الإسرائيلي إيجادها والاحتماء داخلها منذ عام 2011 هو أول من بدأ ثقبها، وبذلك تناثرت هذه الفقاعة وانتهاء وجودها حتميّ باعتراف قادة الكيان، وبدأت عمليات المقاومة الفلسطينية تثبت لنا جميعنا أن الكيان هش جداً وهو أضعف من أن يحمي بعوضة بل وأوهن من بيت العنكبوت، وبسبب هشاشته وحتمية زواله بأيدي قادته بدأت هجرة عكسية في كيان الاحتلال نحو أوروبا والولايات المتحدة.

ربما تلجأ حكومة الاحتلال إلى تصدير أزمتها بطرق عدة مثلاً باستفزاز إيران للدخول في مواجهة عسكرية معها، وبالتالي يُغلق الملف الداخلي الإسرائيلي لمرحلة من الزمن، أو التصعيد بحق الفلسطينيين خصوصاً في شهر رمضان المبارك، وزيادة اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وبالتالي يشتبك المقدسيون وجيش الاحتلال وهذا سيدفع المقاومة في قطاع غزّة للدخول إلى الخط وردع جيش الاحتلال، ولكن هذه السيناريوهات جميعها لن تفيد لأن المجتمع الصهيوني يعي تماماً حجم الأزمة التي يعاني منها والانفجار الداخلي ليس ببعيد.

بقلم : علي العبيدي

السفير الليبي في طهران