من هو إيلياهو كوهين؛ عرّاب التطبيع العربي مع "اسرائيل"؟

الإثنين ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥
١١:٥٠ بتوقيت غرينتش
يُعدّ إيلياهو كوهين، وزير الطاقة في حكومة الكيان الإسرائيلي، من أبرز الشخصيات التي تقف خلف مشروع التطبيع بين "إسرائيل" وعدد من الدول العربية.

رغم أن المنصب الحالي لإيلياهو كوهين يبدو اقتصادياً بحتاً، يغوص كوهين في ملفات سياسية وأمنية واسعة ومعقّدة تشكلت على مدى سنوات طويلة. هذا المسار المهني والجيو-سياسي وضعه في موقع "عرّاب اتفاقيات التطبيع" داخل كيان الاحتلال، حيث يلعب دوراً مزدوجاً يجمع بين إدارة البنية التحتية الحيوية (الطاقة) وتوجيه الدبلوماسية السرية.

إن بصمة كوهين في السياسة الإسرائيلية الحديثة تتجاوز بكثير مهام وزارته الظاهرة. هو مهندس استراتيجي يرى في التكنولوجيا، والموارد الطبيعية، والتجارة، الأدوات المثلى لتكريس النفوذ الإقليمي وتطويع الخصوم.

دلالات الاسم: صدى الجاسوسية التاريخية

اختار كوهين أن يُعرّف نفسه بالاسم المختصر "إيلي كوهين"، وهو الاسم ذاته الذي كان يحمله الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي أُعدم في ساحة المرجة بدمشق عام 1965 بعد انكشاف أمره، إثر سنوات من التجسس لصالح الكيان وتقديمه معلومات بالغة الحساسية من داخل سوريا.

مع أن الجاسوس إيلي كوهين يمثل في الذاكرة الإسرائيلية صورة "البطل القومي" الذي ضحى بنفسه من أجل أمن الدولة، فإن تكرار الاسم في الساحة السياسية الإسرائيلية الحديثة أثار كثيراً من الجدل حول رمزية هذا التشابه. استخدام هذا الاسم في سياق سياسي وإعلامي مدروس يهدف إلى استحضار صورة القوة والتغلغل الاستخباراتي الناجح، مما يضفي هالة من الغموض والفعالية على مساعي السياسي إيلياهو كوهين. يرى النقاد أن هذا التماهي اللفظي مقصود لربط الإنجازات السياسية الحالية بـ"التضحيات البطولية" السابقة في عيون الرأي العام الإسرائيلي.

مسيرة الفريق السياسي: تنقلات حكومية واستخباراتية

شغل إيلياهو كوهين حقائب وزارية متعددة وحساسة خلال مسيرته داخل حكومات الاحتلال. شملت هذه المناصب:

  1. وزير الاقتصاد: حيث ركز على تعزيز الروابط التجارية.
  2. وزير الطاقة: وهو المنصب الحالي، ويُستخدم كغطاء لتطوير مشاريع إقليمية مشتركة (مثل مشاريع الغاز الطبيعي في المتوسط).
  3. وزير الخارجية: ما منحه شرعية أكبر للتواصل مع العواصم العالمية.
  4. وزير الاستخبارات: وهو المنصب الذي سمح له ببلورة شبكة علاقاته السرية.

إضافة إلى هذه الوزارات، كان كوهين عضواً فاعلاً في مجلس الوزراء المصغّر (الكابينيت)، وقد تم ترشيحه لهذه المناصب بفضل ولائه لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، الذي يُعد من أقرب حلفائه الاستراتيجيين.

صلاحيات "الحرية المطلقة" في الاستخبارات
خلال تولّيه حقيبة الاستخبارات، طلب كوهين العمل "بحريّة مطلقة". هذا الطلب لم يكن بروتوكولياً، بل كان يهدف إلى الاستفادة من صلاحيات الوزارة في الانفتاح على القنوات الدبلوماسية غير التقليدية. من خلال هذه القنوات، بدأ كوهين ببناء شبكة علاقات سرية مع عدد من الدول العربية، مبتعداً عن المسارات الدبلوماسية التقليدية التي قد تخضع لتدقيق أكبر. كانت استراتيجية كوهين تعتمد على ربط المصالح الأمنية والاقتصادية بشكل مباشر، بعيداً عن الضغوط المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

هندسة اتفاقيات التطبيع: بوابة الاقتصاد

لمع اسم كوهين على نحو كبير عام 2020 عندما لعب دوراً محورياً في هندسة اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ"اتفاقيات أبراهام"، بين الكيان الإسرائيلي وكلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

لقد تطلبت هذه العملية سلسلة طويلة من اللقاءات السرية التي جمعته بزعماء ومسؤولين عرب في عواصم مختلفة. وقد كان تركيزه الدائم منصباً على "البوّابة الاقتصادية" كمدخل أساسي للتطبيع السياسي:

  1. التقنية والطاقة: عرض إسرائيل كشريك موثوق في مجالات المياه والطاقة المتجددة، خاصة الغاز المستخرج من حقل تمار ولوياثان في شرق المتوسط.
  2. الاستثمار والأمن السيبراني: فتح أسواق للاستثمارات الإسرائيلية وتوفير حلول أمنية متقدمة.

تواصل العمل السري
المعلومات الواردة من أوساط دبلوماسية أكّدت أن كوهين لم يتوقف عند الدول الأربع الموقعة. كان يعمل على ملفات تطبيع إضافية مع دول عربية أخرى، وأن لقاءاته السرية تواصلت حتى عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023. هذه العملية أوقفت هذا المسار بشكل مفاجئ وأعادت ترتيب أولويات السياسة الإسرائيلية، حيث طغت الأولويات الأمنية العاجلة على المخططات الدبلوماسية طويلة الأمد.

المواقف الأيديولوجية: الاستيطان واليمين المتطرف

إيلياهو كوهين ليس مجرد دبلوماسي اقتصادي، بل هو صلب الأيديولوجيا الصهيونية اليمينية المتشددة.

دعم الاستيطان
يُعد كوهين من الداعمين الرئيسيين للمستوطنين في قطاع غزة (إشارة إلى النية الإسرائيلية للعودة للسيطرة على أجزاء من غزة بعد الحرب) والضفة الغربية. وكان من أوائل الناشطين في دعم مشروع ضمّ مستوطنة "معاليه أدوميم" إلى السيادة الإسرائيلية على القدس، وهي مستوطنة تقع في قلب الأراضي التي يُفترض أن تكون جزءاً من دولة فلسطينية مستقبلية.

الرسالة الصارمة
تعكس تغريدة نشرها كوهين عبر منصّة "إكس" (تويتر سابقاً) فكره المتشدد: "متأكد من انضمام المزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات التطبيع، ولكن عبر القوة وبعد إخضاع الأعداء. أحداً في الشرق الأوسط لا يصنع السلام مع الضعفاء". هذه العبارة تؤكد أن إطار عمله يرتكز على مبدأ القوة والعقيدة الدفاعية المتطرفة لحزب "الليكود" الذي ينتمي إليه، والذي يعتبر أول حزب يميني يترأس الكيان منذ تأسيسه.

الترابط التاريخي الاقتصادي-الاستيطاني
تاريخياً، ارتبط نشاط كوهين الاقتصادي والسياسي بشركات ذات دوافع استيطانية واضحة. فقد كان مرتبطاً بشركات مثل "تطوير أرض إسرائيل" (وهي تسمية تشير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة)، والتي وُصفت بأنها من أهم أدوات الحركة الصهيونية في شراء أراضي فلسطين منذ عام 1909. هذا الترابط يظهر بوضوح أن مشروع كوهين السياسي لا ينفصل عن المشروع الاستيطاني الممتد تاريخياً، وأن الاقتصاد هو ببساطة أداة لشرعنة التوسع على حساب الأراضي الفلسطينية.

البداية السياسية والتحول نحو النفوذ

بدأ كوهين مشواره السياسي بالانضمام إلى حزب "كولان" (الذي يعني "الكل" أو "الصوت للجميع")، وكان هذا الحزب حليفاً لحزب "الليكود" في تلك المرحلة. نجح في ترؤس قائمته الانتخابية مما مكّنه من الوصول إلى مقعد في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).

من أول المناصب الوزارية التي تقلّدها كانت وزارة الاقتصاد عام 2017. استغل كوهين خبراته الاقتصادية وخلفيته الفكرية المرتبطة بالحركة الصهيونية لتكريس رؤيته: "الاقتصاد بوابة النفوذ السياسي". منذ ذلك الوقت، نُظر إليه بوصفه مهندس التطبيع الاقتصادي الذي يبني سياسة الكيان على معادلة مقايضة التكنولوجيا والمصالح المشتركة مقابل الاعتراف السياسي.

العداء لإيران والشك في الدبلوماسية الغربية

يُعرف كوهين بمواقفه العدائية الشديدة تجاه إيران، ويعتبرها التهديد الوجودي الأول للمنطقة. كان معارضاً قوياً للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (الاتفاق الشامل لخطة العمل المشتركة، واصفاً إياه بأنه تهديد للأمن الإقليمي والعالمي وأنه سيقود إلى "حرب عالمية".

كوهين يؤمن بأن الجهود الدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط، عندما تكون مصحوبة بمرونة، لن تحقق أي "توازن" حقيقي، بل ستؤدي إلى مزيد من الصراعات التي يمكن للكيان استغلالها لتوسيع نفوذه تحت شعار "الردع الاستراتيجي". بالنسبة له، الردع لا يتحقق بالتفاهم، بل بالهيمنة والتفوق العسكري والاقتصادي المطلق.

التشابه الأيديولوجي مع نتنياهو

يُجمع المحللون على أن قرب كوهين من نتنياهو نابع من تشابه رؤيتهما الأيديولوجية الصهيونية المتشددة. كوهين يخدم أهداف مشروع اليمين المتطرف داخل الكيان وخارجه عبر محاور متوازية:

  1. توسيع التطبيع: إدخال المزيد من الدول العربية في المظلة الإسرائيلية لتعزيز العزلة الإقليمية لإيران وقطع الطريق على أي مبادرة فلسطينية.
  2. حماية الحكومة القائمة: العمل على تحقيق مكاسب سياسية خارجية تدعم استقرار الحكومة الداخلية اليمينية.
  3. تنشيط أدوات النفوذ: استخدام الغطاء الاقتصادي والدبلوماسي لتعزيز الوجود الإسرائيلي.

مرحلة ترامب ومفاهيم القوة في التطبيع

المرحلة الأولى من اتفاقيات التطبيع التي هندسها كوهين جرت بالكامل خلال فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، مستندة إلى التفاهم السياسي بين الرجلين. كلاهما شارك القناعة بأن الاقتصاد هو بوابة التطبيع وأن "إخضاع الأعداء" شرطٌ مسبق للاستقرار السياسي في المنطقة.

الغريب أن كوهين يرى حتى بعض الدول التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع الكيان "أعداء" بحكم الديناميكية التاريخية. ويرى أن إسرائيل يجب أن تهيمن على العلاقة من "موقع القوة" لا من موقع التقارب المتساوي. التطبيع بالنسبة له هو إقرار عربي بالواقع الجديد الذي فرضته إسرائيل.

إقرأ ايضاً.. كوهين يكشف عن ممر يمتد من السعودية إلى كيان الاحتلال يغير القواعد

0% ...

آخرالاخبار

قتلى وجرحى باشتباكات مسلحة غرب طرابلس في ليبيا


قبائل جبل راس والعدين ومقبنة في الحديدة تُعلن النفير العام


العراق:جدل سياسي بعد إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


تفكيك خلية ارهابية غرب العاصمة طهران


البحرية الأمريكية تؤكد انضمام مدمرة إلى قواتها في منطقة البحر الكاريبي


بقائي: العقوبات القسرية أحادية الجانب جرائم ضد الانسانية


بالفيديو ... موكب سيارات يرفع أعلام حزب الله يجوب شوارع في بغداد​


إيرواني: الإجراءات القسرية أحادية الجانب انتهاكٌ لحقوق الإنسان والحق في التنمية


الرئيس بزشكيان يغادر محافظة كهكيلويه وبوير أحمد عائدا إلى طهران


سوريا...توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة