العالم - مقالات وتحليلات
وهذه المعادلة الآتية بالضبط تشبه التجلي الأخير لتلك النظرية، حيث يقول "تمكين نظام من شعبه بالإبادة والتهجير لا يُسمى انتصارًا بل جرائم ضد الإنسانية"، وهنا أيضًا تقنيًا وقانونيًا لا يمكن لأحدٍ إثبات سياسية هذه المعادلة، فهو قد اعتزل السياسة عن سبق إصرارٍ وتصميم، فإن قلت أنّه يقصد سوريا مثلًا، قد يحاججك أنه يقصد إعصار فلوريدا أو بركان فيزوف مثلًا، واللافت في الأمر أنّ الإعلام السعودي يأخذ على عزمي بشارة أنّه تطبيعي التوجه، وهذا المأخذ مستوعبٌ من جهةٍ خشبيةٍ توقف الزمان لديها عند قاعدة ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وتحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، أمّا أن يأتي من إعلام مشيخاتٍ تسعى لتهيئة كل الظروف وإنضاجها ليصبح إشهار العلاقات بالكيان "الإسرائيلي" مستساغًا، فهو دليلٌ إضافي على أنّ ذلك الإعلام يتعامل مع عقول مشاهديه بمنطق القطيع، فقط بالأمس نشرت وسائل إعلام "إسرائيلية" نبأ زيارة أميرٍ سعودي من البلاط الملكي لـ"إسرائيل"، وأعتقد أنّ سفير مملكة الخير هذا ما جاء إلّا ليهديهم إلى الصراط المستقيم، وليس لطلب الدعم في أمريكا لتمليك بن سلمان عرش أبيه، وليس لتقديم الدعم في معاداة حزب الله وإيران وللمفارقة حماس قطعًا، وليس للتهديد طبعًا بإلغاء ما يسمى بـ"المبادرة العربية للسلام".
قد يظن السعوديون-أو بالأحرى ضابط السي آي إيه الذي يفكر لهم- أنّ العلاقات القطرية الإسرائيلية هي مانع إطلاق يدها في غزو قطر، لذلك يحاولون استقطاب "إسرائيل" لصالح عدالة قضيتهم، ونحن نظنّ أنّ الظرف الحصري الذي يمكن من خلاله أنّ نعتقد بوجاهة عجز واشنطن عن استمراريتها في إخضاع مشيخات الخليج (الفارسي)، هو ذاته الظرف الذي سنعتقد فيه قدرة تلك المشيخات على ممارسة التمرد على الإرادة الأمريكية، وهو عدم وجود أحدهم، فإمّا أن تتفكك الولايات المتحدة أو تعود جزيرة معزولة، وإمّا تزول المشيخات العائلية في الخليج (الفارسي)، حينذاك حصرًا يمكن البناء تحليليًا على وجاهة العجز الأمريكي أو التمرد الملكي والأميري، ولكنّ هذه القناعة التحليلية قبل أن تكون شخصية، لا تروق للإعلام السيادي في تلك المشيخات، رغم أنّها سيادة لا تخجل من تأبط القدم الأمريكية، فهذه القدم المباركة لا تمارس الركل للسيادة وإن كانت تمارس السحل المحتمل. فما حدث بعد زيارة أمير الكويت لواشنطن من اتصالات بين أطراف الأزمة، وبين أمير قطر وولي العهد السعود خصوصًا، لا يبدو بعيدًا عن سياسة الابتزاز الأمريكية، فقبل أسبوعٍ تقريبًا قال عادل الجبير وزير الخارجية السعودي "وما الضير في استمرار الخلاف سنتين إضافيتين"، وهذا يعني بقاء الوضع على ما هو عليه دون الحاجة لاستجداء أمريكا من خلال المال أو "إسرائيل" من خلال الإغراء بإشهار العلاقات العرفية، ولكن يبدو أنّ خسائر الإعاصير تحتاج لروافد مالية تعويضية، فجاءهم ترامب باتصالٍ كالإعصار، وأول الغيث صفقة تسليح للبحرين بقيمة 4 مليار دولار.
حين أودّ تناول ما يسمى بالأزمة القطرية، أحاول استحضار كل المخزون الفطري والمكتسب من السخرية، ولكن هذا لا يعني التقليل من دهشة الوضع المفجع، فهذا الكمّ من المال والجهد والوقت الذي يُصرف على هذه "المسخرة"، قادرٌ على انتشال الوطن العربي من الفقر والمرض والبطالة والأمية، ولكن أنَّى للإمعات من عقول، وأنّى لها من إرادة.
ايهاب زكي - بيروت برس
2-4