أردوغان وخسارته المزمنة في سوريا

أردوغان وخسارته المزمنة في سوريا
الثلاثاء ٠١ مارس ٢٠١٦ - ٠٥:٢٤ بتوقيت غرينتش

سياسة الدفع بتركيا نحو الهاوية من قبل امريكا عبر تحريض اردوغان، باتت واضحة المعالم، فقد استمر القصف التركي لمواقع وحدات حماية الشعب الكردي التي تقاتل “داعش” في تل ابيض واعزاز رغم الهدنة الامریکیة الروسية، وهذا القصف هو تجسيد عملي للموقف الذي أعلن عنه رئيس الوزراء احمد داوود اوغلو عندما رفض التزام بلاده بالهدنة اذا كانت تهدد الأمن القومي التركي !!!.

من بين كل الخاسرين في الحرب المفروضة على سوريا، مازال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، يتصدر قائمة هؤلاء الخاسرين، فهو لم يخسر رهان اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد فقط، بل خسر علاقاته مع معظم دول الجوار، وربط اسم تركيا بالارهاب و“داعش” والقاعدة والتكفيريين، ونقل الفوضى التي زرعها في سوريا الى بلاده، وبدات التفجيرات الانتحارية والاغتيالات تضرب المدن التركية، كما اشتعلت المناطق الكردية مرة اخرى، وتوترت علاقاته مع الحليف الاكبر امريكا، وادخل العلاقات التركية الروسية الى نفق الازمة، وضُرب اكبر عصب في الاقتصاد التركي وهو السياحة.
الوضع التركي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية التي يقودها اردوغان، لخصته صحيفة المونيتر الأمريكية افضل تلخیص فی مقال نشرته مؤخرا، حيث كتبت تقول ان السلطات التركية وقعت في الفخ الذي نصبته في سوريا ولم تعد قادرة على التعامل مع العديد من المناطق الرمادية في السياستين الداخلية والخارجية، فقد فقدت أنقرة كل المزايا والأفضليات في الساحة الدولية وباتت مجريات الوضع في سوريا تسير لغير مصلحتها، فسياستها في سوريا تبدو يائسة وفاشلة ولم تعد المسالك القديمة تساعدها بتاتا، لقد فشلت واندثرت منذ فترة طويلة خطط وآمال أنقرة في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وفرض نظام المتطرفين في دمشق، بعد ان فقدت الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا مواقعها بالتدريج في المواجهات مع الجيش السوري المدعوم من قبل روسيا وحلفائه ووحدات الدفاع الشعبي الكردية.
وفي ظل الجدل مع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة، فقد سقطت فكرة التدخل العسكري الخارجي ولم يبق لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو أي خيارات لمواصلة دفع الخط التركي المعتمد في سوريا.
ويبدو أن تركيا التي راهنت على المجاميع المسلحة وأقرت بتأييدها علنا ورمت بثقلها من أجل إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وما يجري حاليا في السياسة الخارجية التركية يعني أن حزب العدالة والتنمية الحاكم تعرض للفشل الذريع في هذا المجال، هذا الامر ادى إلى ان تقلص تركيا إمكانياتها بشكل كبير في الساحة الدولية، واخذت تتمسك بمنهج الانتقام المكشوف وتسير على مبدأ ”من ليس معنا فهو ضدنا” في الساحتين الداخلية والخارجية.
صحيفة المونیتر الامریکیة ترى من اهم نتائج سياسة اردوغان، انه بات عاجزا عن التعامل والسيطرة على المناطق “الرمادية”، هذه المناطق تتمثل في الفوارق والاختلافات السياسية والإثنية والطائفية القوية التي تسود في داخل تركيا وكذلك في تدهور الموقف التركي في الأزمة السورية.
الطريق المسدود الذي وصل اليه اردوغان في تركيا، وبدلا من ان يدفعه الى التفكير مليا بسياسته ويعالج نقاط الضعف فيها، نراه تأخذه العزة بالاثم ويتمادى في هذه السياسة التي تدفع تركيا نحو الهاوية، فقد وجد في تعزيز العلاقة من “اسرائيل” طوق نجاة له ولحكومته من الورطة التي أسقط فيها تركيا، وزاد من تخبطه ايضا انه سمح للطائرات المقاتلة السعودية بالتمرکز في قاعدة سلاح الجو التركي (إنجرليك)، وتمهيد الأرضية امام تمركز قوات بريّة سعودية فوق الاراضي التركية بالقرب من الحدود السورية، من اجل تنفيذ الخطة ب الامريكية والتي تهدف الى تقسيم سوريا في حال فشلت المفاوضات السياسية، وفقا للرواية الامريكية.
جانب من هذه الخطة او الرواية الامريكية اشار اليه عن الأدميرال المتقاعد جايمس ستافريديس، القائد السابق لقوات التحالف بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في حديث مع شبكة “سي.إن.إن.” الإخبارية الأمريكية، عندما قال إن الخطة الاحتياطية أو الخطة “ب” التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في حال فشل اتفاق “وقف الأعمال العدائية” في سورية قد تتضمن عملا بريا تستثنى روسيا منه.
سياسة الدفع بتركيا نحو الهاوية من قبل امريكا عبر تحريض اردوغان، باتت واضحة المعالم، فقد استمر القصف التركي لمواقع وحدات حماية الشعب الكردي التي تقاتل “داعش” في تل ابيض واعزاز رغم الهدنة الامریکیة الروسية، وهذا القصف هو تجسيد عملي للموقف الذي أعلن عنه رئيس الوزراء احمد داوود اوغلو عندما رفض التزام بلاده بالهدنة اذا كانت تهدد الأمن القومي التركي !!!.
الملفت ان اردوغان لا يستطيع كتم الاسرار، فهو عادة ما يفضح نفسه وحلفاءه عندما يتحدث عن سوريا، فهو يكشف عن نواياه ونوايا حلفائه في الوقت الذي يتصور انه يشن هجوما على الرئيس السوري بشار الاسد، واخر هذه الاسرار التي كشفها اردوغان، عندما قال أن هناك “من يسعى لتأسيس دويلة” في الساحل السوري، فمثل هذا القول يعكس مكنونات اردوغان ومن يقف وراءه، ولا علاقة له لما يحدث على ارض الواقع، فهو ومنذ اليوم الاول في الحرب التي فرضت على الشعب السوري يسعى الى اقتطاع مناطق من شمال سوريا الى امبراطوريته تحت عناوين شوفينية وعنصرية واخرى طائفية - لذلك نراه يعمل بكل ما أوتيه من قوة لضرب الهدنة من اجل اكمال مخططه في سوريا، فقد أعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا سيرغي كورالينكو, عن رصد 9 حالات “اختراق” للهدنة في سوريا، خلال 24 ساعة، من بينها قصفاً تركياً على تل ابيض في الرقة, وكذلك اختراق الحدود السورية من قبل مجموعة من المسلحين قوامها نحو 100 فرد من ناحية تركيا, مطالبا واشنطن بتفسير حول القصف من الجانب التركي, على اعتبار أن تركيا عضو في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.
اخيرا كان الأحرى باردوغان ان يتوقف ولو قليلا امام هذا الكم الهائل من الفشل الذي تراكم خلال السنوات الخمس الماضية جراء سياسته غير المسؤولة والعبثية في سوريا، والتي اضرت بسوريا كما اضرت بتركيا والمنطقة برمتها، عسى ان يخرج بنتيجة يمكن ان تعيد بعض التوازن لهذه السياسة الكارثية، التي لم تجلب لتركيا سوى الخراب، لا ان يتمادى بهذا الشكل، الذي لا يمكن تبريره الا بعقد الانتقام والثأر والطائفية العمياء.
•  سامي رمزي - شفقنا

208