لقد فجّر الاِمام أبو الاَحرار ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب وجعلها عبرة لأولي الاَلباب، فدكّ بها حصون الظلم، وقلاع الجور. ان ملحمة كربلاء من أهم الاَحداث العالمية، بل ومن أهمّ ما حققته البشرية من إنجازات رائعة في ميادين الكفاح المسلّح ضدّ الظلم و الطغيان، فقد غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الاِسلامية، وفتحت لها آفاقاً مشرقة للتمرّد على الظلم والطغيان. لقد ألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الاحرار، في سبيل تحرير المجتمع من نير العبودية والذلّ، وإنقاذه من الحكم اللاشرعي.
ان ثورة الإمام الحسين (سلام الله عليه)، لم تكن ثورة انفعالية، ولا حركة عشوائية، ينقصها الوضوح في الرؤية، أو القصور عن تحديد الغايات والأهداف، بل كانت ثورة واعية، لها رؤيتها الواضحة، وأهدافها المحددة، والتي كشف عنها مفجرها في أول بيان من بياناته المتعلقة بها، وذلك حين قال صلوات الله وسلامه عليه: (إني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا ظالما، ولا مفسدا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله، وأبي أمير المؤمنين، فمن قبلني بقول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ أصبر هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين).
عندما نتحدث عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم) لا نتحدث عن إنسان عادي عاش ثم مات، دون أن يكون له أي أثر في الحياة، وإنما نتحدث عن شخصية قدسية حلّقت في سماء المجد والعظمة، حتى وصلت إلى أسمى المراتب وأرفع المقامات، فلم يسبقها سابق، ولن يلحقها لاحق في جميع المناقب والفضائل والمآثر والمكرمات. إنها الشخصية الكبيرة التي تمثل الامتداد الطبيعي لخط النبوة والرسالة في الأرض، وهي الشخصية المعصومة التي تهدي للتي هي أقوم، كما أنها حلقة الوصل بين الأرض والسماء، وباب من أبواب الله التي منها يؤتى.
لقد كان أن لديه (سلام الله عليه)، رؤية واضحة جدا، وتشخيص دقيق لحال الأمة الإسلامية، وما منيت به من انحراف عن الحق، وحياد عن الصراط المستقيم، وميل عن الجادة السوية، وتفسخ من القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة، وانغماس في الباطل، وإتباع للهوى، وانسياق وراء الشهوات… وأن ذلك كله بسبب يزيد وحكومته الطائشة. وبحق إن الحسين (سلام الله عليه)، مدرسة شامخة عملاقة، ضخمة كبيرة، شاسعة واسعة مترامية الأطراف، تزخر بكل أنواع العلوم النافعة، والمعارف المفيدة، في شتى الحقول وكل الميادين، وعلى جميع الأصعدة والمستويات.
ان لكل ثورة من الثورات، أو نهضة من النهضات، شعارات محددة ومميزة، وعادة ما تعكس هذه الشعارات الخلفية الفكرية والسياسية والاجتماعية لمنهج ونهج الثورة وأصحابها .
وكل متأمل في شعارات الإمام الحسين (سلام الله عليه)، في يوم عاشوراء، وكذلك شعارات أهل بيته وأصحابه (سلام الله عليهم)، يكتشف بوضوح أنها كانت تعبر عن قيم الحرية والإصلاح في مواجهة الاستبداد والفساد، فالإمام الحسين (سلام الله عليه) لم يكن هدفه من ثورته ونهضته المباركة الاستيلاء على الحكم او مكاسب دنيوية، وإنما كان الهدف الحفاظ على الدين من التحريف والتزييف، بل إن الدين كله كان في خطر عظيم، ويتمثل ذلك بسعي وعاظ السلاطين إلى اختلاق الكثير من الأحاديث الموضوعة، وتحوير المفاهيم، وتشويه تعاليم الدين وأحكامه. وكذلك مقاومة الاستبداد والدكتاتورية والقهر والظلم الذي كان يمارسه الحكم الأموي ضد الأمة الإسلامية، وأيضاً كان الإمام الحسين (سلام الله عليه)، يهدف من ثورته إلى الوقوف بوجه الفساد بمختلف أبعاده الدينية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقيام بدور المصلح، وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين .
لقد كانت شعارات الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء مدوية وقوية ومعبره عن معاني الحرية والكرامة والعزة والشرف، ورفض الاستعباد والاستبداد والذل والخنوع. لقد رفع الإمام الحسين (سلام الله عليه)، مجموعة من الشعارات المعبرة عن نهجه وفكره و مواقفه الشجاعة في يوم البطولة والفداء، يوم عاشوراء المصبوغ بالدماء.
ان بعض كلمات الإمام الحسين (سلام الله عليه)، سواء التي نطق بها أثناء مسيره من المدينة إلى كربلاء أم تلك التي قالها في يوم عاشوراء، اتخذت طابع النداء المؤثر الذي يدعو الى الجهاد والكرامة، لاجل ايقاظ الضمائر وصحوة الأمة. ويمكن التعرف من خلال هذه الشعارات على الأهداف والأفكار والمعنويات التي كان يتصف بها رجال عاشوراء واعتبار تلك المعالم المضيئة شعارات للثورة الحسينية الخالدة وللقضية المبدئية التي نهض بها أبو الأحرار(سلام الله عليه) لنصرة الدين.. ومن هذه الشعارات:
*(على الإسلام السلام، إذا بُليت الأمة براع مثل يزيد).
قال هذا الإمام الحسين (سلام الله عليه)، ردا على طلب مروان في المدينة عندما أراد منه مبايعة يزيد.
*(ولله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية).
جاء هذه في رده على أخيه محمد بن الحنفية.
*(إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
قال هذا عليه السلام، مخاطبا أنصاره في كربلاء.
* (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قل الديانون).
قال هذا عليه السلام، في منزل ذي حسم أثناء مسيره الى كربلاء.
*(ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟ فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا).
قاله عليه السلام، في كربلاء مخاطبا أصحابه.
*(خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة).
قالها عليه السلام، في مكة قبل الخروج إلى الكوفة أمام جمع من أنصاره وأهل بيته.
*(من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله، ناكثا عهده مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله).
قاله عليه السلام، مخاطبا جيش الحرّ في منزل البيضة على طريق الكوفة.
*(ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله).
سطّر الحسين هذه الصفات الحقّة للإمام في الكتاب الذي بعثه مع مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة.
*(سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما).
هذا الشعر لشخص آخر تمثّل به الحسين ردا على تهديدات الحرّ على طريق الكوفة.
*(رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجر الصابرين).
قاله عليه السلام في خطاب لأصحابه عند خروجه من مكة.
*(ألا من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا).
قاله عليه السلام عندما عزم على الخروج من مكة الى الكوفة، مبيّنا طريق الشهادة الدامي الذي سيسلكه.
*(انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
مقتطف من الوصية التي كتبها سيد الشهداء لأخيه محمد بن الحنفية قبل خروجه من المدينة.
*(والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد).
ورد هذا القول في كلامه صبيحة يوم عاشوراء مخاطبا جيش الكوفة الذي أراد منه الاستسلام.
*(هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون).
قال هذا الكلام مخاطبا جيش الكوفة حين وجد نفسه مخيّرا بين طريقي الذلة والشهادة.
*(فهل إلاّ الموت؟ فمرحباً به).
جاء هذا في رده عليه السلام، على كتاب عمر بن سعد الذي طلب فيه من الإمام أن يستسلم.
*(صبرا بني الكرام ، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائم).
خاطب بهذا الكلام أصحابه المستعدين للبذل، في صبيحة يوم عاشوراء بعد أن استشهد عدد منهم.
*(الموت أولى من ركوب العار * والعار اولى من دخول النار).
كان الامام الحسين عليه السلام يرتجز بهذا الشعر يوم عاشوراء، عند منازلة الاعداء، ويعلن فيها استعداده للشهادة وعدم تحمل عار الخنوع.
*(موت في عز خير من حياة في ذل).
*(إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم).
خاطب أتباع آل أبي سفيان بهذا الخطاب قبل استشهاده بلحظات حين تناهى إلى سمعه أنهم عازمون على الإغارة على خيم حريمه وعياله.
*(هل من ناصر ينصرني؟ هل من ذابّ يذبُّ عن حرَمِ رسول الله).
استغاث الحسين بهذا النداء بعد استشهاد جميع أنصاره وأهل بيته.
هذه المجموعة من الجمل المعبرة التي تعتبر بمثابة رمزية شعارات أبي عبدالله الحسين عليه السلام في نهضته وهي تدل على عظمته التي استمدها من عظمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أضاء للبشرية دربها وحياتها بتضحياته ووقوفه بكل إباء وصلابة في وجه الظلم والطغيان الأموي وبهذه الشعارات الرائدة الخالدة هز عروش الظالمين والمتآمرين على الإسلام. وكل شعار من شعارات الثورة الحسينية يعتبر مدرسة يتعلم فيها الإنسان كيف يصوغ شخصيته كاملة نزيهة عملاقة، تقف صامدة بوجه الظالمين والمستكبرين بكرامة وعزة.
2-205