من غزة المدمرة، إلى بغداد المحاصرة، إلى بيروت التي تمشي بين الألغام، المشروع واحد وواضح: "شرق أوسط جديد بلا مقاومة، بلا كرامة، وبلا سلاح".
في العراق، الحشد الشعبي الذي واجه داعش وشكّل حزام أمان لأمن الدولة، يتعرض اليوم لحملة سياسية كبيرة. خلال أيام، من المقرر أن يعرض البرلمان العراقي قانون تنظيم الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي. القانون بسيط من الناحية الشكلية، يمنح عناصر الحشد وضعًا قانونيًا مشابهًا للقوى الأمنية، لكنه عمليًا يعني تحويل الحشد الشعبي إلى قوة رسمية راسخة ضمن مؤسسات الدولة.
هنا دقت أمريكا ناقوس الخطر، لأن الحشد هو نواة مقاومة لا يمكنها السيطرة عليها مثل الجيش النظامي. تمرير هذا القانون يعني أن سلاح الحشد سيُضفى عليه غطاءً قانونيًا، وهذا ما ترفضه واشنطن بشدة. وفي هذا السياق بدأت الضغوط ومحاولات التعطيل والتأجيل، مع تهديدات غير مباشرة للحكومة، ووصل الأمر إلى تهديد بعض النواب الذين قد يصوتون لصالح القانون.
تقول النائبة آلاء طالباني من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إن نائب السفير الأمريكي قام بجولة على رؤساء الكتل والشخصيات العراقية وهددهم بعقوبات مالية في حال التصويت لإقرار القانون، وأضافت: "هذا تهديد غير مقبول، وهو إهانة كبيرة لنا ولتاريخ العراق ومؤسساته".
من جهته، أكد النائب العراقي علاء الحيدري أن بعض الكتل السياسية تعرقل تمرير القانون استجابة لضغوط أمريكية، ما يسبب خيبة أمل كبيرة بين جماهير الحشد الشعبي. وهناك معلومات عن ضغوط أمريكية وبريطانية مباشرة، وتهديدات ضمنية بعقوبات ووقف مساعدات، والهدف واحد: ضرب شرعية الحشد الشعبي.
بعد تدمير غزة واستفراد العدو فيها، لبنان يمشي بين الألغام. الحكومة اللبنانية قررت وضع الجيش في مواجهة حزب الله بشكل غير مباشر، عبر خطة ليكون السلاح بيد الدولة، ما يعني نقل الصراع السياسي للمؤسسة العسكرية.
وفي الوقت نفسه، انفجر مستودع تابع لحزب الله وأسفر عن استشهاد عناصر من الجيش، ما زاد من التوتر.
هكذا تتجلّى ملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ صورة بدأت تظهر شيئًا فشيئًا: " غزة يجب أن تُدمَّر، حماس ينبغي أن تُمحى، حزب الله يُجرَّد من سلاحه، والحشد الشعبي يُحلّ .والنتيجة: شرق أوسط بلا مقاومة... وبلا كرامة."
لكنّ القضية اليوم لم تعد قضية جيوش وعسكر وسلاح فحسب، بل تحوّلت إلى قضية شعوب تعوّدت أن تظل رؤوسها مرفوعة، حتى وإن حوصرت بالموت والجوع. هذه الشعوب، من غزة إلى بغداد إلى بيروت، لن تنكسر، ولن تستسلم.
وما هو آتٍ... سيشهد على ذلك.